أوروبا تضغط على منتجي اللقاحات بالقضاء

مع العراقيل المتتالية التي تعترض سلسلة إمدادات اللقاحات في الاتحاد الأوروبي يوماً بعد يوم، تئنّ المنظومات الصحية في معظم البلدان الأوروبية تحت وطأة موجة وبائية جامحة تزداد تعقيداً وخطورة بسبب السلالة، أو الطفرة، الفيروسية سريعة السريان لـ«كورونا» التي ظهرت في بريطانيا، والتي ترجّح بيانات حديثة أنها ليست أسرع انتشاراً من السلالات الأولى فحسب، بل قد تكون أشد فتكاً منها بنسبة 30% بين المصابين الذين تجاوزوا الستين من العمر.
وفيما كانت المفوضية الأوروبية تحاول منذ أيام طمأنة الدول الأعضاء بأن التأخير الذي أعلنت عنه شركة «فايزر» لتسليم لقاحها في الأسابيع المقبلة سيتمّ تعويضه قبل نهاية الفصل الأول من هذا العام، استدعت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، كبار المسؤولين في شركة «أسترازينيكا» لاجتماع طارئ اليوم (الثلاثاء)، في بروكسل لمعرفة تفاصيل الأسباب التي حدت بها إلى الإعلان أول من أمس (السبت) عن عدم قدرتها على تسليم أكثر من 60% من الجرعات الموعودة حتى نهاية مارس (آذار) المقبل.
وتتعرّض المفوضية الأوروبية منذ أيام لضغوط من بعض الدول الأعضاء المتضررة من تأخير تسليم اللقاحات، لمقاضاة الشركات أمام المحاكم بتهمة عدم الوفاء بشروط العقود المبرمة معها، وإلحاق الضرر بالصحة العامة والاقتصاد الوطني نتيجة التأخير الحاصل في حملات التلقيح.
وكان رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي قد عقد اجتماعاً طارئاً أمس (الأحد)، مع هيئة إدارة الأزمة الصحية بعد أن تأكدت الأنباء بتأخير وصول اللقاحات، وأعلن في نهايته أن الحكومة مضطرة لإعادة النظر في خطة التطعيم متوقعاً خفضها إلى النصف في الفصل الأول من هذا العام. وقال كونتي الذي تواجه حكومته أزمة أغلبية برلمانية قد تطيح به في غضون أيام: «إن التأخير في تسليم اللقاحات ليس مقبولاً بأي شكل من الأشكال، وهو انتهاك خطير لشروط العقد الموقّع من المفوضية، ويُلحق أضراراً صحية واقتصادية ضخمة بإيطاليا التي وضعت خطتها للتطعيم استناداً إلى التعهدات المقطوعة في العقود المبرمة بين الشركات والمفوضية الأوروبية بالنيابة عن الدول الأعضاء». وأضاف أن «الحكومة قررت رفع دعوى أمام المحاكم الإيطالية ضد شركتي (فايزر) و(أسترازينيكا) التي أعلنت عن خفض كمية الجرعات اللقاحية الموعودة في الفصل الأول من العام الجاري، علماً بأن لقاحها لم يحصل بعد على موافقة الوكالة الأوروبية للأدوية».
ولا يستبعد مسؤولون في المفوضية الأوروبية، تحدثّت إليهم «الشرق الأوسط» في اليومين الماضيين، صحة الشكوك التي ترجّح ألا يكون تأخير تسليم كميات اللقاح الموعودة عائداً لمقتضيات تعديل وسائل الإنتاج وتطويرها كما تزعم الشركتان، بل لأنها وقّعت في العقود على تسليم كميّات لا تملك القدرة على إنتاجها في المواقيت المحددة، أو ربما لأنها وقّعت لاحقاً عقوداً مع جهات أو دول أخرى لتسليمها جرعات لقاحية بأسعار أعلى.
الموقف الأوروبي الأكثر تشدداً حتى الآن هو الذي اتخذته إيطاليا التي تتصدّر بلدان الاتحاد في حملات التلقيح، والتي كانت قد أخفقت في إقناع المفوضية باعتماد معيار إضافي لتوزيع الجرعات على الدول الأعضاء يراعي القدرة على توزيعها إلى جانب عدد السكان.
ومن جهته، صرّح رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال أمس (الثلاثاء)، بأن الاتحاد سيلجأ إلى كل الوسائل القانونية المتاحة بهدف إلزام شركات الأدوية احترام الاتفاقات المبرمة لتسليم كميات اللقاحات في مواعيدها.
وفيما ترجّح مصادر دبلوماسية أوروبية في بروكسل أن تحذو فرنسا وألمانيا وإسبانيا حذو إيطاليا بإحالة الشركتين المذكورتين إلى القضاء، ولو من باب الضغط الاستباقي على الشركات الأخرى ومنعاً لحدوث مفاجآت مماثلة في الأشهر المقبلة، دعت المفوضية الدول الأعضاء إلى الحذر والتريّث قبل اللجوء إلى القضاء، لأن العقود الموقّعة مع الشركات المنتجة تنصّ على تسليم جرعات اللقاحات بكميّات فصليّة، وبالتالي لا بد من الانتظار حتى نهاية الفصل الأول من العام لتحديد الكميّات التي يتأخر تسليمها.
ويتوقع خبراء المفوضية الأوروبية في ضوء التأخير المعلن عن تسليم كميات اللقاحات الموعودة أن تضطر معظم الدول الأعضاء لخفض الأهداف التي وضعتها في حملات التطعيم التي يرجّحون أن تقتصر حتى نهاية الفصل الأول من العام الجاري على الأطباء وأفراد الطواقم الصحية والذين تجاوزوا الثمانين من العمر، وربما الذين تجاوزوا الخامسة والسبعين ويعانون من أمراض مزمنة. أما الذين تجاوزوا الستين والمدرّسين وأفراد قوى الأمن والسجناء فكان مقرراً تطعيمهم خلال الفصل الأول من العام، فلا بد أن ينتظروا إلى المرحلة الثانية.
من جهتها أفادت الوكالة الأوروبية للأدوية بأن اللجوء إلى المصانع الوطنية لتعويض التأخير في تسليم الجرعات الموعودة ممكن، لكنه يقتضي فترة لا تقلّ عن خمسة أشهر لتجهيز المصانع بالمعدات والأجهزة والمواد اللازمة لإنتاج هذه اللقاحات الجديدة.
وإلى جانب العراقيل والتعقيدات التي تؤدي إلى تعثّر حملات التطعيم في بلدان الاتحاد الأوروبي، من تأخير وصول اللقاحات إلى صعوبات حفظها وعدم توفّر المهارات الفنيّة الكافية لتوزيعها، يواجه بعض الدول مخالفات متزايدة لتجاوز المواقيت والمعايير المحددة لتوزيع اللقاحات وفقاً للأولويات الصحية المعتمدة.
وفي إيطاليا قدّر جهاز الشرطة المكلّف مراقبة حملات التطعيم أن 25% من اللقاحات التي تمّ توزيعها في بعض مناطق الجنوب، مثل مدينة باليرمو عاصمة جزيرة صقلية، أُعطيت لأشخاص ليسوا مدرجين على قوائم الفئة الأولى الأكثر تعرّضاً. وفي إسبانيا أُفيد يوم السبت بأن رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الجنرال فيّارويا، قدّم استقالته من منصبه بعد أن كُشف أنه وعدداً من كبار الضبّاط تحت إمرته قد تناولوا اللقاح رغم أنهم ليسوا ضمن فئات الأولوية.