لماذا نعاني من التشوش بشأن لقاحات «كورونا»؟

كشفت جائحة «كوفيد - 19» كل عيوب الحوكمة الوطنية والدولية. فقد كافحت منظمة الصحة العالمية وأخطأ العديد من البلدان، حتى تلك التي يُفترض أنها أفضل استعداداً لمواجهة الجائحة، وفشل بعضها في استيعاب الدروس من تجارب البعض الآخر، بكلفة أرواح بلغت مليوني شخص وتريليونات الدولارات.
وتتساءل الكاتبة كلارا فيريرا ماركيز في تقرير نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء: هل صحح العالم نقاط الضعف تلك؟ إن حملة التطعيم ذات الحجم القياسي هي أول فرصة لتقييم ذلك جزئياً على الأقل، والنتائج العالمية ليست مشجّعة بالمستوى الذي ينبغي أن تكون عليه.
الولايات المتحدة على سبيل المثال، كانت تأمل في إعطاء ما لا يقل عن 20 مليون شخص اللقاحات الأولى لفيروس «كورونا» بحلول نهاية العام الماضي، لكنها تمكنت حتى الآن من تطعيم أقل من نصف ذلك بقليل. وعانت الولايات، التي أعاقها الدعم الاتحادي الضعيف، مع الأساسيات مثل: مَن يأخذ اللقاح أولاً؟ وتسببت المواقف المتشددة للغاية والموسعة للغاية في حدوث مشكلات، وفقاً لتقرير «بلومبرغ».
وعانت فرنسا من التردد بشأن اللقاحات. وتسابقت روسيا لتطوير واعتماد لقاحات محلية، لكن السكان المتشككين لا يزالون أقل حماساً. والغالبية العظمى من البلدان لم تبدأ في التطعيم حتى الآن، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.
وتقول ماركيز إنه «تم تحديد الجائحة على أنها تهديد قبل عام 2020 بوقت طويل، ولكن بالنسبة إلى معظمنا، كان الواقع أمراً لم يكن من الممكن تخيله بالنسبة لحجمه النهائي، وبالتأكيد بالنسبة للسلسلة المدمرة من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن ذلك. ورغم ذلك، فإنه فيما يتعلق بالتطعيم، كنا نعرف أن هذا اليوم سيأتي في نهاية المطاف». وتضيف: «كانت الحكومات تدرك أن ذلك سيمثل تحدياً لوجيستياً غير مسبوق... وكانت تعلم أنه يمكن أن يحدث في فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي، عندما كان من المفترض أن يكون عدد الحالات أعلى... وكان لديها أشهر للتخطيط ووضع الاستراتيجيات ومناقشة الأساسيات مثل تحديد أولوية جرعة واحدة أو استهداف جرعتين على الفور... ولا يزال الكثيرون يجادلون».
وتقول ماركيز إنه صحيح أن هذه الأيام كانت مبكرة جداً، والدول التي تُبلي بلاءً حسناً في المراحل الأولى قد لا تبدو جيدة عندما نصل إلى خط النهاية، لكن «من الضروري، ونحن نمضي، تقييم ما إذا كان هناك تقدم».
وحسب التقرير فإن «توفير الخدمات العامة على نطاق واسع هو، بعد كل شيء، جوهر وظيفة الحكومة... والأهم من ذلك، أن الأساسيات التي نحتاج إلى الحصول عليها الآن -من المرونة إلى اتّباع العلم ومكافحة المعلومات المضللة- ستدعم كفاحنا ضد كل تحدٍّ عالمي لاحق، وليس أقلها تغير المناخ».
وكما هو الحال مع كل شيء في هذه الجائحة، فإن قياس نجاح التطعيم ليس بالأمر السهل.
وتوضح ماركيز: «يمثل توفير اللقاح إشكالية مباشرة كمقياس لنجاح الحكومة... ويمكننا بالطبع أن نحسب حجم الجرعات التي تم تأمينها في البلدان وكانت هناك أخطاء فادحة كبيرة، كما حدث مع الولايات المتحدة التي أضاعت فرصة شراء جرعات إضافية من شركة (فايزر) في الصيف الماضي... لكنّ المكاسب هنا تعتمد على الثروة والقوة بقدر ما تعتمد على القدرة الإدارية وجودة الحكم».
وحسب التقرير، دفعت إسرائيل مبلغاً كبيراً مقابل حصولها على اللقاحات، وهو أمر لا تسمح به كل ميزانيات الدول التي ضربتها جائحة «كوفيد - 19»، وتمكنت من وضع البيانات في الصفقة أيضاً، بفضل نظام صحي شخصي ورقمي بشكل غير عادي.
وهناك أيضاً سرعة التسليم، بالحصول على الجرعات واستخدامها بالفعل. و«مرة أخرى، لا يتعلق هذا فقط بالحكم الرشيد... بالتأكيد، تعد إسرائيل في مكانة بارزة عند النظر في الجرعات المقدمة بالنسبة لعدد الأفراد، حيث قدمت أكثر من مليوني جرعة لسكان يزيد عددهم قليلاً على تسعة ملايين... وكذلك الحال بالنسبة للإمارات، وحتى بريطانيا».
لكن السرعة هنا كانت تمليها الظروف إلى حد كبير، فهي سباق ضد تفشي خارج عن السيطرة. فإسرائيل لديها أكثر من 535 ألف حالة إصابة، ما يقرب من 6% من سكانها. وسجلت بريطانيا ما يقرب من 56 ألف حالة إصابة جديدة يوم (الجمعة) الماضي، وهي واحدة من أسوأ المعدلات على مستوى العالم. وفي كليهما، يعتمد مصير السياسيين على ذلك.
وترى ماركيز أنه على النقيض من ذلك، فإن نهج «المضي ببطء» الذي اتبعه بعض الدول الآسيوية ليس فشلاً تماماً بالمقارنة، حتى لو كان قرار «التريث» موضع شك خلال جائحة مدمّرة اقتصادياً، حيث تم بالفعل تطعيم الملايين في دول أخرى. وعادةً ما تظهر الآثار الجانبية للقاح بسرعة، و«نحن نعلم أنه حتى اللقاحات التي تمنع حدوث مضاعفات سوف تساعد».
وتتساءل ماركيز: إذن، ما أفضل اختبار لكيفية أداء الحكومات بالفعل، بغضّ النظر عن الثروة الموجودة مسبقاً وحالة «كوفيد - 19»؟
ويجيب التقرير: «بادئ ذي بدء، هل أفسحت الحكومات المجال لما كان ضرورياً بالفعل في العام الماضي، عندما جعلت عملياتُ الإغلاق قياسَ الأضرار التي لحقت بالاقتصادات في مقابل المخاطر على حياة البشر، أمراً حتمياً؟».
لكن، كما قال دونالد لو، أستاذ الممارسة في السياسة العامة في جامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا، هناك مساحة قليلة ثمينة للأخلاقيات عندما تركز المحادثات على تحليل التكلفة والعائد.
ومن ثم كان هناك الكثير من التخبط في المناقشات حيث لا توجد إجابة كاملة، مثل المراهنة على الحماية المحتملة لجرعة واحدة أو شبه اليقين المتولد عن جرعتين، أو ما إذا كان يجب تطعيم كبار السن قبل معلمي المدارس.
ويقول كيجي فوكودا، المدير والأستاذ الإكلينيكي في كلية الصحة العامة بجامعة هونغ كونغ، إن المداولات بشأن الجرعات، على سبيل المثال، كان من الممكن أن تبدأ في وقت سابق، على الرغم من أنه أضاف أن القرارات النهائية لم تكن ممكنة مقدماً دون الشعور بالاستجابة المناعية على الجرعة الأولى من لقاحات معينة، وطاقة التصنيع والسرعة التي تنتشر بها العدوى، والتي تأتي فقط مع تفشي المرض.
أخيراً، أقل ما يمكن التسامح معه: هل قامت الحكومات بتوعية المواطنين والتواصل معهم لجعلهم يشمرون عن سواعدهم ويتجنبون أعظم فشل في العمل الجماعي (عملية التطعيم) في عصرنا؟
وحسب التقرير: «هذا لا يتعلق بتطعيم الرئيس على التلفزيون في بث على الهواء كما فعلت إندونيسيا، ولكن بشرح العلم وعملية اختبار اللقاح والمخاطر والعائد»، بما يزيل التشوش بشأن اللقاح.
ويُختتم التقرير بأن «الدرس الوحيد الذي يجب أن نتعلمه من عام 2020 هو أنه لا يوجد أحد في أمان حتى يكون الجميع آمنين».