تحذير من {آثار عميقة وطويلة الأمد} للجائحة على الصحة العقلية

حذرت دراسة علمية، هي الأوسع حتى الآن في مجالها، من خطورة «الآثار العميقة والطويلة الأمد» التي تتركها جائحة «كوفيد- 19» على الصحة العقلية لكثيرين، بسبب تدابير العزل والتباعد الاجتماعي، والخوف من الإصابة بالفيروس، والقلق على الأهل والأصدقاء، وعلى الوضع المالي وآفاق المستقبل.
وفي حديث هاتفي مع «الشرق الأوسط» قال جود ماري سينا، أستاذ علم النفس السريري في جامعة «أوتاوا» الكندية، ورئيس فريق الخبراء الذي أشرف على هذه الدراسة التي تنشرها مجلة «Psychiatry Research» في عددها الأخير: «انطلقنا في بحوثنا من الدراسات التي سبق وأجريناها حول تداعيات فيروس (إيبولا) على الصحة العقلية لبعض المجموعات السكانية في البلدان الأفريقية التي ضربها الوباء منذ خمسة أعوام».
وتقوم هذه الدراسة على تحليلات معمقة أجراها فريق الاختصاصيين والخبراء في الصحة العقلية على 55 دراسة دولية، شملت 190 ألف متطوع، أجريت منذ مطلع هذا العام حتى يونيو (حزيران) في الصين وإيطاليا والولايات المتحدة وبيرو وإسبانيا وإيران وعدد من البلدان الأخرى. ويقول رئيس فريق الباحثين الكنديين: «رغم أن الدراسات الصينية كانت الأوسع من حيث عدد المشاركين، فإن استنتاجاتها لم تتضمن تبايناً يذكر بالمقارنة مع الدراسات الأخرى». ويستفاد من النتائج أن 24 في المائة من الأشخاص كانوا يعانون من الأرق، و22 في المائة من الاضطرابات النفسية اللاحقة للصدمة، وفي المائة من الاكتئاب، و15 في المائة من القلق المفرط، وهي أرقام تضاعف عدة مرات تلك التي تنشرها عادة منظمة الصحة العالمية.
ولا يستدل من نتائج الدراسة عن وجود فوارق بين الذكور والإناث أو بين المناطق الجغرافية، ولا حتى بين أفراد الطواقم الصحية وبقية السكان، سوى في حالة الأرق؛ إذ تبين أنه يصيب العاملين في القطاع الصحي بنسبةٍ أضعاف الآخرين، وهم أكثر المتضررين. وقال سينا: «تجدر الإشارة إلى نتائج دراسة سبق أن أجريناها حول الصحة العقلية بعد الزلزال الذي ضرب هاييتي؛ حيث تبين أن مستويات الاكتئاب والقلق عند الذين خرجوا من البلاد بسرعة كانت أعلى، بالمقارنة مع أولئك الذين لم يغادروا، وكانت مستويات الأرق عندهم تضاعف خمس مرات تلك التي تنشرها عادة منظمة الصحة العالمية».
وكانت منظمة الصحة العالمية قد نشرت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تقريراً يفيد بأن جائحة «كوفيد- 19» قد أضعفت أو شلت الخدمات الحرجة للصحة العقلية في 93 في المائة من بلدان العالم، في الوقت الذي ازدادت الحاجة لمثل هذه الخدمات بسبب الجائحة. وكان المدير العام للمنظمة تيدروس أدحانوم غيبريسوس قد صرح عند تقديم التقرير قائلاً: «على قادة العالم التحرك بسرعة وحزم، لدعم خدمات الصحة العقلية التي تنقذ الأرواح خلال الجائحة وبعدها». وكانت المنظمة قد نبهت إلى أن هذه الخدمات قد تراجعت أو توقفت خلال هذه المرحلة التي لها تداعيات كبيرة على الصحة العقلية، إن بالنسبة لمن كانوا يعانون من مشكلات أو أولئك الذين ظهرت عندهم المشكلات بفعل الجائحة. وكان خبراء منظمة الصحة قد أوصوا بأن تأخذ الدراسات حول تداعيات الجائحة على الصحة العقلية بالبيانات الاجتماعية والديمغرافية، وغيرها من العوامل التي تساعد على وضع خطط استجابة فعالة خلال هذه الجائحة، واستعداداً للمستقبل.
وبينما حذرت منظمة الصحة العالمية من تداعيات الجائحة على الصحة العقلية والنفسية للأطفال والشباب، بسبب إغلاق المدارس وتغيير النمط التعليمي، ذكرت أيضاً أن الاضطرابات العقلية تشكل 16 في المائة من الأمراض التي يعاني منها الذين تتراوح أعمارهم بين العاشرة والتاسعة عشرة، ويشكلون 17 في المائة من سكان العالم. وأشارت في بيان إلى أن نصف الاضطرابات العقلية تبدأ في سن الرابعة عشرة أو قبلها، وأن 90 في المائة من هذه الحالات لا تُكشف أو لا تعالَج، وأن الاكتئاب هو السبب الأول في هذه الاضطرابات، مذكرة بأن الانتحار هو المسبب الثالث للوفيات عند الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاماً.
ويذكر أن دراسة أجرتها جامعة «بنسلفانيا» الأميركية نُشرت مطلع الشهر الماضي، بينت أن 18 في المائة من سكان الولايات المتحدة الذين أصيبوا بـ«كوفيد- 19» وتعافوا منه، كانوا يعانون من مشكلات في الصحة العقلية بعد فترة تتراوح بين أسبوعين وثلاثة أشهر من إصابتهم بالوباء. وكانت تلك الدراسة قد شملت أكثر من 62 ألف مريض تعافوا من الفيروس، بينهم 63 في المائة من الشباب دون التاسعة عشرة من العمر.