لمسات فيل فودن مع منتخب إنجلترا تؤكد أنه الأكثر موهبة بين الجيل الجديد

جاءت أفضل لحظة في الأسبوع الماراثوني للمنتخب الإنجليزي في فترة التوقف الدولية الماضية في آخر دقيقة من مباراة آيسلندا التي فاز فيها الفريق برباعية نظيفة.
ففي الدقيقة 90 من عمر هذه المباراة، شتت مدافع المنتخب الإنجليزي هاري ماغواير الكرة عالية باتجاه خط التماس ناحية اليمين. ورغم أن الكرة كانت في طريقها للخروج من الملعب، فإن فيل فودن الذي كان يقدم مستويات ممتازة، وأحرز هدفين بالفعل في تلك المباراة، تعامل مع الأمر باهتمام شديد، ولم يدع الكرة تخرج من الملعب.
وفي حين كانت الكرة تسقط من ارتفاع كبير للغاية، تسلمها فودن بشكل رائع، ولعبها بكعب القدم على طول خط التماس إلى نفسه، وهو ما أدى إلى فقدان لاعب آيسلندا، أولافور سكولاسون، لاتزانه، في لمحة مهارية تعكس القدرات والفنيات الهائلة للنجم الإنجليزي الشاب.
صحيح أن منتخب آيسلندا كان منافساً سهلاً على ملعب ويمبلي يوم الأربعاء بالأسبوع الماضي، وصحيح أنه هبط بالفعل للمستوى الأدنى في دوري الأمم الأوروبية، وكان يلعب وهو يعاني من التعب والإرهاق، لكن الأداء المهاري الرائع من جانب فودن، وقتاله الشرس على كل كرة -كما ظهر في تلك اللقطة بجوار خط التماس قرب نهاية المباراة- بدا لغزاً قائماً بذاته، وجعلنا نطرح السؤال التالي: هل المدير الفني للمنتخب الإنجليزي، غاريث ساوثغيت، يلعب بالطريقة المناسبة لقدرات وإمكانيات لاعبيه؟
على سبيل المثال، يمكنك أن ترى في الثقة الكبيرة التي يلعب بها فودن أهمية وجود خطة لعب تبرز نقاط قوة لاعب مهم بهذه القدرات. وبالتالي، يمكنك أن تستنتج أن أفضل طريقة للمنتخب الإنجليزي تتمثل في اللعب بشكل هجومي يعطي لاعبيه الموهوبين أكبر حرية ممكنة لتقديم أفضل ما لديهم داخل المستطيل الأخضر. ويمكننا أن نستنتج أيضاً من هذه المباراة أن فودن وجاك غريليش يجب أن يكونا ضمن العناصر الأساسية للمنتخب الإنجليزي خلال الفترة المقبلة. ولكي تستوعب التشكيلة الأساسية لإنجلترا كلاً من فودن وغريليش، إلى جانب كل من هاري كين ورحيم سترلينغ، بالإضافة إلى واحد على الأقل من جادون سانشو أو ماركوس راشفورد أو ماسون ماونت، يتعين على ساوثغيت أن يغير طريقة اللعب من (3-4-3) إلى (4-3-3) التي كان يلعب بها المنتخب الإنجليزي من قبل، والتي ساعدته على تحقيق نتائج جيدة للغاية في أواخر عام 2019.
لقد برز فودن منذ ظهوره مع منتخب شباب إنجلترا بطل العالم تحت 17 سنة، حيث توج بجائزة أفضل لاعب في النهائيات، مع هدفين في النهائي ضد إسبانيا (5-2)، وهو الآن يعد أكثر اللاعبين موهبة في الجيل الجديد من الكرة الإنجليزية.
ربما كان من المقبول أن نرى حالة من الجدل والانقسام بشأن طريقة اللعب الأفضل لمنتخب إنجلترا -هل هي (4-3-3) أم (3-4-3)- قبل بضعة أشهر من الآن، لكن يبدو الآن أن هذا الجدل لا طائل من ورائه، لأن الأمر يعتمد إلى حد كبير على عدد من التوازنات بين الدفاع والهجوم، ووجود الطموح من عدمه، وردة الفعل في المواقف الصعبة. كما يمكنك أن تغير الطريقة وفقاً لكل مباراة، حيث يمكنك أن تلعب بطريقة (3-4-3) إذا كنت تريد أن تشن هجوماً خاطفاً سريعاً على الفريق المنافس (مثل الطريقة التي كان يلعب بها منتخب تشيلي تحت قيادة مارسيلو بيلسا)، في حين يمكنك أن تلعب بطريقة (4-3-3) إذا كنت تريد أن تدافع أمام منتخبات أقوى (بالطريقة نفسها التي كان يلعب بها كوينز بارك رينجرز تحت قيادة نيل وارنوك).
لكن الشيء الأكثر أهمية يتمثل في قدرات اللاعبين الذين تختارهم في التشكيلة الأساسية للفريق، والحرية التي تمنحها لهؤلاء اللاعبين في التحرك والتمركز داخل الملعب، ومدى الاقتناع بالطريقة التي تلعب بها، والالتزام الجماعي من جانب اللاعبين بهذه الطريقة. ومع ذلك، فإن إلقاء نظرة خاطفة على الصحف الصادرة يوم الخميس الماضي، جنباً إلى جنب مع الآراء المنشورة عبر شبكة الإنترنت، يشير إلى أن غالبية النقاد والمشجعين في إنجلترا سيكونون سعداء تماماً لو قرر ساوثغيت التخلي عن الطريقة التي يعتمد عليها منذ عام بأكمله، وربما قبل 4 مباريات فقط من إقامة إحدى البطولات الكبرى.
وتكمن المفارقة في أننا نعرف بالضبط ما سيحدث في حال تطبيق هذا السيناريو، لأنه قد حدث من قبل بالفعل. فقبل 4 سنوات من الآن، قرر المدير الفني السابق للمنتخب الإنجليزي، روي هودجسون، التخلي عن حذره المعتاد، وتغيير بعض العناصر في خط الوسط، عشية انطلاق بطولة كأس الأمم الأوروبية 2016. لقد دفع هودجسون بكل اللاعبين الموهوبين دفعة واحدة في التشكيلة الأساسية للمنتخب الإنجليزي أمام آيسلندا -ماركوس راشفورد، وهاري كين، وجيمي فاردي، ودانييل ستوريدج، وديلي آلي، وجاك ويلشير- لكن الفريق خسر في تلك المباراة بهدفين مقابل هدف وحيد!
وتكمن المفارقة أيضاً في أن المنتخب الإنجليزي بات في وضع يُحسد عليه بسبب الاعتماد على طريقة لعب واضحة محددة، وبسبب وجود مجموعة كبيرة من اللاعبين السعداء بهذه الطريقة، حيث يلعب هاري كين مهاجماً صريحاً، في ظل وجود دومينيك كالفيرت لوين بديلاً له. وينافس كل من رحيم سترلينغ، وجادون سانشو، وجاك غريليش، وفيل فودن، وماركوس راشفورد، على مركزي الجناحين الأيمن والأيسر. كما يوجد كل من جوردان هندرسون، وديكلان رايس، وماسون ماونت، وهاري وينكس (أو كالفين فيليبس) في خط الوسط. وهناك بوكايو ساكا وبن تشيلويل في مركز الظهير الأيسر، في حين يتنافس ترينت ألكسندر أرنولد، وكيران تريبيير (أو ريس جيمس) على مركز الظهير الأيمن.
ويتنافس على مركزي قلب الدفاع كل من هاري ماغواير، وكايل ووكر، وإريك داير، وتيرون مينغز، ومايكل كين (أو كونور كوادي)، على افتراض أن جو غوميز سيغيب عن بقية مباريات الموسم بسبب الإصابة. وتكتمل قائمة المنتخب الإنجليزي بوجود 3 حراس مرمى.
وإذا كان ساوثغيت قد تعلم شيئاً من مباريات دوري الأمم الأوروبية هذا الموسم، فأعتقد أنه يتمثل في أن القدرة على منافسة المنتخبات الكبرى تتوقف على التنظيم داخل الملعب، وليس على وجود أكبر عدد من اللاعبين الموهوبين.
ويجب الإشارة إلى أن منتخبات فرنسا وإسبانيا وبلجيكا التي تصدرت مجموعاتها في دوري الأمم الأوروبية هي المنتخبات الثلاثة التي تتفوق من حيث قوة التشكيلة والمستوى في الوقت الحالي. ويأتي في المستوى الثاني كل من هولندا والبرتغال وألمانيا (رغم خسارة ألمانيا بسداسية نظيفة من إسبانيا). لكن إيطاليا، بقيادة روبرتو مانشيني، التي تأهلت أيضاً لنهائيات العام المقبل تظهر ما يمكن القيام به عندما يلتزم عدد من اللاعبين أصحاب القدرات الأقل بطريقة لعب معينة، ويلعبون بشكل جماعي من أجل مصلحة الفريق في نهاية المطاف.
كل هذا يعيدنا مرة أخرى إلى فيل فودن ومهاراته التي رأينا لمحة منها بجوار خط التماس في نهاية المباراة أمام آيسلندا. إن الدرس الذي نستخلصه من مباراة إنجلترا أمام آيسلندا يتمثل في أن طرق اللعب المحكمة والتشكيلات المتوازنة هي التي تصنع الفارق في المواجهات الكبرى، بشكل أكبر من المهارات الفردية من جانب لاعبين مثل فودن أو غريليش. لكن يجب أن ندرك أيضاً أن اللاعبين الموهوبين قد يخافون من إظهار مهاراتهم داخل الملعب بسبب تلك الخطط التكتيكية وغياب التماس والخوف من الحكم عليهم من قبل المتربصين. وهكذا، ومع اقتراب المنتخب الإنجليزي وغاريث ساوثغيت من خوض نهائيات كأس الأمم الأوروبية المقبلة، فإن ما يهم ليس طريقة اللعب في حد ذاتها، لكن المهم هو مدى الالتزام بهذه الطريقة داخل الملعب.
ولا تتوقف لمحات فودن المهارية على تلك التي أظهرها مع منتخب إنجلترا بالمواجهات الدولية الأخيرة، بل يواصل لاعب الوسط الهجومي الشاب تألقه في تشكيلة مانشستر سيتي التي تضم نجوماً مميزين، على غرار البلجيكي كيفن دي بروين، والأرجنتيني سيرخيو أغويرو، والجزائري رياض محرز، ويؤكد دائماً أنه مصدر الخطر الأبرز.
وعنه قال مدربه الإسباني جوسيب غوارديولا: «فيل هو اللاعب الأكثر موهبة الذي رأيته في مسيرتي لاعباً أو مدرباً».
وعندما تكون قد أشرفتَ على أمثال الأرجنتيني ليونيل ميسي، والإسبانيين تشافي وأندريس إينيستا، يصبح هذا التصريح الذي أطلقه غوارديولا في صيف 2019 أكثر إثارة للاهتمام. ويوضح المدرب الكاتالوني: «مشكلة فودن الوحيدة هي أن مدربه لا يدفع به أساسياً، لكنه بالتأكيد سيحصل على كامل وقته».
ومن المؤكد أن هذا الموسم فرصة فودن لإظهار براعته مع سيتي، بعد انتقال صانع اللعب الإسباني ديفيد سيلفا، أحد أبرز مفاتيح اللعب الهجومية بالفريق خلال السنوات العشر الأخيرة إلى الدوري الإسباني.
صحيح أن المنتخب الإنجليزي يعج بنجوم الهجوم الواعدين، إلا أن فودن يُتوقع أن يكون ضمن خطط المدرب غاريث ساوثغيت في كأس أوروبا الصيف المقبل.