أوروبا أمام خطر العودة إلى الإغلاق التام

يقول دبلوماسي أوروبي رفيع، في معرض الدلالة على خطورة الوضع الوبائي في أوروبا، إن «الخوف» كان العبارة الأكثر تردداً على ألسنة القادة الأوروبيين خلال القمة التي عُقدت يومي الخميس والجمعة لمناقشة مجموعة من القضايا الحيوية، من الاستجابة لجائحة «كوفيد - 19» إلى الطريق المسدود الذي وصلت إليه مفاوضات «بريكست».
الخوف من أن تتخطى الموجة الثانية المستوى الذي بلغه الوباء في الربيع... الخوف من أن تخرج الإصابات الجديدة عن السيطرة وتدفع المنظومات الصحية مجدداً إلى الوضع المأساوي الذي شهدته في ذروة الموجة الأولى... الخوف من الاضطرار للعودة إلى الإغلاق التام... الخوف من أن يقضي الوباء على البوادر الضعيفة للانتعاش الاقتصادي في بعض الدول... والخوف الذي دفع برئيسة وزراء فنلندا سانا مارين إلى الانسحاب من القمة على عجل عندما بلغها أنها كانت على تواصل مع شخص تبين أنه مصاب بالفيروس.
وتجرب الحكومات الأوروبية كل التدابير والإجراءات الممكنة، من حظر التجول الليلي إلى العزل الجزئي، مروراً بالإغلاق التام للمقاهي والمطاعم، وفرض ارتداء الكمامات الواقية في الشارع، لتحاشي الوقوع في الخوف الأكبر والعودة إلى الإغلاق التام وشل الحركة الاقتصادية. وحذرت خلية الأزمة في منظمة الصحة العالمية من أن الأرقام القياسية التي تسجلها الإصابات اليومية الجديدة في عدد من البلدان الأوروبية قد تعني في الأسابيع القليلة المقبلة تجاوز القدرات القصوى لوحدات العناية الفائقة في المستشفيات.
وكانت إيطاليا وألمانيا وفرنسا والبرتغال وإسبانيا وروسيا وأوكرانيا وكرواتيا وسويسرا وتشيكيا قد سجلت في الأيام الأخيرة أرقاماً تجاوزت فترة الذروة في الموجة الأولى بحيث بلغ العدد الإجمالي للإصابات ثلاثة أضعاف العدد الذي بلغه في مارس (آذار) الفائت.
وقالت ماريا فون كيركوفي من فريق الطوارئ في منظمة الصحة العالمية: «سنخرج من النفق إذا تمكنا من الصمود لبضعة أشهر، وعلينا بالتضامن بين البلدان وداخلها وبين المناطق وداخل الأسر لأن الظروف الاقتصادية تزداد صعوبة وليسوا بكثرة أولئك الذين بإمكانهم مواصلة العمل من المنزل».
وعن السفر والتنقل عبر الحدود، قال مدير مركز الطوارئ في المنظمة مايك رايان: «مخاطر السفر لها تشعبات كثيرة تتغير حسب البلدان، لكن علينا بذل كل جهد ممكن للحد من هذه المخاطر وتعزيز الثقة بين البلدان بما يتيح للجميع استئناف السفر بأمان. هذه هو التحدي الأكبر الذي سيواجه هذا القطاع الهام، خاصة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، لكني لا أتوقع التوصل قريباً إلى إجراءات موحدة من أجل استئناف حركة النقل والسفر الجوي».
وأفاد مصدر مسؤول في المنظمة الدولية بأن الدليل العلاجي الذي تصدره المنظمة دورياً سيجري تعديله في الأيام المقبلة، مرجحاً أن تُسحب منه الأدوية التي تبين أن لا فائدة منها في علاج المصابين بـ«كوفيد - 19» بعد الدراسة التي أجريت في إطار برنامج «تضامن» الذي تشرف عليه المنظمة. وعن اللقاح الثاني الذي تطوره روسيا وطلبت من المنظمة الموافقة على استخدامه، قالت سميـة سواميناتان كبيرة العلماء في المنظمة: «لا يمكن أن نعطي رأينا قبل الاطلاع على نتائج التجارب السريرية في المرحلة الثالثة».
وكانت ماريا أنجيلا سيانو المسؤولة عن قسم الأدوية واللقاحات قد أعلنت أن المنظمة تلقت طلباً من شركة فايزر (Pfizer) الأميركية للموافقة على المباشرة باستخدام اللقاح الذي تطوره للحالات الطارئة في الولايات المتحدة. وقالت: «لكل دولة تشريعاتها الخاصة في هذا المجال، ونحن نكرر للدول ما هي البيانات التي نحتاج إليها للموافقة على استخدام اللقاحات والتي تهدف إلى طمأنة الناس بشأن سلامتها».
وفيما تتسارع التدابير الصارمة التي تعلنها الحكومات الأوروبية لاحتواء الوباء، دعا المركز الأوروبي لمكافحة الأوبئة إلى «عدم اتخاذ هذه التدابير استناداً لأرقام الإصابات ومعدلات الانتشار الأخيرة، بل إلى التوقعات بشأن الأسابيع المقبلة». وقال ماسيمو غالي مدير قسم الأمراض السارية في جامعة ميلانو إنه يتوقع أن تبلغ الإصابات الجديدة في إيطاليا بنهاية هذا الشهر المستوى الذي وصلت إليه في إسبانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، علما بأن إيطاليا كانت لعشرة أيام خلت البلد الذي يسجل أدنى معدلات الانتشار في أوروبا. وأضاف غالي: «إن الخطورة في الوضع الإيطالي تكمن في انتشار الوباء اليوم على كافة الأقاليم، وعندما يصل إلى مرحلة الذروة في المناطق التي كانت في منأى عن الفيروس خلال الموجة الأولى سنواجه صعوبات كبيرة لأن تلك المناطق لم تتعرض لضغط تلك المرحلة، وبالتالي فإن منظوماتها الصحية ليست مجهزة ومدربة كغيرها، كما أن الناس لم يعرفوا صعوبات التجربة الأولى».
وإذ تجتهد الحكومات الأوروبية لعدم الذهاب إلى الإغلاق التام وتنقسم الآراء داخل هذه الحكومات بين الجناح الذي يرجح الكفة الصحية ويدعو إلى تشديد الإجراءات والإسراع في اتخاذها وتعميمها، والجناح الذي يدعو إلى التريث والتدرج خوفاً من التداعيات الكارثية على الاقتصاد، قال ديدييه ريندرز نائب رئيس المفوضية الأوروبية: «الإغلاق التام هو القرار الأسهل باتخاذه وتطبيقه، لكنه الأكثر مأساوية ونتائجه الحتمية صارت معروفة. علينا أن نبذل ما وسعنا لإيجاد حلول أخرى تحول دون الوصول إلى الإغلاق التام». وقال ريندرز إن المفوضية الأوروبية ستبدأ اعتباراً من الأسبوع المقبل «نشرة وبائية» كل يوم خميس تتضمن آخر المعلومات عن تطور الوباء في بلدان الاتحاد، وستطلب إلى جميع الحكومات أن توقف إصدار البيانات اليومية حول تدابير الاحتواء، وأن ترسل هذه البيانات إلى المفوضية التي تتولى نشرها وتعميمها مع صدور النشرة الأسبوعية. وأضاف أن الهدف من ذلك هو توحيد التدابير وإنهاء حال التشابك بينها، وكشف أن ملايين الفحوصات السريعة ستوزع على الدول الأوروبية لفرضها على جميع المطارات في مرحلة أولى ثم في المدارس.
وتعد المفوضية الأوروبية حزمة جديدة من التدابير لتوزيع اللقاحات بسرعة وإنصاف على الدول الأعضاء مع بداية الربيع المقبل، ومنع إجراءات حظر تصديرها بين الدول كما حصل في الربيع الماضي عندما فرض بعض الدول تصدير مستلزمات الوقاية وأجهزة التنفس إلى بعض البلدان الأخرى التي كانت بأمس الحاجة إليها.
وكانت ألمانيا قد سجلت أمس السبت رقماً قياسيا جديداً في عدد الإصابات اليومية التي بلغت 7830. فيما توجهت المستشارة أنجيلا ميركل إلى مواطنيها طالبة إليهم عدم مغادرة المنازل إلا في حالات الضرورة القصوى. وعادت النمسا وبولندا والمجر وبلغاريا وأوكرانيا لتسجل أمس أرقاماً قياسية جديدة في عدد الإصابات اليومية، فيما بدأت فرنسا فترة حظر التجول الليلي المفروض على باريس والمدن الكبرى لستة أسابيع، بينما أصبح أكثر من نصف سكان بريطانيا تحت القيود على الحركة والتنقل داخل المدن وخارجها.
وفي إسبانيا التي تتخبط في أزمة سياسية واقتصادية خانقة وما زالت تشكل البؤرة الرئيسية لانتشار الوباء في أوروبا، قالت زعيمة حزب «مواطنون» اينيس آريماداس: «إذا لم تتوقف الصراعات السياسية فوراً ستقضي موجة الوباء الثانية على إسبانيا».