بيان حكومي محمّل بالوعود... و{السوشيال ميديا} تفضح الفوارق في سوريا

بعد نحو عشرين يوما من ترؤس حسين عرنوس للحكومة، وقف أمس الأحد، أمام مجلس الشعب، ليلقي بيان حكومته الذي ضمنه الكثير من الوعود، كالعمل على تحسين الواقع المعيشي «ضمن الممكن»، ورفع أجور وحوافز العاملين في الدولة، وتفعيل الاستثمار وتنشيط الصادرات، وتوفير احتياجات المواطنين من المحروقات، وتقليص ساعات التقنين الكهربائي، وتحسين جودة التعليم وتأهيل المدارس المتضررة، وربط الخريجين بسوق العمل وإيلاء الاهتمام بالأسر الأكثر فقراً بفعل الحرب في سوريا، إضافة إلى تطوير شبكات النقل (طرقية، سككية، جوية، بحرية).
وعود وصفها أحد المهتمين بالشأن العام مقيم بدمشق، بأنها «أضغاث أحلام»، تحتاج موازنات ضخمة والخزينة فارغة.
لن يصدق أي مواطن سوري قضى ليلته أمام محطة الوقود للحصول على 30 ليتر بنزين، أيا من الوعود في البيان الحكومي الذي ألقاه رئيس الحكومة الجديد، حسين عرنوس، أمام أعضاء مجلس الشعب أمس الأحد. فطوابير السيارات الممتدة لعدة كيلومترات في محيط محطات الوقود في كافة المحافظات السورية، مع غيرها من طوابير أمام الأفران والمؤسسات الاستهلاكية، تؤكد أن الأزمات الحالية هي الأسوأ، قياسا بالأزمات التي شهدتها البلاد طوال سنوات الحرب. فإذا كان النظام وحكومته قد عولوا سابقا على الحليف الإيراني بالدرجة الأولى والحليف الروسي بالدرجة الثانية، لحلحلة أزمات الطاقة والمحروقات والمواد الغذائية، فإن تشديد العقوبات الاقتصادية وقانون قيصر، يجعل الحلول المتعثرة ترخي بظلال ثقيلة على حياة المدنيين، في حين تفتح باب استرزاق جديد لتجار الأزمات وأمراء الحرب لزيادة ثرواتهم، حسب ما يراه اقتصاديون.
وكانت الأمم المتحدة قد حذرت من أزمة غذاء غير مسبوقة تواجه سوريا، مع وجود نحو 9 ملايين و300 ألف سوري بحاجة إلى الغذاء. مشيرة إلى ارتفاع نسبة الذين يعيشون تحدت الفقر إلى 90 في المائة، أي بأقل من دولارين في اليوم الواحد، بمعدل إنفاق شهري للأسرة المتوسطة نحو 500 ألف ليرة سوية (200 دولار)، بينما متوسط راتب العاملين في الدولة 80 دولارا شهرياً.
ومنذ بداية شهر سبتمبر (أيلول) الجاري، تفاقمت أزمة البنزين وشلت حركة البلاد. طوابير السيارات تصطف برتلين أمام محطات الوقود وتمتد عدة كيلومترات، معظمها سيارات تاكسي وشاحنات صغيرة أصحابها من ذوي الدخل المحدود. أحدهم أقسم بأنه حصل على مخصصاته من البنزين من محطة على طريق دمشق - حمص حيث بات ليلته على الطريق الدولي، بعد أن فقد الأمل من الانتظار عند محطة وقود داخل العاصمة. «الطوابير حكر على الفقراء»، تقول سيدة دمشقية «لم تفقد الأمل» في ملء خزان سياراتها الصغيرة بعد عشر ساعات انتظار، لكنها فقدت الأمل بتحسن وضع البلاد «العسكر والأمن والمسؤولون، يحصلون على كل ما يريدون دون عناء، أما عامة الناس المنهكون، فعليهم أن يعبروا من أزمة إلى أزمة، كي ينعم المفسدون برغد العيش ويتحفوننا بفيديوهات عن سهراتهم وحفلاتهم في مطاعم الخمس نجوم وسط العاصمة ومنتجعات الساحل ومطاعم الجبل والوادي، بكل وقاحة، وكأنهم لا يعيشون في سوريا المدمرة». ويعبر الوضع تماما عن الفجوة الهائلة الحاصلة في المجتمع السوري بين 90 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر و10 في المائة من السوريين أثروا ثراء فاحشا خلال الحرب. وأمام الفريقين تقف الحكومة عاجزة عن كسر الحلقة المفرغة التي يشكلانها.
وتطفح حسابات السوريين في السوشيال ميديا، بأخبار الحفلات الباذخة، ليس آخرها حفلة المطرب اللبناني الشعبي وديع الشيخ في مطعم قرية معلا السياحية على طريق مطار دمشق، التي انتهت بمواجهة مسلحة بين أحد أبناء المسؤولين الذي حاول الصعود إلى المسرح فمنعه أمن الحفل، ليغادر ويعود مصحوبا بمجموعة مسلحة، ويحدث إطلاق النار وإلقاء متفجرات، وسط حالة من الذعر والفوضى استغلها لصوص كانوا ضمن الساهرين، فسلبوا أكثر من ثلاثين هاتفا محمولا قدرت قيمتها بخمسين مليون ليرة.
وهذه ليست الحادثة الأولى من نوعها التي تشهدها مطاعم دمشق، فخلال سنوات الحرب ومع تحول المطاعم إلى نواد ترفيهية لأمراء الحرب ومريديهم، حصلت العشرات من الحوادث المماثلة التي كانت تمر مرور الكرام دون حساب أو عقاب في سوريا «المفيدة» الواقعة تحت سيطرة النظام.