طوابير سيارات طويلة أمام المحطات بسبب أزمة الوقود

بدا أن الطوابير الطويلة للسيارات والآليات أمام محطات الوقود، تعد مؤشرا إلى عمق الأزمة الاقتصادية في سوريا وعاصمتها مع بدء العام الدراسي الجديد، إذ لم يكن حال سكانها في يوم من الأيام أسوأ مما هو اليوم، بسبب تفاقم أزمتي تأمين الخبز بالسعر الحكومي المدعوم والبنزين، وتضاعف تكاليف المعيشة بشكل خيالي، وتراجع قدرة المواطنين الشرائية، والغلاء الفاحش.
وتفاقمت في الأيام القليلة الماضية، أزمة تأمين الخبز بالسعر الحكومي المدعوم (50 ليرة للربطة الواحدة المؤلفة من 8 أرغفة) مع إغلاق كثير من الأفران بسبب نقص مادة الطحين، وحصول ازدحام شديد غير مسبوق أمام العاملة منها وعمليات تدافع وشجار بين المواطنين، وسط تخبط حكومي ووعود بإيجاد حل لها لم تر النور حتى الآن.
ويترافق تواصل تفاقم أزمة تأمين الخبز، مع تزايد أزمة توفر مادة البنزين، وتضخم مشاهد طوابير السيارات وهي مصطفة أمام محطات الوقود يوما بعد يوم، بحيث بات بعض السوريين يتحدثون عن «أزمة سداسية» (خبز، بنزين، غاز منزلي، كهرباء، ماء، دواء) تعصف بالبلاد.
يأتي ذلك في وقت بات مشهد الركود غير المسبوق القاسم المشترك لمعظم الأسواق الدمشقية، إذ تبدو حركة البيع والشراء ضعيفة جدا خصوصا على محال بيع اللحوم والفروج، ويؤكد صاحب محل لبيع الدجاج المقطع ويعمل في هذه المهنة منذ أكثر من 15 عاما، لـ«الشرق الأوسط» أنه منذ بداية عمله لم يشهد ركودا في عملية البيع كما هي الحال اليوم، ويقول: «لم نبع سوى كيلوغرامات تعد على أصابع اليد في اليوم»، ويضيف: «إذا استمر الوضع على هذه الحال فحتما سأغلق المحل لأنني لم أعد أكسب حتى مصروف بيتي... عدا عن إيجار المحل وفواتير الكهرباء والماء». سيدة وأثناء مرورها من أمام المحل، توضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الناس لم يعد لديها قدرة أبدا على شراء الفروج بعد غلائه بهذه الشكل»، وتقول: «ثمن الفروج الواحد الحي وزن 2 كيلوغرام يبلغ نحو 10 آلاف ليرة، ووجبة عائلتي تحتاج إلى فروجين ثمنهما نصف المرتب».
ويشهد سعر الفروج الحي منذ أكثر من شهرين ارتفاعا خياليا، حيث ارتفع سعر الكيلوغرام المذبوح من 2000 ليرة إلى نحو 5000 آلاف، بينما يصل سعر المقلي إلى نحو 15 ألفا، وسندويشة «شاورما الفروج» ما بين 2000 - 3000 فى حين يصل سعر الكيلوغرام الواحد من لحم الخروف إلى أكثر من 20 ألفا.
ورغم تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي الذي لم يكن يتجاوز 50 ليرة قبل سنوات الحرب، إلى نحو 2150 ليرة حاليا بعد أن شهد تدهورا كبيرا في بداية الصيف الحالي، ووصل إلى أكثر من 3000، فإن هذا التحسن لم ينعكس على الأسعار التي ظلت تحلق بعيداً عن القدرة الشرائية للمواطنين، إذ يصل سعر كيلو البرغل إلى 1300 ليرة وهو نفس السعر الذي بيع فيه عندما وصل سعر الصرف إلى 3 آلاف، بينما يبلغ سعر كيلوغرام السمن النباتي الوسط أكثر من 3500 ليرة، وطبق البيض (30 بيضة) ما بين 4400 - 5000 ليرة وكيلوغرام زيت الزيتون إلى أكثر من 5 آلاف.
ووسط عزوف الغالبية العظمى من الناس عن شراء اللحوم بكافة أنواعها والفاكهة التي حلقت أسعارها بشكل كبير ووصل سعر كيلوغرام العنب الجيد منها إلى ما بين 1000 - 1500 ليرة، يتجه المواطنون إلى شراء الخضار من الأنواع الوسط والرديئة وبالحد الأدنى، حيث يصل سعر الفاصولياء الخضراء إلى نحو 1000 ليرة والبندورة ما بين 300 - 450 والبطاط نحو 300 والباذنجان ما بين 200 - 300.
وتقدر تقارير أممية ودراسات، أن أكثر من 87 في المائة من السوريين في مناطق سيطرة الحكومة يعيشون تحت خط الفقر، إذ لا يتجاوز معدل الدخل الشهري للعاملين في الدولة الستين ألف ليرة، على حين يقدر خبراء اقتصاديون أن العائلة المؤلفة من 5 أشخاص تحتاج شهريا إلى أكثر من نصف مليون ليرة.
ومما زاد من معاناة المواطنين المعيشية، بدء العام الدراسي الجديد، وما يحمله من تكاليف مادية إضافية كبيرة مع موجة الغلاء غير المسبوقة، حيث تضاعفت أسعار الملابس المدرسية والقرطاسية نحو أربع مرات عما كانت عليه في العام الماضي، ووصل سعر الدفتر (200 ورقة) الجيد ما بين 3000 - 4000، بعد أن كان في العام الماضي بنحو 1000، والبنطال المدرسي للمرحلة الثانوية إلى نحو 15 ألفا بعد أن كان ما بين 4 - 5 آلاف.وتبدي سيدة في العقد الرابع من العمر لـ«الشرق الأوسط»، مخاوف من عدم تمكنها من تلبية الاحتياجات المدرسية لأولادها الثلاثة في ظل الأوضاع «المزرية» التي تعيشها الغالبية العظمى من الناس، وتقول: «الناس بالكاد تؤمن الأكل... والأولاد بدها طلباتها وبنتق (تلح)... والحال بالويل والواحد محتار شو (ماذا) يعمل... وكل الخوف (أن) يضيع مستقبل الأولاد»، وتضيف «لم أسمع بحياتي أن السوريين مر عليهم هكذا فقر».
من جهته، قال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أمس: «لا تزال أزمة الوقود الخانقة مستمرة في كل المحافظات السورية الخاضعة لسيطرة النظام السوري، وسط تفاقم للأزمة دون أن تتمكن سلطات النظام من احتوائها».وأفادت مصادر بأن خلافاً نشب بين عدة مواطنين أثناء انتظارهم على محطة وقود بمدينة حماة، ليتطور الخلاف فيما بينهم لإشهار السلاح وقيام أحد الأشخاص بقتل الآخر من خلال إطلاق النار عليه بشكل مباشر.
وأفاد «المرصد السوري» في بداية الشهر بإصابة 3 مواطنين بجروح متفاوتة نتيجة إطلاق نار، إثر خلاف وقع على محطة محروقات جنوب السويداء، أثناء اصطفاف المدنيين للحصول على دور لتعبئة البنزين. ورصد ازدحاماً كبيراً تركز عند محطات الوقود في العاصمة دمشق وريفها، وبقية المحافظات السورية بوتيرة أقل، نتيجة قرارات الحكومة المتعلقة بتوزيع مادة البنزين عبر البطاقة الذكية، حيث وصل طول طابور السيارات والآليات إلى مئات الأمتار.وتشهد المحافظات السورية بداية لأزمة محروقات جديدة تضاف إلى أزمات المواد الغذائية وارتفاع الأسعار. وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان علم، أن عشرات المواطنين اعتصموا قرب ساحة «الخضر» في مدينة جرمانا بريف العاصمة دمشق، مساء أمس، مطالبين بتحسين أوضاعهم المعيشية ونددوا بسوء الخدمات من انقطاع الكهرباء المتكرر في المدينة وانتشار القمامة في أحياء المدينة، مطالبين الجهات المسؤولة بتحسين الواقع الخدمي، في ظل ارتفاع درجات الحرارة الذي يشهده البلاد.