روبوتات صغيرة تلاحق أصحابها وتتفاعل معهم

خلف ستارة سوداء في زاوية قبو في المتحف الوطني للرياضيات في مانهاتن، يعمل فريق صغير من الرياضيين والمهندسين والمصممين، وهم يضجون ويتصايحون ويصفقون ويهرجون بينما تطاردهم الروبوتات، فهم يقومون بالاختبارات الأخيرة لمعرض يدعى «روبوت سوارم» Robot Swarm الذي فتح أبوابه في 14 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، والذي يعرض عشرات الروبوتات المتفاعلة المزودة بمحركات التي تشبه السلطعون المسمى «سلطعون حدوة الحصان».
ويقول القيمون على المتحف إنه سيكون من أكثر المتاحف طموحا على الصعيد التقني. لكن خبراء تجميع قطع الروبوتات فيه الذين يرتدون جواربهم من دون أحذيتهم، كانوا متحمسين مثل الأطفال البالغ أعمارهم 6 سنوات. وتحت أرضية زجاجية محكمة مساحتها 11 × 12 قدما تقوم هذه الروبوتات الصغير الملونة بالاندفاع بخفة نحو أي شخص يقف فوق الأرضية الزجاجية والتجاوب معه، إذ إنه إحساس مبهج فعلا أن تسير حافي القدمين لترى هذه الروبوتات من صنع البشر، التي يتحكم بها الكومبيوتر والتي تتفاعل مع كل خطوة تخطوها، إذ يعلق غلين هوتني مؤسس المعرض، وأحد المشاركين في إقامة المتحف، بالقول «إنه لأمر جذاب أن تشعر بالقوة».

* روبوتات تفاعلية
ويقوم 4 زائرين في وقت واحد بوضع جراب صغير عاكس على الكتف اليمنى الذي يرسل إشارات تبين موقع الزائر إلى كاميرا مركبة في الأعلى، تقوم بدورها ببث المعلومات إلى الروبوتات، التي تقوم بدورها بالتحرك والتنقل بالتطابق مع تشكيلة من عمليات الضبط المبرمجة التي يقررها الزائر الذي يعمل على لوحة للتحكم بها وإدارتها. فإذا ما اخترت نمط «الهروب» على سبيل المثال، فإذا بك تشعر وكأنك «غودزيلا» وأنت تتهادى على الأرضية الزجاجية دافعا الروبوتات المذعورة للهرب إلى الزوايا البعيدة. أما اختيار نمط المطاردة فقد تحول الروبوتات إلى أشبه بحشرات كبيرة متوهجة، كالصراصير وغيرها التي تدب نحوك وتلاحقك أينما اتجهت، محاولة الاقتراب منك قدر المستطاع لمحاصرتك، وبالتالي رفض الابتعاد عنك، إلا إذا قمت بتغيير البرنامج. وباختيار نمط ألعاب آخر مسل هو «سبن»، أي الدوران بسرعة، تدور الروبوتات معك بالاتجاه الذي تدور به، وإذا ما درت حول نفسك بسرعة، قامت هي الأخرى بذلك أيضا.
وفي نمط «سوارم» الجماعي تقوم الروبوتات بملاحقة بعضها البعض أشبه بالصغار، وهم يمارسون لعبة كرة القدم، أما في نمط «روبوفوبيا» (رهاب الروبوتات) فإنها تحاول الابتعاد عن بعضها قدر الإمكان حتى ينتهي الأمر في نهاية المطاف بنموذج تشكيلي يشبه أجزاء البلورة.
وفي نمط آخر هو «الالتزام بالعلامات» تقوم هذه الروبوتات بتنظيم نفسها حسب ألوانها، شاقة طريقها حول مكان اللعب، أشبه بالسيارات إلى أن تجد غيرها في مجموعتها، لتصطف وتتراصف معها. وعندما تضعف شحنة بطاريات هذه الربوتات، فإنها تغادر منطقة اللعب لتذهب إلى منطقة قريبة لتتزود بالتيار. وتحل في هذه الأثناء روبوتات محلها فورا أشبه بفريق رياضي بذكاء صناعي يبدل بين لاعبيه خلال المباريات.

* رياضيات السلوك
لكن خلف هذا العامل المسلي تعرض الروبوتات موضوعا للأبحاث في هذه الأيام، هو رياضيات السلوك الناشئ، فالقوانين التي تتحكم بحركة الروبوتات هي بسيطة للغاية، وسهلة في تبيانها وتوضيحها على الصعيد الرياضي، كما يقول هوتني الذي تخيل إقامة هذا المعرض عام 2009. «فالأمر هنا ليس كما لو أن كل روبوت قد خرج من جسمه ليرى منطقة اللعب كلها، بل إن جميعها تفهم وتستوعب ما يدور في الجوار، فهي مسألة القيام بشيء صغير وبسيط، مع اتباع القوانين والأحكام، والذي تحصل عليه هو أكثر من مجموعة قطع وأجزاء فحسب». وهذه التفاعلات البسيطة والمحلية تفضي كلها إلى سلوك منظم واسع النطاق أشبه بمجموعات السمك، أو أسراب الأوز. «فقد يبدو هذا السلوك أساسيا ومعقدا جدا إلى حد الذكاء الخارق، لكنه ليس كذلك»، كما يضيف هوتني لـ«نيويورك تايمز»، «فحالما ينحصر السلوك إلى 3 مبادئ رياضية، يمكن فهم كيفية تطور هذه السلوكيات بمرور الزمن».
وقام تيم نيسان كبير مهندسي المتحف بإضفاء مظهر حياتي عضوي على الروبوتات، بما فيها عيونها الصغيرة، «أشبه بشخص يأتي إليك ليحدق بك بتلك العينين، ليعتريك شعور بالتفاعل مع مخلوقات حية»، كما تقول سندي لورانس أحد مؤسسي المتحف.
وتصدر هذه الروبوتات الأصوات أيضا من محركاتها الكهربائية، لكنها غير مزودة بأي معدات صوتية، وفقا لهوتني الذي أضاف أن «لها شخصيتها وصوتها المميز».
وألوانها الأزرق، والأصفر، والأخضر، والأحمر، تقابل لون عدة المشترك الذي يسخر عن طريقها سلوكها. وعلى الرغم من وجود نحو 20 روبوتا تتفاعل مع أصحابها في كل جلسة من الألعاب، فإن هناك 100 روبوت كعدد كلي. ويأمل المعرض أن يلقى إعجاب جميع الأعمار، وخصوصا التلامذة الكبار الذين يودون تفهم واستيعاب مبادئ الرياضيات التي تكمن وراءه، كذلك مبرمجي الكومبيوتر، وطلاب كليات الهندسة.