جو هارت: قادر على الصعود إلى القمة مجدداً مع توتنهام

قال جو هارت حارس المرمى السابق للمنتخب الإنجليزي إنه يرى أنه لا يزال يمكنه تقديم الكثير في الملاعب، وذلك بعد تعاقد نادي توتنهام رسمياً معه، مقابل صفقة حرة ليكون حارساً احتياطياً في صفوف فريق شمال لندن، مؤكداً قدرته على الصعود إلى القمة من جديد. وسيتنافس هارت مع الحارس الأرجنتيني باولو غازانيغا على دور الاحتياطي للحارس الأساسي الفرنسي هوغو لوريس. ووقّع هارت على عقد لمدة سنتين مقابل 66 ألف دولار أسبوعياً، بعد أن انتهى عقده مع ناديه السابق بيرنلي.
ومرّ ما يقرب من عامين على آخر مباراة لعبها هارت في الدوري الإنجليزي الممتاز، وعندما سألته خلال الحوار الذي أجريته معه، عما إذا كان قد شعر بالغضب لعدم مشاركته بصفة أساسية مع ناديه السابق بيرنلي، رد قائلاً: «نعم، لكنني أسيطر على مشاعري. أنا سعيد لأنني بحاجة إلى مثل هذا الشعور لإشعال الحماس بداخلي. إنني بحاجة لكي أسأل نفسي عن الأسباب التي جعلتني أبتعد عن التشكيلة الأساسية لفريقي السابق. إن هذا الحماس الموجود بداخلي هو الذي ساعدني على الوصول إلى القمة».
ويبلغ هارت من العمر 33 عاماً، ويلعب كرة القدم على المستوى الاحترافي منذ أكثر من 16 عاماً. وشارك هارت في أول مباراة رسمية له مع نادي شروزبري تاون، وكان ذلك في اليوم التالي لبلوغه السابعة عشرة من عمره. ومنذ ذلك الحين، فاز هارت بلقبين للدوري الإنجليزي الممتاز مع مانشستر سيتي، وأربع جوائز كأفضل حارس مرمى في الدوري الإنجليزي الممتاز، كما شارك مع المنتخب الإنجليزي في 75 مباراة دولية. وبعد 12 عاماً مع مانشستر سيتي، انتقل هارت لنادي تورينو الإيطالي، ومنه إلى وستهام، قبل أن يحط الرحال مع نادي بيرنلي.
لكن الحارس الإنجليزي الدولي لم يشارك مع نادي بيرنلي سوى في ثلاث مباريات فقط في الموسم الماضي- المباراة التي خسرها بيرنلي أمام سندرلاند في كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة في أغسطس (آب) الماضي، بالإضافة إلى مبارتين في كأس الاتحاد الإنجليزي أمام كل من بيتربورو ونورويتش سيتي، في يناير (كانون الثاني) الماضي. وظل هارت حبيساً لمقاعد البدلاء في بقية المباريات التي لعبها الفريق.
ويمكننا تقييم المسيرة الكروية لهارت من خلال تقسيمها إلى فترتين: قبل وبعد تولي المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا القيادة الفنية لمانشستر سيتي؛ فقد أخبر غوارديولا حارس المرمى الإنجليزي بكل وضوح في يوليو (تموز) 2016 بأنه لن يكون له مستقبل مع مانشستر سيتي. وفي الحقيقة، لا يمكننا أن نلقي باللوم على غوارديولا، نظراً لأنه كان يبحث عن حارس مرمى يجيد اللعب بكلتا قدميه حتى يمكنه اللعب بالطريقة التي يريد تطبيقها، وقد وجد ضالته في حارس المرمى البرازيلي إيدرسون، الذي يقدم مستويات جيدة للغاية مع سيتي.
لكن على الجانب الآخر، فإن هارت حارس مرمى ذكي للغاية، ودائماً ما يعمل على تطوير قدراته والوصول إلى آفاق جديدة في عالم كرة القدم. وخلال مسيرته الكروية الحافلة، قدم هارت لمحات استثنائية في العديد من المناسبات الكروية المهمة، مثل مباراة مانشستر سيتي أمام برشلونة في إطار مباريات دوري أبطال أوروبا على ملعب «كامب نو»، في عام 2015، عندما وصفه النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي بأنه «ظاهرة»، قبل أن يواجه أوقاتاً صعبة بعد ذلك. ويؤكد هارت على أن الوضع الصعب الذي عاشه جعله أكثر إصراراً وعزيمة على تقديم مستويات أفضل.
يقول هارت: «مثل هذه الأوقات الصعبة تجعلك أقوى من ذي قبل. إجراءات الإغلاق بسبب تفشي فيروس (كورونا)، وتوقف النشاط الرياضي جعلني أدرك كم أرغب في العودة إلى الملاعب. كل ما أريد القيام به هو أن أكون عنصراً مهماً وأساسياً في الفريق الذي ألعب له. إنني أتفهم تماماً أنني سأكون حارساً حتياطياً في توتنهام، وأنني لن أكون جزءاً من نادي مثل ريال مدريد الآن، لكنني لا أعتقد أنني فقدت القدرة على التألق، وأعرف تماماً ما يتعين علي القيام به من أجل تقديم مستويات أفضل. إنني أريد فقط أن أكون ركيزة أساسية في الفريق الذي ألعب له، وهذا هو ما يشعل الحماس بداخلي. وهذا هو ما اسعى للوصول إليه مع نادي توتنهام».
وعاني هارت بشدة قبل انضمامه إلى توتنهام، ويرى أنه يتعين عليه أن يتحدث عن الدروس التي تعلمها في هذه الأوقات الصعبة حتى يتعلم منها الآخرون. ويعترف حارس المرمى الإنجليزي الدولي بأن «الفترة الماضية كانت هي الأسوأ في مسيرتي الكروية، كما أنني كنت أشعر بالحزن لعدم مشاركتي في المباريات». لكنه يرى أن غيابه الطويل عن المشاركة مع الفريق الأول بمثابة «تحدٍ وليس سحابة سوداء». ويضيف: «من الناحية الذهنية، فإن ما قدمته عندما كنت في أفضل حالاتي وكنت أفوز بألقاب الدوري يجعلني أشعر بالراحة عندما أتحدث عما مررت به. لكنني بحاجة أيضاً لأن أتحدث، لأن كرة القدم لعبة صعبة وتضع على كاهلك الكثير من الضغوط».
وفي موسم 2013 – 2014، عندما استبعده المدرب مانويل بيلغريني من حساباته في مانشستر سيتي، شعر هارت بغضب شديد. ويقول عن ذلك: «في حقيقة الأمر، لم أكن أعرف كيفية التعامل مع اللحظات الصعبة. وكان كل ما أفكر فيه في تلك الأوقات هو أن أبتعد عن الآخرين وأن أظل بمفردي. لقد جعلني ذلك أشعر بالإحباط والغضب، لأن هذه كانت هي المرة الأولى التي أواجه فيها خطر فقدان مكاني في التشكيلة الأساسية للفريق».
ويضيف: «كان رد الفعل الفوري في رأسي هو: هذا لا يمكن أن يحدث أبداً، ولا يمكنهم استبعادي من الفريق. لقد حاولت أن أتدرب بشكل أكبر، لكنني أصبحت أكثر عدوانية. وقد اقترح وكيل أعمالي أن أتحدث إلى طبيب نفساني رياضي، وقد فعلت ذلك بالفعل وساعدني كثيراً على الشعور بالهدوء. وقد سألني هذا الطبيب عما إذا كنت أجيد حراسة المرمى أم لا، فقلت له نعم، بكل تأكيد، فقال إنه إذا كنت حارس مرمى جيداً فإن هذا ليس هو سبب استبعادي من المباريات، ولا بد أن هناك سبباً آخر! لقد اتضح أن مدربي حراس المرمى كانوا يحاولون الاعتماد على أساليب مختلفة في حراسة المرمى، وجعلني ذلك أدرك أن استمراري في حراسة مرمى الفريق في ذلك الوقت قد يكلفه لقب الدوري الإنجليزي الممتاز. وبدلاً من أن أدخل في مشاكل مع الفريق، أدركت أنني بحاجة إلى تقييم مستواي في تلك المرحلة حتى يمكنني التغلب على نقاط ضعفي».
ويضيف: «كانت علاقتي بالمدير الفني للفريق جيدة، وقررنا أن أبتعد لبعض الوقت عن المشاركة في المباريات حتى أعود بشكل قوي. وبالفعل عدت لحراسة مرمى الفريق واستمتعت كثيراً باللعب مرة أخرى. لقد حدث ذلك عندما كنت أقدم أفضل مستوياتي، وقد عدت لمكاني الأساسي مع الفريق بعد خمس أو ست مباريات».
وقد ساعد هارت مانشستر سيتي على الفوز بلقبه الثاني في الدوري الإنجليزي الممتاز في مايو (أيار) 2014، بعد أن كان أحد اللاعبين القلائل الذين استمروا مع الفريق بعد أن استحوذت عليه مجموعة أبوظبي في عام 2008. وقد لعب هارت دوراً محورياً في فوز الفريق بأول لقب للدوري الإنجليزي الممتاز في عام 2012. ولعب تحت قيادة ستة مديرين فنيين قبل أن يأتي غوارديولا ويغير كل شيء.
لكن هل ما زال هارت يذهب إلى الطبيب النفساني حتى الآن. يرد الحارس الإنجليزي الدولي قائلاً: «نعم، أذهب إلى الطبيب جيمي بشكل منتظم. لقد أصبح يمثل جزءاً كبيراً من حياتي، وشخصاً سأعمل معه دائماً. لقد ساعدني التعامل مع طبيب نفسي متخصص في المجال الرياضي على إدراك أنه يمكنك تخفيف الأعباء والضغوط التي تعاني منها. إنه لمن المفيد للغاية أن تتحدث إلى طبيب نفسي وتخبره بكل ما تشعر به».
وعندما سئل عما إذا كانت هذه الدروس تساعده الآن، رد قائلاً: «سأعمل جاهداً على نسيان الفترة الماضية، وبدء مرحلة جديدة في مسيرتي مع توتنهام. إنني أريد من اللاعبين الذين لم يواجهوا أي محنة في كرة القدم أن يتعلموا من هذه التجربة». لكن جلوس أي حارس مرمى على مقاعد البدلاء هو أمر صعب للغاية ولا يفهمه سوى عدد قليل من الناس. وقال هارت: «إنني صغير في السن، بالنظر إلى كوني حارس مرمى». وأضاف: «بل إنني أصغر سناً عندما يتعلق الأمر بالعمر العقلي لشخص يرغب فقط في الوقوف بالمرمى وأن يسدد الآخرون باتجاهه».
وكانت آخر مباراة يلعبها هارت في الدوري الإنجليزي الممتاز في السادس والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) عام 2018، عندما خسر بيرنلي على ملعبه أمام إيفرتون بخمسة أهداف مقابل هدف وحيد. يقول هارت عن تلك المباراة: «ما زلت أتذكر كل ثانية من عمر هذه المباراة. لقد تحدثت إلى المدير الفني للفريق، شون دايش، بعدما استبعدني من التشكيلة الأساسية، لأنني كنت أشعر بأنني أقدم موسماً جيداً. صحيح أن النتائج لم تكن جيدة، لكننا كنا في مرحلة انتقالية. كنا نحاول أن نقدم كرة قدم ممتعة، لكن الأمور لم تسر على ما يرام». ويضيف: «قال لي دايش إنه يعتقد أنني أقدم مستويات رائعة، لكنه يرى أن مصلحة الفريق تفرض عليه القيام بهذا التغيير الأخير. وشارك الحارس السابق توم هيتون وقدم عملاً جيداً، وعاد الفريق إلى المسار الصحيح وبدأ يحقق الانتصارات».
وعندما سُئِل عما إذا كان قد تحدث مع غوارديولا قبل أن يرحل عن مانشستر سيتي، وينضم لتورينو الإيطالي على سبيبل الإعارة، رد هارت قائلاً: «نعم، لقد كنت حريصاً على فتح حوار معه. لقد استمعت إلى ما قاله، لكنني أدركت أن هناك شيئاً آخر في الأمر غير عدم قدرتي على اللعب بكلتا قدمي، كما يريد من حارس مرمى فريقه! لقد أدركت أنه بحاجة إلى أن يترك بصمته على تشكيلة مانشستر سيتي. لقد كان لديه اتجاه واضح يريد أن يسير فيه، وقد قام بعمل جيد منذ ذلك الحين، أليس كذلك؟».
لكن هل كان هارت يشعر بالقلق على مستقبله بمجرد الإعلان عن تولي غوارديولا قيادة الفريق؟ يقول الحارس الإنجليزي الدولي: «كنتُ قلقاً إلى حد ما. لقد حاول كثير من الأشخاص المهمين طمأنتي، لكن كان لدي شعور بالقلق. لقد عدت للفريق متأخراً بعد المشاركة في نهائيات كأس الأمم الأوروبية 2016. لكنه قال بكل وضوع لدى عودتي إنه يتعين علي أن أرحل عن الفريق بحلول فترة الانتقالات المقبلة. ربما يكون هذا هو سر نجاح غوارديولا، فهو رجل قادر على اتخاذ القرارات التي يؤمن بها والدفاع عنها. أنا لا أكرهه، فكل منا يحب كرة القدم ويتعامل معها من منظوره الخاص».
ويقول هارت عن الموسم الذي قضاه مع نادي تورينو: «لقد استمتعت بكوني جزءاً من هذا النادي. لقد أحببت هذه التجربة كثيراً، خاصة أنني كنت ألعب في بلد مختلف له ثقافة مختلفة وألعب في دوري مختلف. إنه بالتأكيد شيء أود القيام به مرة أخرى».
وخلال فترة الإغلاق بسبب تفشي فيروس «كورونا»، تعمق اهتمام هارت بعلم النفس بمشاهدة الفيلم الوثائقي «الرقصة الأخيرة» عن مسيرة نجم كرة السلة الأميركي مايكل جوردان مع نادي شيكاغو بولز. يقول هارت عن ذلك: «أنا مهتم للغاية بالجوانب الإنسانية وبمتابعة مسيرة الرياضيين على مستوى النخبة. لقد أحببت هذا الفيلم الوثائقي كثيرا. لقد كان جوردان وحشاً قوياً للغاية وإنساناً رائعاً في الوقت نفسه، كما كان يمتلك عقلية استثنائية. إنه لأمر صعب للغاية أن يواصل هذا اللاعب الفذ هذه المسيرة الاستثنائية بهذه القوة كل يوم. لقد نجح في الوصول إلى مستويات جديدة لم يسبقه إليها أي شخص».
كما كان هارت يستمتع بمتع الحياة البسيطة بعيداً عن مقاعد البدلاء مع نادي بيرنلي، كما كان يدعم حملة الأمير ويليام للصحة العقلية. ويقول عن ذلك: «من أجل صحتنا النفسية، من المهم جداً أن نتحدث عن الأوقات التي نشعر فيها بالراحة. هناك جانبان للصحة النفسية، فمن المهم للغاية أن نعمل على التغلب على المشاعر السلبية التي تنتابنا، لكن يتعين علينا أيضا أن نُقدر الفترات السعيدة التي نمر بها والأوقات التي نبتسم خلالها». ويضيف: «يتمثل أحد أهم الأشياء بالنسبة لي في مساعدة الناس، ويمكن أن يحدث ذلك من خلال محادثة بسيطة، كأن أسأل الشخص عن أحواله، وما إذا كان بخير أم لا. إنني أتطلع للقيام بشيء ما في المستقبل يمكنني من خلاله مساعدة الناس على تقديم أفضل ما لديهم، فهذه هي أهم لحظات الحياة بالنسبة لي».