سباق اللقاحات يحتدم... وتشكيك أميركي في مشاريع بكين وموسكو

يشتد السباق العالمي لتطوير لقاحات ضد فيروس كورونا المستجد، الذي أصاب قرابة 18 مليون شخص حول العالم وتسبب في وفاة 670 ألفا منهم، مع اقتراب فصلي الخريف والشتاء.
وفيما تتسع لائحة الدول التي أعادت فرض تدابير صحية للحد من ارتفاع إصابات ووفيات «كوفيد - 19»، تراقب الحكومات عن قرب تطور مشاريع اللقاحات وتستثمر ملايين الدولارات لـ«حجز» جرعات حتى قبل ظهور النتائج النهائية.
وأظهرت عدة مشاريع لقاحات نتائج مشجعة، بينها مشروع صيني يتم بالتعاون بين معهد أبحاث عسكرية ومجموعة «كانسينو بيولوجيكس» لإنتاج الأدوية. وأجاز الجيش الصيني نهاية يونيو (حزيران) استخدام اللقاح في صفوفه، حتى قبل بدء المراحل الأخيرة لتجربته. كما بلغت ثلاثة لقاحات تُطور في الدول الغربية المرحلة الأخيرة في تجاربها السريرية على البشر، وهي لقاح لشركة «موديرنا» الأميركية، ولقاح تطوره جامعة أوكسفورد البريطانية بالتعاون مع مختبر «أسترازينيكا»، ولقاح ثالث لتحالف «بايو إن تيك - بفايزر» الألماني - الأميركي.
- فاوتشي يحذر من بعض اللقاحات
شكك خبير الأمراض المعدية أنتوني فاوتشي، عضو خلية مكافحة فيروس كورونا في الولايات المتحدة، الجمعة، في سلامة اللقاحات التي يتم تطويرها حاليا في روسيا والصين.
وقال مدير المعهد الأميركي للأمراض المعدية، الذي يحظى باحترام كبير إن «الإعلان عن تطوير لقاح يمكن توزيعه حتى قبل اختباره يطرح في رأيي مشكلة، لكي لا أقول أكثر من ذلك»، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وتابع في جلسة استماع أمام الكونغرس الأميركي: «آمل حقا في أن يختبر الصينيون والروس لقاحاتهم قبل استخدامها على أي فرد»، لافتا إلى أن الولايات المتحدة لن تضطر للاعتماد على لقاحات تطورها دول أخرى.
وفي هذا الصدد، جدد فاوتشي القول إنه «متفائل بحذر» بأن اللقاح الآمن والفعال ممكن هذا العام، فيما أعلن مدير مراكز السيطرة على الأمراض المعدية والوقاية منها روبرت ريدفيلد أنه «يأمل أنه مع دخولنا في أواخر الخريف وبداية الشتاء، سيكون لدينا في الواقع لقاح يمكننا القول إنه آمن وفعال». وأضاف «لا يمكن للمرء أن يضمن السلامة أو الفعالية ما لم نقم بالتجارب لكننا متفائلون بحذر». يذكر أن تجربة المرحلة الثالثة للقاح الذي تطوره شركة مودرنا قد بدأت للتو بالتعاون مع المعاهد الوطنية للصحة. وقال فاوتشي إنه حتى ليلة الخميس، تطوع 250 ألف شخص للمشاركة في التجارب السريرية.
جاءت التصريحات الأميركية بعدما أعلنت روسيا، هذا الأسبوع، أنها ستبدأ اعتبارا من شهر سبتمبر (أيلول) وأكتوبر الإنتاج الصناعي للقاحين ضد «كوفيد - 19» طورهما باحثون من مراكز حكومية. وشبه كيريل ديميترييف، رئيس الصندوق السيادي الروسي يمول تطوير أحد اللقاحين، السباق الحالي لإيجاد لقاح لكوفيد - 19. بـ«استكشاف الفضاء». وقال لشبكة «سي إن إن» إن «الأميركيين فوجئوا عندما سمعوا إشارة سبوتنيك»، أول قمر اصطناعي أطلقه الاتحاد السوفياتي في 1957. وأضاف: «سيكون الأمر نفسه مع اللقاح. سنكون في الطليعة» لتطويره. ولم تكشف موسكو البيانات العلمية التي تثبت فعالية لقاحاتها وسلامتها.
- لقاح روسي
من جهتها، ذكرت وكالات أنباء محلية أمس (السبت) أن وزير الصحة الروسي ميخائيل موراشكو يجهز لحملة تطعيم جماعي ضد فيروس كورونا المستجد في أكتوبر، بعد استكمال التجارب السريرية لأحد اللقاحات، وفق وكالة رويترز. ونقلت وكالة «إنترفاكس» للأنباء عن الوزير قوله إن معهد جاماليا البحثي التابع للدولة في موسكو، استكمل التجارب السريرية للقاح ويجري حاليا الاستعداد لإجراءات تسجيله. وقال إن الأطباء والمعلمين سيكونون أول من يجري تطعيمهم باللقاح. وأضاف: «نعتزم التطعيم على نطاق أوسع في أكتوبر».
وكانت «رويترز» قد نقلت عن مصد، الأسبوع الماضي، قوله إن أول لقاح محتمل ضد مرض «كوفيد - 19» في روسيا سيحصل على الموافقة التنظيمية المحلية في أغسطس (آب)، وسيجري تطعيم العاملين في مجال الصحة به بعد ذلك بقليل. وكان معهد جاماليا يعمل على لقاح باستخدام الفيروسات الغدية. لكن السرعة التي تتحرك بها روسيا لطرح اللقاح دفعت بعض وسائل الإعلام في الغرب إلى التساؤل إن كانت موسكو تعطي الأولوية لهيبتها الوطنية، على حساب العلم والسلامة.
- عقود مليارية مع مختبرات الأدوية
في دلالة على المنافسة الشديدة بين الدول، يزداد الإعلان عن توقيع عقود مع شركات الأدوية لضمان الحصول على لقاح لـ«كوفيد - 19»، وكان آخرها الجمعة بين «سانوفي» و«غلاكسو سميث كلاين» والولايات المتحدة، بتمويل يزيد عن ملياري دولار. وأعلنت سانوفي الفرنسية، في بيان الجمعة، أن اللقاح التجريبي الذي يجري تطويره بالاشتراك مع شركة غلاكسو سميث كلاين البريطانية اختير للبرنامج الأميركي «أوبيريشن وارب سبيد» الحكومي الذي يهدف إلى تزويد الأميركيين بإمكانية الحصول على اللقاح في أسرع وقت ممكن، من خلال عدد من الاتفاقيات الموقعة مع مختبرات الأدوية. ووفق تفاصيل العقد، ستحصل الشركتان على ما يصل إلى 2.1 مليار دولار أميركي مقابل تسليمها 100 مليون جرعة من اللقاح ككمية أولية. وقالت سانوفي إن التعاون «سيساعد في تمويل أنشطة تطوير وزيادة القدرة التصنيعية لشركتي سانوفي وغلاكسو سميث كلاين في الولايات المتحدة لإنتاج اللقاح». وأوضح المختبر الفرنسي الذي سيحصل على القسم الأكبر من التمويل من حكومة الولايات المتحدة، إن واشنطن سيكون لديها أيضاً خيار الحصول على 500 مليون جرعة إضافية على المدى الطويل.
يعتمد لقاح الشركتين التجريبي على تقنية البروتين المؤتلف، التي استخدمتها سانوفي لإنتاج لقاح مضاد للإنفلونزا، وعلى المادة المساعدة لتعزيز الاستجابة المناعية والتي تستخدم في حالة حدوث جائحة وطورتها غلاكسو سميث كلاين، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. وتتوقع سانوفي بدء تجربتها على متطوعين للمرحلتين الأولى والثانية في سبتمبر، قبل المرحلة الثالثة وهي الأخيرة، بحلول نهاية العام، للحصول على موافقة على تسويق اللقاح، والتي يمكن أن تتم في النصف الأول من عام 2021.
قبل هذا الاتفاق الجديد، كانت الولايات المتحدة قد أنفقت أكثر من 6 مليارات دولار منذ مارس (آذار)، لتمويل مشاريع متنافسة لإنتاج لقاح لفيروس كورونا المستجد لدى مختبرات عريقة مثل «جونسون أند جونسون» و«فايزر» و«أسترازينيكا»، ولدى شركتين صغيرتين للتكنولوجيا الحيوية هما «نوفافاكس» و«موديرنا».
وقال أليكس آزار وزير الصحة الأميركي، كما نقل عنه بيان سانوفي «إن مجموعة اللقاحات التي تم الاتفاق بشأنها في إطار البرنامج الحكومي تزيد من فرص الحصول على لقاح واحد على الأقل آمن وفعال بحلول نهاية السنة».
وتزداد مثل هذه العمليات في جميع أنحاء العالم، لأنه في إطار مكافحة الوباء، يجب على المختبرات تسريع مراحل تطوير اللقاح وإعداد وحدات الإنتاج الخاصة بها، دون معرفة نتائج التجارب الإكلينيكية، ومن ثم دون معرفة ما إذا كان اللقاح سيُنتج بالفعل. ويسمح لها إبرام اتفاقيات مع الدول لتقاسم المخاطر، بينما في المقابل، تضمن الحكومات الحصول على إمدادات اللقاح إذا نجح البحث. وهكذا، أعلنت شركة سانوفي وغلاكسو سميث كلاين، الأربعاء الماضي، عن اتفاق بشأن 60 مليون جرعة مع المملكة المتحدة. ومن المتوقع أيضا أن توقعا اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي قريبا تشمل 300 مليون جرعة. ولكن لم تكشف الأطراف عن قيمة العقد بعد.
وتثير هذه المنافسة الجدل لأنها تطرح مسألة حصول البلدان النامية على اللقاح، نظراً لأنها لا تمتلك الوسائل لتمويل مثل هذه العقود الكبيرة، وهذا يغذي المخاوف من أنها قد لا تحصل عليه بكميات مناسبة.
في منتصف يوليو (تموز)، تبنى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قراراً يؤكد على أن أي لقاح ضد وباء كوفيد - 19 يجب أن يعتبر «منفعة عامة عالمية»، مشدداً على الحاجة إلى «الوصول السريع والمنصف ودون عوائق إلى الأدوية واللقاحات والتشخيص والعلاجات الآمنة والميسورة والفعالة وذات الجودة».