«الشباب» و«الصيف» بوّابتا الموجة الثانية في أوروبا

في نهاية الاجتماع الأخير الذي عقدته الحكومة الفرنسية قبل العطلة الصيفي، طلب الرئيس إيمانويل ماكرون من جميع الوزراء البقاء في «حال استنفار دائم»، تحسّباً لتدهور المشهد الوبائي بعد الازدياد الملحوظ في عدد البؤر الجديدة الذي بلغ 144 يوم الأربعاء الماضي، منها 13 ظهرت يوم الثلاثاء، وخشية أن تكون فرنسا على أبواب موجة ثانية من وباء «كوفيد - 19» أو في مراحلها الأولى كما ترجّح بعض الأوساط.
وكان وزير الصحة الفرنسي أوليفييه فيران قد حذّر من ارتفاع نسبة الإصابات الجديدة بين الشباب، بعد أن أفاد التقرير الأخير للوكالة الوطنية للصحة العامة بأن نسبة الانتشار في صفوف الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و44 سنة تضاعف تلك التي بين الشرائح العمرية الأخرى.
لكن هذه التطورات للوضع الوبائي ليست مقصورة على فرنسا فحسب، بل هي تتكرّر منذ أيام في هولندا وألمانيا وسويسرا ومعظم دول البلقان، وكذلك في إسبانيا وبعض أقاليمها الشمالية مثل كاتالونيا وآراغون، ما دفع المسؤول عن إقليم أوروبا في منظمة الصحة العالمية هانز كلوغ إلى القول إن «التقارير التي تصل إلى المنظمة عن ارتفاع نسبة انتشار الوباء بين الشباب تبعث على القلق، وتقتضي أقصى درجات الحذر والمراقبة والتحرّك السريع، حيث لا يستبعد أن تكون هذه الفئة اليوم هي الناقل الرئيسي للفيروس، خاصة أن أعراض المرض لا تظهر عليها في معظم الحالات».

وبعد أشهر من التراخي في تدابير العزل والوقاية التي أتاحت مواصلة الحركة الاقتصادية الداخلية بشكل شبه طبيعي، قررت السلطات الصحية السويسرية مؤخراً تشديد إجراءات الوقاية بعد الارتفاع الملحوظ في عدد الإصابات الجديدة، ونسبة الانتشار بين الشباب. وفرضت استخدام الكمّامات في الأماكن العامة، وحذّرت من احتمال اللجوء إلى تدابير أكثر تشدداً إذا تدهور المشهد الوبائي في الأيام المقبلة.
تحذير مماثل صدر أيضاً عن السلطات الإيطالية، التي كانت قد اتخذت تدابير مشددة في الأيام الأخيرة لضبط «الحالات المستوردة»، خاصة من رومانيا وبلغاريا ودول البلقان، بفرضها الفحوصات والحجر الصحي على الوافدين من هذه البلدان. وقال وزير الصحة روبرتو سبيرانزا، إن الأجهزة الصحية تراقب من كثب تطور البؤر الجديدة التي ظهرت مؤخراً في المناطق السياحية على الشواطئ، وإن الحكومة «لن تتردّد في العودة إلى تدابير العزل فور تجاوز الانتشار الخطوط الحمر التي وضعتها».
ومع تدهور الوضع الوبائي في بلجيكا خلال الأسابيع الثلاثة المنصرمة، لمحّت بعض الدول المجاورة مثل فرنسا وألمانيا، إلى أنها قد توصي مواطنيها بتحاشي السفر إلى بلجيكا إلا في حالات الضرورة، فيما يرجَّح أن تفرض بريطانيا الحجر الصحي على الوافدين من هذا البلد أسوة بإسبانيا. وفي ألمانيا، وجّه معهد روبرت كوخ، وهو الهيئة الاستشارية للحكومة في مجال الصحة العامة، تحذيراً خاصاً للشباب بالامتناع عن المشاركة في «حفلات صاخبة»، داخل البلاد وخارجها في أماكن العطلة، ودعا إلى الالتزام الصارم بتدابير الوقاية والتباعد خلال موسم الصيف، وازدياد حركة التنقل في الداخل والخارج.
ويركّز خبراء منظمة الصحة العالمية اهتمامهم منذ أيام على الوضع في إسبانيا، حيث عادت أرقام الإصابات الجديدة إلى ما كانت عليه في شهر مايو (أيار) ، وبلغت 1229 أول من أمس الخميس، قالت وزارة الصحة إن 60 في المائة منها لا تحمل أي أعراض. وتوقّف خبراء المنظمة عند البيانات الأخيرة الصادرة عن المركز الإسباني لتنسيق الطوارئ الصحية، والتي تفيد بأن المتوسط العمري للإصابات الجديدة تراجع إلى 36 عاماً في الأسابيع الثلاثة المنصرمة، وأن الإصابات في صفوف الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً تضاعفت ثلاث مرات خلال الفترة نفسها.
لكن ما يقلق السلطات الصحية الإسبانية وخبراء منظمة الصحة بصفة خاصة، هي الإصابات الجديدة بين الشباب التي تستدعي العلاج في العناية الفائقة بسبب خطورتها. وقد بلغ عدد هذه الحالات 14 منذ مطلع الشهر، أدّت واحدة منها إلى الوفاة. وأفادت وزارة الصحة الإسبانية بأن عدد البؤر الجديدة بلغ 483، وارتفع عدد الإصابات إلى 5700. وكان مدير منظمة الصحة تيدروس أدهانوم غيبريسوس قد ركّز في تصريحات له أول من أمس على ارتفاع عدد الإصابات مؤخراً بين الشباب، وقال إن «الشباب في النصف الشمالي من الكرة الأرضية يتراخون في تدابير الوقاية خلال الصيف، لكن يجب أن يعرفوا أنهم ليسوا في منأى عن الخطر، وأنهم قد يتعرضون للموت والعدوى وينقلون الفيروس إلى الآخرين».
وحول الموجة الثانية من الوباء التي تخشاها الدول الأوروبية، ويرجّح بعضها أن بلدان الاتحاد الأوروبي تشهدها بنسب متفاوتة، أجرت «الشرق الأوسط» حديثاً هاتفياً مع أحد الاستشاريين الذين يتعاونون مع منظمة الصحة العالمية، هو عالم الرياضيات والوبائيات البريطاني آدم كوشارسكي من معهد الصحة العامة والطب الاستوائي في لندن، قال فيه: «لا أعتقد أن أياً من البلدان الأوروبية سيعود إلى الوضع الذي شهدناه في مارس (آذار) الماضي، لكن التدابير الراهنة ليست كافية وحدها لمنع حدوث الموجة الثانية من الوباء، وإن كانت تساعد على الحد من سرعتها».
وأضاف كوشارسكي الذي ينكبّ منذ سنوات على دراسة تفشي الأمراض السارية، استناداً إلى المعادلات الحسابية: «مناعة القطيع التي طرحها كثيرون في البداية لا يمكن أن تكون الهدف لاستراتيجية مكافحة الوباء،.