الإعلامي طوني بارود: شاشاتنا تفتقد المحتوى الترفيهي الاحترافي

يعدّ الإعلامي طوني بارود من الوجوه التلفزيونية التي حُفرت في ذاكرة اللبناني منذ التسعينات حتى اليوم. فهو استطاع أن يستقطب مختلف الشرائح الاجتماعية عندما عمل معلقاً رياضياً تلفزيونياً على مباريات كرة السلة في لبنان.
وفي البرامج الترفيهية تنقّل بارود بين برنامج وآخر، مستحدثاً لوناً جديداً خاصاً به في تقديم هذا النوع من البرامج. وبعفويته وخفة ظلّه وحرفيته حجز له مكانة لا يستهان بها على الشاشة الصغيرة يصل عمرها اليوم إلى نحو 30 سنة. ولم يقتصر مشواره الطويل على نجاحاته في عالم الترفيه والتسلية؛ إذ تجاوزت ذلك لتشمل البرامج الإنسانية. فصار أحد الإعلاميين اللبنانيين الذين تسند إليهم مؤسسات خيرية واجتماعية مهمة إحياء نشاطاتها على اختلافها.
يوم السبت المقبل في 1 أغسطس (آب)، يطل علينا بارود بمناسبة عيد الجيش، عبر شاشة «إم تي في» اللبنانية ليكون عرّاب حفل فني ضخم بعنوان «كرمالك يا وطن». ويوضح في حديث لـ«الشرق الأوسط»، «ليست المرة الأولى التي تختارني فيها مؤسسة الجيش لتأدية هذه المهمة. ففي العام الماضي أحييت لها أمسية (يوم مع الوطن) على مدى 9 ساعات متتالية من مدينة جونية ضمن نقل مباشر عبر شاشة (إم تي في) أيضاً». ويضيف «أعتز بقيامي بهذه المهمة التي أوكلتها إلي شخصياً قيادة الجيش مباشرة. وما أقوم به هو قليل نسبة إلى التضحيات التي يقدمها عناصر الجيش للبنان».
يُقام الحفل في منطقة نهر الكلب، وتنقله جميع شاشات التلفزة في لبنان، ويحييه عدد من الفنانين اللبنانيين، أمثال غسان صليبا، وعاصي الحلاني، وملحم زين، وجوزف عطية، ورامي عياش، إضافة إلى الشاعر نزار فرنسيس. أما الأوركسترا المرافقة لهم فستكون بقيادة الموسيقي ميشال فاضل. ويتخلل الحفلة لوحات فنية راقصة يوقعها فريق «مياس» الاستعراضي الذي أبهر أعضاء لجنة برنامج «America’s got talent» في نسخته الأصلية.
وعن تجربته في التقديم مع غياب جمهور يتفاعل معه يقول بارود في سياق حديثه «لا شك أن حضور الجمهور في حفل مباشر وحتى في حلقات تلفزيونية مسجلة يحمل نكهة خاصة. ولكنني بفضل شخصيتي الحماسية استطعت تجاوز هذا الامتحان أكثر من مرة. فنحن اليوم بحكم المفروض علينا التباعد الاجتماعي في زمن الجائحة. وأعتبر ما أعيشه اليوم تجربة لا تشبه سابقاتها طيلة مشواري التلفزيوني الذي قارب عمره الـ30 سنة».
وعن الفرق الذي يلمسه ما بين عصرين تلفزيونيين مختلفين، سمحت له خبرته الطويلة بمعايشتهما، يردّ بارود «يمكنني القول إن العصر الذهبي للتلفزيونات ولّى. فوسائل التواصل الاجتماعي قضمت جزءاً كبيراً من إنجازاته. لكن ذلك لا يمنعني من القول بأن للشاشة الصغيرة أهميتها عند الناس. وهي بمحتواها تبقى أهم من تلك الوسائل. فهذه الأخيرة تحرز انتشاراً كبيراً يتجاوز بأضعاف إمكانات المحطة التلفزيونية. ولذلك؛ فإن الطرفين يكمّلان بعضهما بعضاً، وهو أمر نلمسه مباشرة على الأرض، وأعطي مثالاً على ذلك شاشة «إم تي في». فهي تتمتع بجمهور افتراضي واسع إلى جانب قاعدة شعبية مهمة من متابعيها. واليوم عندما نتحدث عن حفل ما أو حدث معين يقام هنا وهناك وتنقله الشاشة الصغيرة، نعوّل في موازاة ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي التي تتناوله.
فالإنتاجات الكبيرة وتقنية التصوير، إضافة إلى محتوى جيد تؤمّنه بالمرتبة الأولى الشاشة، هو ما يولد متعة لدى المشاهد لا تشبه تلك التي تحدثها الوسائل الأخرى. وتلعب وسائل التواصل دوراً مهماً في نشرها والتحدث عنها. فهذا التناغم بين الاثنين يولد خلطة رائعة متكاملة بحيث لا يستغني أحدهما عن الآخر. فما تفتقده الشاشة اليوم تعوض عنه هذه الوسائل والعكس صحيح».
تفتقد الشاشة اليوم إلى العنصر الرجالي في التقديم الترفيهي، وتبقى قلة قليلة من المقدمين تجيد مهمة تقديم هذه البرامج. يعلق بارود «هذا صحيح، لكننا في الأصل لا نعد بلداً يميل إلى الترفيه التلفزيوني، بل إلى الحوارات السياسية. ولذلك لم تسنح الفرص لعدد كبير من المقدمين لإبراز مواهبهم. فالترفيه لعبة تحتاج إلى إنتاجات كبيرة وحالياً لا نملك هذه الرفاهية. في الماضي لعب لبنان دوراً بارزاً في هذا الإطار، وأنتج وصدّر برامج كثيرة ترفيهية لا يزال بعضها يُعرض حتى اليوم على شاشات لبنانية وعربية. وبرأيي، التقديم الترفيهي ليس بالأمر السهل فهو يتطلّب إضافة إلى سرعة البديهة والحضور الذهني الدائم خفة الظل. وهذه الأخيرة تسهم في فشل المقدم الترفيهي إذا ما بالغ فيها. أنا شخصياً أحب البرامج الترفيهية المباشرة وهي ملعبي. كما أن خبرتي الطويلة فيها زودتني بثقافة تقديم لا تشبه غيرها. فلا يكفي أن يكون للمقدم خلفية ثقافية وتربوية جيدة كي ينجح في أي مجال تقديمي كان، بل عليه أن يعرف حدوده في حواراته وفي أسلوب النكتة التي يلون بها برنامجه». وهل تقصد أن هناك مقدمين تلفزيونيين لا يتقيدون بالأصول؟ يرد «طبعا هناك كثيرون منهم يبالغون في سخريتهم كي يجري تناولهم على وسائل الإعلام. ويصبحون مادة دسمة لوسائل التواصل الاجتماعي في ظل جهلهم بالحرفية التي يجب إتقانها في عملهم، خاصة في التقديم المباشر».
ولكن ربما تغيّرت مبادئ خفة الظل وباتت تأخذ منحى آخر؟ «في الواقع هناك مبادئ كثيرة اختلفت بين جيلنا والجيل الجديد، لكن الحرفية ومبادئها تبقى هي ذاتها برأيي».
واليوم عندما تسترجع شريط مشوارك المهني ماذا تقول؟، «كانت هناك صعوبة في الظهور على الشاشة وتحقيق الشهرة. كما أننا قبل تقديم برنامج معين كنّا نخضع لامتحان شفوي من قبل لجنة محترفة تجتمع معنا لتقف على تفاصيل كثيرة بأسلوبنا فيعلمونا الالتزام والحدود في التعاطي مع الكاميرا والضيوف».
وعن رأيه بمحمد قيس الذي عرف بتقديمه البرامج الترفيهية والفنية على شاشة «إم تي في» المحلية، يقول بارود «إنه مقدم جيد ويحبه الناس وخبرته تزداد يوماً بعد يوم». وعن سبب مغادرته محطة «إل بي سي إي» إلى شاشة «إم تي في» ومن دون ضجة تذكر، يقول «في الماضي كان الانتقال من محطة إلى أخرى يأخذ حيزاً كبيراً؛ إذ كانت المؤسسات الإعلامية متعلقة بأفراد عائلتها، وفي حال مغادرة أحدهم لصرحها من أجل عرض أفضل تهرع إلى إغرائه بعرض موازٍ. اليوم العين بصيرة واليد قصيرة، وما عاد الإعلامي ينحصر عمله في هذه المحطة أو تلك، بل يلحق بالعرض الأفضل وبمباركة من كان يتعاون معهم. ولا يجب أن ننسى الإمكانات الكبيرة المتوفرة اليوم للإعلامي؛ إذ صار بقدرته صنع برنامج وتقديمه عبر قناة إلكترونية كـ(يوتيوب) مثلاً. فالمجالات توسعت». وهل فكرت في تقديم برامج من هذا النوع؟ «خطرت على بالي الفكرة وما زلت أخطط لها بالتعاون مع تلفزيون (إم تي في)، فلست من الإعلاميين الذين باستطاعتهم الظهور عبر (يوتيوب) في برامج لا تشبهني. فأي خطوة ناقصة، لن تكون ملائمة لمشواري المهني وتجربتي».
ويصف بارود برنامجه التلفزيوني الأخير «كمشتك» بالمؤقت. ويقول «كنا ننوي عرض برنامج ترفيهي أكثر ضخامة، لكن أوضاع البلد واندلاع الثورة حالا دون ذلك. فاكتفينا ببرنامج (كمشتك)، الذي لاقى صدى طيباً، لا سيما أنه يعتمد على التليفون المحمول ووسائل التواصل الاجتماعي». وعمّا يحفر في ذاكرته من مشواره الطويل يقول، إن «كل ما قمت به تطلّب جهداً كبيراً مني، فلم أكن محظوظاً بما فيه الكفاية كي يكون طريقي غير شاق في هذه المهنة. وكان باستطاعة الأمور أن تكون أفضل، ولكنني راضٍ عن مسيرتي بشكل عام. وما يعزيني هو أن ما أنجزته حقيقي، وبكل تواضع لم أمرّ مرور الكرام على الساحة وحفرت بذاكرتها. كما أن عملي في المجال التلفزيوني الإنساني تجربة أحببتها وتعلقت بها كثيراً».