حادث «غامض» في منشأة نطنز الإيرانية لتخصيب اليورانيوم

أعلنت إيران، أمس، أن حريقا اندلع في منشأة نطنز النووية، دون أن يسفر عن تلوث إشعاعي أو خسائر بشرية، وذلك في ثاني حادث غامض في أقل من أسبوع، بمنشآت تحظى بأهمية استراتيجية بالغة، بعد الانفجار الذي هز موقعا في شرق طهران، كشفت معلومات بأنه مصنع للصواريخ الباليستية.
وفي بداية الأمر، نقلت وكالات رسمية إيرانية عن المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية بهروز كمالوندي قوله إن حادثا وقع في منشأة نطنز، لم يسفر (الحادث) عن خسائر بشرية أو أضرار مادية.
ومنشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم موقعا استراتيجيا في البرنامج النووي الإيراني، تخضع لتفتيش من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة.
وكان لافتا منذ اللحظات الأولى إن الحادث في المنشأة الحساسة تسبب في إرباك منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، إذ دفع المتحدث باسمها باتجاه التقليل من أهمية الحادث عندما قال «لا داعي للقلق من احتمال حدوث تلوث لأن إحدى الصالات المسقوفة، التي قيد الإنشاء في فناء موقع نطنز هي التي تضررت وليس المنشأة ذاتها» حسب وكالة «أرنا» الرسمية.
وتابع كمالوندي أن «فرق الخبراء متواجدة بالموقع راهنا وتحقق بسبب الحادث». وأضاف أن المجمع الواقع في وسط إيران «لا يشهد حاليا نشاطا وهو ما يعني أنه خال من مواد مشعة»، موضحا أنه «لم يكن هناك انقطاع في عمل موقع التخصيب نفسه»، الذي «يعمل بالسرعة التي كان يعمل بها» سابقاً، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية.
وأصدرت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، لاحقا قالت فيه إن المستودع قيد الإنشاء ولم يتسبب الحادث في وقوع إصابات.
وفي وقت لاحق، أفادت وكالة «تسنيم» المنبر الإعلامي لجهاز استخبارات «الحرس الثوري» نقلا عن رمضان علي فردوسي حاكم مدينة نطنز بالقرب من أصفهان، أن «الحادث نجم عن حريق»، مضيفا أنه تم إرسال رجال الإطفاء إلى الموقع، دون أن يقدم تفاصيل عن سبب الحريق.
وبعد ساعات، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنها على علم بتقارير الحريق. وأفادت في بيان «لا نتوقع حاليا أي تأثير على أنشطة التحقق من الضمانات للوكالة الدولية للطاقة الذرية».
وأظهرت صورة نشرت في وقت لاحق من قبل وكالة الطاقة الذرية مبنى عليه علامات الحرق وعلى سقفه آثار الدمار، ما يشير إلى احتمال وقوع انفجار.
أما وكالة «رويترز» فقد نسبت إلى خبراء قولهم إنه «لم يستبعد احتمال حدوث عمل تخريبي نظرا لأهمية موقع نطنز». ونقلت عن مسؤول نووي إيراني سابق «بالوضع في الاعتبار أن هذا الحادث المزعوم قد وقع بعد أيام قليلة من الانفجار قرب قاعدة بارشين العسكرية، فلا يمكن استبعاد احتمال العمل التخريبي». وأضاف «تعرضت منشأة نطنز للتخصيب في السابق لهجوم إلكتروني»، في إشارة إلى هجوم بفيروس ستوكسنت وقع عام 2010 وألحق أضرارا بأجهزة الطرد المركزي، ويعتقد على نطاق واسع أن الولايات المتحدة وإسرائيل تقفان وراءه.
ووقع انفجار شرقي طهران، الجمعة الماضية، قرب مجمع عسكري حساس، وقالت السلطات إنه ناجم عن تسرب من صهريج بمنشأة لتخزين الغاز في منطقة عامة.
وتعتقد أجهزة الأمن الغربية أن طهران أجرت تجارب تتعلق بتفجيرات نووية منذ أكثر من عقد في قاعدة بارشين العسكرية، وكان دخول المفتشين الدوليين إليها سبق تأييد الوكالة الدولية للاتفاق النووي قبل إعلان توقيعه.
وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد أفادت الاثنين، أن صور الأقمار الصناعية أظهرت أن الانفجار وقع في قاعدة بمنطقة «خجير» على بعد 24 كلم، شمال غربي قاعدة بارشين، وهي منشأة مغطاة بأنفاق تحت الأرض، لإنتاج الصواريخ والوقود السائل والصلب المستخدم في الصواريخ، ويشتبه منذ فترة طويلة، أنها موقع رئيسي لترسانة إيران الصواريخ (الباليستية) المتنامية.
ومن بين الفرضيات التي أعقبت الانفجار في الموقع الصاروخي، احتمال تعرضها لهجوم إلكتروني إسرائيلي، نظرا لتزامن الانفجار مع قطع شامل للكهرباء بمدينة شيراز، مركز محافظة، فارس، لكن وسائل الإعلام الإيرانية، قللت من أهمية ذلك.
بدورها، أفادت وكالة أسوشييتد برس عن خبراء أنهم يعتقدون أن الحريق بمنشأة نطنز «أصاب منشأة جديدة لإنتاج أجهزة الطرد المركزي».
ويعتقد الخبراء أن الحريق ضرب خط الإنتاج في المنشأة، بناء على صورة نشرتها إيران من موقع الحريق وصور الأقمار الصناعية.
في الأثناء، ذكرت الخدمة الفارسية في هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» أن قبل ساعات من نشر أول خبر عن الحادث، فريق من مراسليها تلقوا بيانا من مجموعة تطلق على نفسها «فهود إيران»، أعلنت مسؤوليتها عن القيام بـ«عملية» في منشأة نطنز.
وأفادت «بي بي سي» الفارسية أن «المجموعة سرية تزعم أنها معارضة وحاضرة في الأجهزة الأمنية الإيرانية». وتابعت أن المجموعة ذكرت في البيان إن «منشأة كاشان النووية والأقسام الجديدة بمصنع أجهزة الطرد المركزي أحد أهداف العملية، لأن فضلا عن أهميتها المواقع، أنها غير سرية ولا يمكن إنكار تدميرها».
وأعلنت طهران في مايو (أيار) 2019 تعليق عدد من الالتزامات التي ينص عليها الاتفاق النووي المتعدد الأطراف، والذي انسحبت منه الولايات المتحدة بشكل أحادي في 2018.
وأعادت طهران تخصيب اليورانيوم في نطنز في سبتمبر (أيلول) الفائت، بعدما كانت اتفقت مع القوى الدولية على تعليق تخصيب اليورانيوم به بموجب الاتفاق.
وفي يوليو (تموز) 2018. أعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي عن بناء إيران مصنعا لإنتاج طرد مركزي متطورة، خاصة طراز «IR - 6» بمنشأة نطنز، في إطار أوامر لـ«المرشد» علي خامنئي بتسريع عملية التخصيب. وكشف حينذاك أن القسم الجديد يتطلب 18 شهرا لدخوله الخدمة.
ويأتي الحادث بعد أسابيع قليلة من انتقادات وجهتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى إيران لعدم إتاحتها موقعين، يعتقد أنها شهدت أنشطة «سرية» إيرانية، قبل الاتفاق النووي ولم تبلغ بها الوكالة الدولية.
ومنح الاتفاق الموقع في 2015 إيران تخفيفا للعقوبات مقابل قيامها بالحد من برنامجها النووي. وأعقب الرئيس الأميركي دونالد ترمب انسحابه من الاتفاق بإعادة فرض عقوبات مشددة أحادية على طهران، بعدما وصف الاتفاق بـ«المعيوب» ودعا إيران إلى توقيع اتفاق أشمل يتضمن أنشطتها الإقليمية وتقييد تطوير الصواريخ الباليستية.