هندرسون... قائد ليفربول الذهبي

يعد النجم الإنجليزي جوردان هندرسون أكثر القادة المتواضعين في عالم كرة القدم، رغم أنه بأي مقياس من المقاييس واحداً من أنجح اللاعبين الآن.
وكما قال المحلل بشبكة «سكاي سبورتس»، جيمي ريدناب، في الليلة التي تم فيها تأكيد فوز ليفربول بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز بعد خسارة مانشستر سيتي أمام تشيلسي بهدفين مقابل هدف وحيد، فإن هندرسون كان له شرف قيادة ليفربول للفوز بدوري أبطال أوروبا وكأس العالم للأندية والدوري الإنجليزي الممتاز، وهو الأمر الذي رد عليه هندرسون بابتسامة عريضة قبل أن يعترف بأنه لا يستطيع التفكير حقاً في أي شيء يقوله في هذا الموقف.
وقال لاعب سندرلاند السابق: «في الحقيقة، أنا مرتبك بعض الشيء ولا أجد الكلمات في الوقت الحالي. لم أكن أرغب في الحديث عن الفوز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز قبل أن نحسم ذلك بشكل رسمي بالفعل، والآن حدث ذلك وأنا سعيد للغاية. إننا لا نفكر في مثل هذه النهايات لأننا مشغولون دائماً بالتركيز على كل مباراة على حدة. ولا يمكنني أن أجد الكلمات المناسبة لوصف هذا الإنجاز».
ولم يكن هندرسون مراوغاً أو غير متعاون في هذا الحوار، لكن هذه هي طبيعته، فهو شخص بسيط للغاية وغير معقد. من المؤكد أن هناك من يتحدثون بشكل أفضل من هندرسون بين لاعبي ليفربول، ومن المؤكد أنه كان هناك قادة أكثر قوة وإلهاما منه على مر السنين، لكن هندرسون يواصل عمله على أكمل وجه، سواء كلاعب أو كقائد للفريق، والجميع معجبون بالنتائج التي يحققها ليفربول تحت قيادته.
ورغم أن هندرسون لم يكن يضمن مكانه في التشكيلة الأساسية للفريق في الكثير من المناسبات خلال المواسم الأخيرة، فإن الاحترام الذي يحظى به هذا اللاعب داخل النادي يعد أحد الأسباب الرئيسية في عودة ليفربول إلى المسار الصحيح. وكلما كانت الأندية أكثر نجاحاً، كان قادة هذه الأندية أكثر تشدداً وميلاً للتشبث بآرائهم، ويكون هناك شعور بالحاجة إلى شخصية قوية قادرة على السيطرة على النجوم داخل غرفة خلع الملابس.
ويمتلك هندرسون بالفعل هذه الشخصية القوية، لكنه يتصرف بهدوء شديد. إنه أقرب لاعب كرة قدم إلى قائد الكريكيت الذي لا يفترض أن يكون بالضرورة أفضل ضارب أو رامٍ أو أفضل لاعب بشكل عام، لكنه يحتل مكانة بارزة في الفريق بفضل قدرته على اتخاذ القرارات الصحيحة، وهو الأمر الذي يجعله مثالاً يحتذي به الجميع.
رغم تحفظات المدير الفني الأسطوري لمانشستر يونايتد السير أليكس فيرغسون على طريقه مشي أو ركض هندرسون ورفضه ضم اللاعب للشياطين الحمر من قبل لهذه الأسباب، فإن هندرسون حقق مسيرة كروية رائعة على مستوى الأندية ولعب 50 مباراة دولية مع المنتخب الإنجليزي.
وربما لم ينتقل هندرسون إلى «أولد ترافورد» لأن أسلوبه في قيادة الفريق يختلف تماما عن مقومات قائد مانشستر يونايتد السابق روي كين، وهو ما كان سيجعل الأمر صارخا للغاية.
وربما لم يكن يحظى هندرسون دائما بالتقدير الذي يستحقه في نادي ليفربول، والدليل على ذلك أنه كان على وشك الانتقال إلى فولهام عام 2012 كجزء من صفقة مقترحة لضم كلينت ديمبسي.
وقد ظهر عزم وإصرار اللاعب وصفاته القيادية في تلك المرحلة، حيث أخبر المدير الفني للفريق آنذاك، بريندان رودجرز، بأنه ببساطة لا يريد أن يرحل بهذه الطريقة ويسعى للعمل بكل قوة من أجل تحقيق النجاح في ليفربول. وبعد مرور 8 سنوات على ذلك الأمر، أصبح من السهل أن نرى جميعاً أن هندرسون قد حقق ما أراد بالضبط، لكن الشيء الأكثر إثارة للإعجاب في ذلك الوقت يتمثل في الثقة الكبيرة التي أبداها هذا اللاعب الشاب في نفسه، رغم أنه لم يكن من السهل استيعاب ذلك لأنه كان يعمل في ظل لاعب عملاق مثل ستيفن جيرارد.
وقد أظهر التاريخ أن هندرسون كان محقا تماما في وجهة نظره، وذلك بفضل تولي المدير الفني الألماني يورغن كلوب قيادة الفريق، لأنه من المعروف عن هذا المدرب القدير أنه يطلب من لاعبيه أن يبذلوا أقصى جهد ممكن من أجل مصلحة الفريق، وهو الأمر الذي يجيده هندرسون بكل تأكيد.
وقد يكون التواضع الذي يتحلى به هندرسون كقائد للفريق مناسباً تماما في ظل وجود مدير فني مسيطر على كل شيء ويتمتع بكاريزما هائلة مثل كلوب، لأن النادي لن يكون بحاجة إلى شخصين يلوحان بأذرعهما ويصرخان. وبينما يقوم كلوب بمهامه كمدير فني بجوار خط التماس، يواصل هندرسون القيام بعمله بشكل سلسل، لكنه ليس سهلا كما يظن البعض، داخل الملعب.
يقول هندرسون بتواضعه المعتاد: «ما حققناه في المواسم القليلة الماضية يعد أمراً مدهشاً، لكن لم يكن بإمكاننا تحقيق ذلك بدون المدير الفني. عندما جاء هذا الرجل إلى النادي نجح في تغيير كل شيء».
وسيسجل التاريخ أنه بعد ربع قرن من المحاولات الفاشلة من قبل ليفربول للفوز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز، فإنه نجح في تحقيق هذا الهدف الغالي بعد تعيين المدير الفني الألماني على رأس القيادة الفنية للفريق. لقد كان ليفربول في النصف الثاني من جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز عندما تولى كلوب قيادة الفريق، بعد ضل النادي طريقه تحت قيادة رودجرز في موسم 2014 – 2015، وكان هندرسون آنذاك قائداً للفريق بالفعل بفضل أدائه القوي في الموسم السابق والفراغ الذي تركه رحيل جيرارد.
وعندما تولى كلوب المسؤولية في أكتوبر (تشرين الأول) 2015، كان جيرارد في الولايات المتحدة يلعب لنادي لوس أنجليس غالاكسي، وكان هندرسون لا يشارك في المباريات بسبب تعرضه لإصابة في الكاحل. وفضل المدير الفني الجديد، بكل حكمة، عدم تغيير أي شيء، مفضلاً الانتظار ومعرفة ما إذا كان أي شيء يحتاج إلى التغيير أم لا. وما زال كلوب منتظرا حتى الآن، لأنه يؤمن بأن هندرسون يمتلك كل المقومات التي تجعله قائدا رائعا لليفربول.