ميركل تحذّر من تخلي واشنطن عن {دورها القيادي} عالمياً

حذرت المستشارة الأميركية أنجيلا ميركل من مستقبل قد تتخلى فيه الولايات المتحدة عن دورها العالمي. وقالت في مقابلة مع مجموعة من الصحف الأوروبية، إنه إذا «قررت الولايات المتحدة الانسحاب الآن من دورها في قيادة العالم بمحض إرادتها، فسيكون علينا أن نفكر في هذا الأمر بشكل عميق». وأضافت أنها «كبرت مع معرفة معينة بأن الولايات المتحدة تريد أن تكون قوة عالمية»، في إشارة إلى أن هذا الأمر لم يعد مسلماً به اليوم. جاء كلام ميركل في معرض ردها على قرار الرئيس الأميركي سحب الجنود الأميركيين من ألمانيا، وهو ما أكده الاثنين الماضي. وقالت إن القوات الأميركية المتمركزة في ألمانيا «تساعد ليس فقط في حمايتنا، ولكن أيضاً مصالح الولايات المتحدة».
واعترفت ميركل بأن على حكومتها «أن تصرف المزيد على الدفاع، لقد حققنا زيادات كبيرة في الأعوام الماضية، وسنستمر على هذه الطريق لتعزيز قدراتنا العسكرية»، في إشارة إلى سبب قرار ترمب سحب جنوده من ألمانيا وانتقاداته المتكررة لبرلين لعدم إنفاقها 2 في المائة من ناتجها الإجمالي المحلي على الدفاع، كما يوصي الحلف الأطلسي لأعضائه.
وكبرت ميركل في ألمانيا الشرقية في ظل الحكم الشيوعي الذي أبقى ألمانيا مقسمة لـ45 عاماً حتى الوحدة عام 1990. ولطالما كررت خلال حياتها السياسية إعجابها بالتأثير العالمي للولايات المتحدة، وتثمينها للحرية التي اكتشفتها بعد أن تحررت ألمانيا الشرقية من الشيوعية بدعم أميركي.
ويتمركز في ألمانيا قرابة 35 ألف جندي أميركي منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، كجزء من قوات «الناتو»، ولكن ترمب أعلن أنه سيخفض عدد هذه القوات إلى 25 ألفاً، ويعيد نشر القوات المنسحبة في بولندا «عقاباً» لبرلين على عدم إيفائها بتعهداتها المالية للناتو.
ولكن رغم تحذيرها هذا من أن أوروبا قد تضطر للتفكير بمستقبلها الدفاعي بمعزل عن الولايات المتحدة، فإنها بدت مشككة بإمكانية قدرة أوروبا على الوقوف منفردة في وجه قوى كبيرة أخرى. وقالت: «انظروا إلى العالم، إلى الصين والهند… هناك أسباب وجيهة للبقاء ملتزمين بالتحالف الدفاعي عبر الأطلسي والمظلة النووية المشتركة. ولكن بالطبع أوروبا بحاجة إلى أن تحمل مزيداً من العبء مما كانت تحمل خلال الحرب الباردة».
وتحدثت ميركل كذلك عن التهديد القادم من روسيا التي وصفت العلاقة معها قبل بضعة أسابيع بأنها «صعبة». واعترفت المستشارة الألمانية في هذه المقابلة، بأن «حملات تضليل المعلومات والحروب الهجينة واتباع وسائل لبث عدم الاستقرار… كلها باتت نمط تصرف روسي». ووصفت اغتيال جاسوس روسي لمعارض لموسكو في برلين، بأنه حادث «خطير». ولكن رغم كل هذا، قالت ميركل إن «هناك أسباباً وجيهة لكي نبقي قنوات الحوار البناء مفتوحة مع روسيا، خصوصاً في دول مثل سوريا وليبيا… فالتأثير الروسي عظيم»، لتضيف: «لذلك سأبقى أسعى للتعاون» مع موسكو.
ووجه الادعاء الألماني الفيدرالي الأسبوع الماضي، اتهامات لجاسوس روسي معتقل في برلين منذ العام الماضي، بتنفيذ عمليات اغتيال لمعارض شيشاني بأوامر من موسكو. وتسبب رفض السفارة الروسية في برلين التعاون في التحقيقات، بتوترات دبلوماسية العام الماضي، دفعت ببرلين لطرد دبلوماسيين اثنين روسيين، فردت بطرد دبلوماسيين ألمان من موسكو. كذلك اتهمت ميركل الشهر الماضي، موسكو بالتورط في عملية قرصنة استهدفت نواباً في البرلمان الألماني الفيدرالي، وهي تهمة تنفيها روسيا.
وعن قوة الصين المتصاعدة والتهديدات المحتملة القادمة منها، قالت ميركل إن «الصين تحولت إلى لاعب عالمي، وهذا يجعلنا شركاء في التعاون الاقتصادي ولمكافحة التغير المناخي، ولكن أيضاً يدخلنا في منافسة في أنظمة سياسية مختلفة للغاية، وعدم الحوار مع بعضنا سيكون حتماً فكرة سيئة». وأشارت إلى أن على الأوروبيين أن يقفوا معاً، وإلا فإنهم سيضعفون.
وتحدثت في ذلك عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، واحتمال مغادرتها الاتحاد نهاية هذا العام من دون اتفاق، وقالت إنه على بريطانيا «أن تحدد ما نوع العلاقة التي تريدها معنا… وسيكون عليها أن تعيش مع تبعات ذلك».
وتابعت ميركل تتحدث عن الوحدة الأوروبية والدور الذي ستلعبه برلين بعد تسلمها رئاسة المجلس الأوروبي مطلع الشهر. وقالت وهي تشرح سبب تغيير موقفها من الديون الأوروبية المشتركة، وطرحها خطة مالية مشتركة لأوروبا مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إنه «من مصلحة كل دول الاتحاد الأوروبي الحفاظ على سوق داخلية قوية، وأن نبقى موحدين على الساحة العالمية». ووصفت ما تمر به أوروبا اليوم بـ«الوضع الاستثنائي» الذي تطلب «رداً استثنائياً»، في إشارة إلى الأزمات الاقتصادية التي تسبب بها وباء كورونا في عدة دول أوروبية، مثل إيطاليا وإسبانيا.
وبعد سنوات من تمسك ألمانيا برفض الديون الأوروبية المشتركة، فاجأت ميركل وماكرون أوروبا الشهر الماضي باقتراحهما تشكيل صندوق أوروبي مشترك قيمته 500 مليار يورو، لدعم الدول المتضررة من فيروس كورونا، في انقلاب واضح لألمانيا على قناعاتها السابقة وخروج من تكتل لأربع دول أوروبية بينها النمسا وهولندا، كانت تعرقل التوصل إلى حزمة مالية يمكنها إنقاذ إيطاليا وإسبانيا.
وشرحت ميركل تغير موقفها هذا بالقول: «في ظروف كهذه وفي أزمة بهذا الحجم (كورونا)، من الصائب لألمانيا ألا تفكر فقط بنفسها، بل أن تكون مستعدة للمشاركة بعمل تضامن استثنائي… لدى ألمانيا نسبة دين منخفضة وهي يمكنها أن تتحمل في هذا الظرف الاستثنائي، أن تأخذ ديوناً أكبر». وأضافت أن «كل هذا من مصلحتنا كذلك، لأنه من مصلحة ألمانيا أن تكون السوق الداخلية الأوروبية قوية وأن تكبر دول الاتحاد الاوروبي معاً... ما هو جيد لأوروبا جيد بالنسبة إلينا».