تحدي «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» يجمع مئات اللبنانيين

بدءاً من ظهر أمس وحتى مساء الأحد، يشارك مئات اللبنانيين حول العالم، في «هاكاثون» يجمعهم بهدف التفكير المشترك في حلول يمكنها أن تسهم في مساعدة وطنهم. ويعمل ما يقارب 25 شخصاً منذ خمسة أسابيع على تنظيم ما أطلق عليه اسم «تحدي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في لبنان»، لأنه مدعوم من هذه الجامعة الأميركية التي تعتبر من بين الأشهر في العالم، بهدف التفكير في إيجاد حلول لمشكلات صغيرة، قد تأتي بنتائج غاية في الأهمية، لبلاد الأرز في عز أزمتها.
وولدت الفكرة بينما كان الطالب اللبناني جاد عجة في ماساتشوستس ينهي دراسته، ويستعد للتفرغ لعمله في شركة ناشئة للرعاية الصحية أسسها مع شريكين اثنين آخرين. لكن الظروف القاهرة التي عصفت ببلده، جعلته عاجزاً عن إكمال ما بدأ، وأجبرته على التخلي عن مشروعه، الذي يحتاج هامشاً من المجازفة، لم يعد يملك ترفها، وصار عليه أن يفكر بمسار آخر. هكذا تبدلت حياة لبنانيين كثر، أجبرتهم الأزمة الاقتصادية في لبنان، على تغيير مسارهم، مثل عجة الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «عندما يتأثر طالب مثلي، تخرج من واحدة من أهم جامعات العالم إلى هذا الحد، فما هو حال الآخرين، لذلك فكرت أن علي أن أفعل شيئا، بدل أن أبقى مكتوف الأيدي». ويكمل عجة «كتبت رسالة شرحت فيها فكرتي وأرسلتها على واتساب وتناقلها اللبنانيون، وخلال أربعة أيام كان فريق من 25 شخصاً قد تشكل لتنفيذ الفكرة، كل من البلد الذي هو فيه، ومن خلال الحلقة التي يعرفها، غالبيتهم لا أعرفهم، ولم يسبق لي أن التقيت بهم. من سان فرنسيسكو، وشيكاغو، وبوسطن، ولندن وميونيخ، وفلسطين، ودبي، تطوعوا جميعهم للمساعدة».
خلال خمسة أسابيع عمل الجميع كخلية نحل. وتقدم للمشاركة في التحدي أكثر من ألف شخص، لكن لأسباب لوجيستية تم اختيار 600 منهم تبعاً للحاجة لاختصاصاتهم، وأشياء أخرى. أردنا أن يشارك أشخاص في لبنان وخارجه من المغتربين، لهم اختصاصات متباينة جداً، ليروا الحلول من زوايا مختلفة. هكذا نغني رؤيتنا للأمور، وإمكانيات التغلب عليها.
وأمس كانت 40 فرقة قد تشكلت وبدأت العمل أونلاين، على ثلاثة محاور رئيسية، وهي الاحتياجات الرئيسية للسكان من طعام، ماء، مأوى، طاقة، صحة، نفايات، محور ثان يعنى بالزراعة والصناعة، وثالث باقتصاد المعرفة. وكل محور تعمل حوله عشرة فرق، بحثاً عن حلول يفترض أن تكون صغيرة، سهلة التنفيذ، بدون المرور بالأقنية الرسمية، التي فقد اللبنانيون الثقة بها، وباتوا يفعلون كل ما يمكنهم لتدبر أمورهم دون الاتكال عليها، لثقتهم بعدم نجاعتها في الإنجاز.
وبفضل التعاون مع عشرات المؤسسات والهيئات في لبنان وخارجه، تم التشبيك مع خبراء، وعاملين في المجالات التي يحاول الشبان النهوض بها، والحصول على بيانات وأرقام وإحصاءات، ترشد هؤلاء الشباب في رحلة بحثهم عن مخارج ديناميكية لأهل بلدهم. وينعقد الهاكاثون على مدار 48 يوما لا يستريح خلالها المشاركون سوى لساعات النوم.
وغداً الأحد في نهاية الـ«هاكاثون» الذي التقى فيه المشاركون عبر وسائل التواصل، بسبب كورونا، سوف تقدم المشاريع أمام لجان تحكيم تقيم وتختار وتغربل، وترشح 18 اقتراحاً مما تعتبره الأفضل لتنفيذه والمضي به إلى الأمام.
«الأمور لن تتوقف هنا. نحن حريصون على المتابعة، لرؤية المشاريع تنفذ على الأرض». لهذا سيتبع الهاكاثون، برنامج عمل لمدة شهر، بمقدور الفائزين المشاركة فيه، حيث سيتم وصلهم باختصاصيين وخبراء، يساعدونهم على التطوير والتنفيذ. كما ستعرض المشاريع على منصة تسمح بجمع التمويلات ممن يرغب، لبدء تجسيد الأفكار على الأرض.
العمل يحتاج نفساً طويلاً ومتابعة، والشبان يعملون بحماسة، لأنه لا خيار لديهم غير العمل في مواجهة الوضع الصعب الذي يعيشه وطنهم، حيث الانهيار يبدو شاملاً، وكل مساعدة مهما صغرت، هي ثمينة ومهمة. يقول عجة: «عدد الأشخاص الذين تقدموا، وكم المساعدات التي اقترحت علينا، تفوق طاقتنا على الاستيعاب. كثر يريدون المساهمة في الإنقاذ لكنهم لا يعرفون كيف. هناك من يعمل 30 ساعة في الأسبوع مجاناً لإنجاح ما نعمل. إذا تمكنا من تنفيذ ولو مشروع واحد، أو اثنين، وأسهمنا في توظيف عشرة أشخاص فقط، نكون قد أنقذنا عشرين عائلة، وساعدناها على الصمود». ويكمل ابن الـ27 عاماً الذي تخرج من أسبوعين فقط «نريد تأثيراً فعلياً. نموذج واحد يحقق نجاحاً، بمقدوره أن يشكل عبرة لآخرين، سيحاولون الاحتذاء به. المهم أن نبدأ ونأتي بنتائج ولو صغيرة لا يهم».
وجدير بالذكر أن الليرة اللبنانية فقدت في فترة قياسية 80 في المائة من قيمتها الشرائية، فيما يعاني لبنان إضافة إلى هذا الانهيار المالي مجموعة كبيرة من الأزمات، تمس كل جانب من حياة الناس. وثلاثة أرباع المشاركين في الهاكاثون هم من المقيمين في لبنان، بينما يقوم المغتربون بمحاولات جبارة لمساعدة أهلهم في الوطن. ويعتبر عجة أن الإمكانيات كبيرة جداً، والطاقة هائلة لدى اللبنانيين، وبمقدورهم أن يفعلوا الكثير أن تمكنوا من تنظيم أنفسهم.
فهناك من عندهم الوقت، وغيرهم لديهم الإمكانيات، وآخرون يستطيعون العطاء بشكل ثالث. وستعمل الفرق على محاولة إيجاد مخارج لمعضلات حياتية، مثل تسهيل التحويلات المالية التي باتت تعاني أزمة كبرى بسبب الوضع المتردي للمصارف. أو التغلب على جانب من مشكلات الكهرباء والطاقة، أو ربما المساعدة في تأمين تحديث ولو طفيف على العمليات الزراعية التقليدية السائدة، أو فتح أبواب جديدة أمام صناعيين. لبنان يعاني والمغتربون قلوبهم تخفق من بعيد، والجناحان يرفرفان من أجل نهوض لا يزال عصياً.
وهو ليس الهاكاثون الأول الذي تدعمه جامعة ماساتشوستس للتكنولوجيا يخص بلداً، فهي تساعد طلابها على تحقيق مشاريع يطرحونها ويتحمسون لها، حتى ولو كانت تخص بلدانهم، طالما أن بعدها إنساني ومفيد للمجتمع.