هل حلّت أزمة «كورونا» مشكلة بوغبا مع مانشستر يونايتد؟

بعد ظهوره بأداء مميز خلال التعادل 1 - 1 مع توتنهام هوتسبير في الدوري الإنجليزي الممتاز، امتدح أولي غونار سولسكاير مدرب مانشستر يونايتد بول بوغبا، وقال إن بوغبا يتطلع لتعويض ما فاته بعد فترة غياب طويلة بسبب الإصابة. وواجه بوغبا انتقادات لقلة إسهاماته في فترته مع يونايتد، لكنه نال إشادة واسعة في أول مباراة للفريق بعد استئناف الموسم عقب توقف طويل بسبب وباء كورونا. وأضاف سولسكاير: «عانى من إصابة قوية ويتوق لتعويض ما فاته من الموسم». وتابع المدرب النرويجي: «يريد بول دائماً إظهار قدراته لنا ويتوقع الكثير من نفسه، ويود أن يكون الأفضل. يتدرب كثيراً ويعشق كرة القدم. إنه شاب متحمس وشغوف».
وكان اللاعب الفرنسي أعلن خلال جولة مانشستر يونايتد في اليابان الصيف الماضي، بكل صراحة، عن رغبته في البحث عن «تحدٍ جديد في مكان آخر». وكان من الطبيعي أن يفكر بوغبا في مستقبله في ظل شعوره بالإحباط نتيجة عدم تأهل مانشستر يونايتد إلى دوري أبطال أوروبا، بالإضافة إلى أنه كان من السهل عليه آنذاك أن يحصل على عرض مالي كبير من الأندية التي ترغب في الحصول على خدماته. لكن بعد مرور عام، بقي بوغبا في «أولد ترافورد». وبعدم رحيل بوغبا، فإن مانشستر يونايتد من الممكن أن يكون لديه فريق - لأول مرة منذ تقاعد مديره الفني الأسطوري السير أليكس فيرغسون - متماسك للغاية.
صحيح أنه لا يوجد شيء مؤكد في عالم كرة القدم، لكن الحالة الاقتصادية الجديدة للرياضة بعد فيروس كورونا كانت عاملاً رئيسياً في عدم انتقال بوغبا إلى أي مكان آخر. وفي ظل انخفاض العائدات المالية من الإعلانات وحقوق الرعاية، واستبعاد عودة الجماهير للملاعب قريباً، والشعور بالشك وعدم اليقين فيما يتعلق بكل شيء، كان من الصعب للغاية على أي نادٍ أن يدفع المقابل المادي الذي يريده مانشستر يونايتد للتخلي عن خدمات بوغبا، أو أن يدفع الراتب الذي يريده بوغبا، خصوصاً أن اللاعب الفرنسي لم يشارك في التشكيلة الأساسية لمانشستر يونايتد في الدوري الإنجليزي الممتاز الموسم الماضي سوى خمس مرات فقط بسبب إصابته في الكاحل. وحتى لو شعرت الأندية العملاقة بحاجتها للإنفاق بسخاء من أجل تدعيم صفوفها، فإنها ستبحث عن مواهب أصغر سناً من بوغبا، الذي يجب أن يعرف أن هذه هي طبيعة كرة القدم التي تتغير باستمرار.
ومن المفترض أن بوغبا، الذي يبلغ من العمر الآن 27 عاماً، سيكون في قمة عطائه الكروي خلال السنوات المقبلة، وبالتالي فإن قراره بالبقاء مع مانشستر يونايتد بات يأخذ أهمية أكبر من ذي قبل. وعلاوة على العوامل التي تجعل من الصعب على بوغبا الرحيل والتي أشرنا إليها سابقاً، هناك أسباب قوية تدفعه للبقاء في «أولد ترافورد». فخلال الموسم الماضي، كان من المفهوم تماماً أن اللاعب يشعر بالإحباط بسبب فشل مانشستر يونايتد في التأهل لدوري أبطال أوروبا، لكن مع تعاقد النادي مع اللاعب البرتغالي برونو فيرنانديز، بدا الأمر كأن مانشستر يونايتد قد نجح أخيراً في تكوين خط الوسط القادر على قيادة الفريق للعودة إلى المسار الصحيح.
وتكمن المشكلة الأساسية التي يمكن أن تواجه بوغبا في أنه لاعب خط وسط يقوم بمهام من منطقة جزاء فريقه حتى منطقة جزاء الفريق المنافس، لكن كرة القدم الحالية لم تعد تستوعب هذه النوعية من اللاعبين بالسهولة التي كان عليها الأمر في الماضي، وبالتالي يكون من الصعب في كرة القدم الحديثة معرفة المركز الذي يجب أن يلعب فيه لاعب بهذه المواصفات. ويمكننا أن نضرب مثلاً على هذه النوعية من اللاعبين بستيفين جيرارد أو بريان روبسون، اللذين كانا يمكنهما قطع الكرات من أمام منطقة جزاء فريقيهما ثم الانطلاق بها للأمام وتسجيل أهداف، وكان يمكن لكل منهما تسجيل عدد كبير من الأهداف كل موسم. لكن بعدما أصبح خط الوسط ينقسم إلى نوعين من اللاعبين، أحدهما يقوم بأدوار دفاعية والآخر يقوم بأدوار هجومية، وبعدما أصبحت كرة القدم تعتمد على اللعب الجماعي بشكل متزايد، لم تعد هذه النوعية من اللاعبين موجودة كثيراً في عالم كرة القدم.
وعندما يُلزم المدير الفني بوغبا بأدوار دفاعية فإننا نشعر على الفور بأنه مقيد ولا يلعب بالحرية التي تجعله يقدم أفضل ما لديه. صحيح أن بوغبا لديه القدرة على أن يلعب كلاعب خط وسط دفاعي، لكن دائماً ما يشعر اللاعب بالضياع عندما يلعب في هذا المركز، لأن المهام التي تكون مطلوبة منه لا تساعده في استغلال مهاراته وسرعته الكبيرة التي يجب استغلالها. وحتى خلال كأس العالم الأخيرة بروسيا، عندما كان يلعب إلى جانب نغولو كانتي في الجزء الخلفي من خط وسط المنتخب الفرنسي، كان هناك شعور بأن اللعب في هذا المركز يقلل كثيراً من قدراته وإمكاناته.
لكن بمجرد أن يتم الاعتماد عليه في الخط الأمامي بشكل أكبر، فسوف تشعر على الفور بأن هذا اللاعب يمتلك قدرات وفنيات هائلة لم يتم استغلالها. وعلاوة على ذلك، من الواضح تماماً أن بوغبا يشعر براحة أكبر عندما تكون الكرة أمامه بدلاً من تسلمها وظهره لمرمى الفريق المنافس. وبالتالي، لم يكن من قبيل المصادفة أن أطول فترة تألق فيها بوغبا كانت في يوفنتوس تحت قيادة المدير الفني الإيطالي أنطونيو كونتي، عندما كان يلعب ناحية اليسار في خط وسط مكون من ثلاثة لاعبين.
ويقدم اللاعب البرتغالي برونو فرنانديز مستويات رائعة للغاية منذ انتقاله لمانشستر يونايتد قادماً من سبورتنغ لشبونة في فترة الانتقالات الشتوية الماضية. ولا يقتصر الأمر على تسجيله ثلاثة أهداف وصناعته ثلاثة أهداف أخرى في المباريات الست التي لعبها مع مانشستر يونايتد في الدوري، لكن بات من الواضح أن هذا اللاعب هو «المفتاح التكتيكي» الذي يجعل كل شيء يعمل بالشكل الصحيح من حوله. وفي تلك المباريات الست، لعب فرنانديز في ثلاث خطط مختلفة: مرتين صانع ألعاب في طريقة لعب 4 - 2 - 3 - 1، وثلاث مرات خلف لاعبين اثنين في الخط الأمامي، ومرتين في طريقة لعب 3 - 4 - 1 - 2، ومرة واحدة في طريقة لعب 4 - 3 - 1 -2.
قد يشعر المدير الفني لمانشستر يونايتد ببعض التردد في الدفع ببوغبا في العمق في طريقة 4 - 2 - 3 - 1 (على الرغم من أنه فاز بكأس العالم مع منتخب فرنسا وهو يلعب في هذا المركز)، لكن الطريقتين الأخريين، أو طريقة 4 - 3 - 3، تبدو مناسبة للاعتماد عليه هو وفرنانديز معاً بشكل مريح.
ويلعب فرنانديز في الأمام، في حين يلعب سكوت ماكتوميناي أو نيمانيا ماتيتش في مركز محور الارتكاز، وهو الأمر الذي سيسمح لبوغبا بالتحرك وفقاً لمجريات اللعب، لكي يكون هو الرابط بين خطي الدفاع والهجوم. وفي طريقة 4 - 3 - 1 - 2، سيتم الدفع أيضاً باللاعب البرازيلي فريد من أجل قطع الكرات وإفساد الهجمات من لاعبي الفريق المنافس.
صحيح أن بوغبا عندما كان في أفضل حالاته مع يوفنتوس كان يلعب في طريقة 3 - 5 - 2 واستفاد بشكل كبير من وجود كوادو أسامواه في مركز الظهير الأيسر، وصحيح أيضاً أنه من دون وجود لاعب بهذه المواصفات من خلفه للتغطية عليه في النواحي الدفاعية، فإن بوغبا يشعر بعدم الراحة عندما يلعب في الناحية اليسرى في طريقة 4 - 3 - 3، لكن من الواضح أن خط وسط مانشستر يونايتد قد أصبح أكثر توازناً الآن.
وبالتالي، فإن الكرة الآن في ملعب سولسكاير لكي يُظهر أنه قادر على استغلال القدرات الهجومية التي يمتلكها لاعبو خط وسط الفريق - فالهجوم المضاد وحده ليس كافياً - ولم يعد لديه أي عذر الآن، في ظل القدرات الرائعة للاعبين الذين يضمهم الفريق حالياً. ويتعين على المدير الفني النرويجي أن يقوم بمزيد من العمل، خصوصاً فيما يتعلق بمركزي المهاجم الصريح وقلب الدفاع، لكن عودة ماركوس راشفورد وبول بوغبا من الإصابة تعني أن الفريق قد بات حالياً يضم العناصر التي تمكنه من تحقيق نتائج جيدة للغاية.
إن الأزمة الحالية قد تكون جاءت في مصلحة النادي تماماً، فمن ناحية فإن المشاكل المالية التي ستعاني منها كرة القدم خلال الفترة المقبلة جعلت من الصعب على أي نادٍ أن يدفع المقابل المادي الذي كان سيطلبه مانشستر يونايتد من أجل التخلي عن خدمات بوغبا، ومن ناحية أخرى سوف تمنح سولسكاير فرصة ذهبية لتقييم لاعبيه من خلال خوض تسع مباريات متتالية في «موسم مصغر» بعد استئناف المباريات، وإقناع اللاعبين الذين كانوا يشكون في أن هذا النادي يتحرك في الاتجاه الصحيح، والأهم من ذلك التأهل للنسخة المقبلة من دوري أبطال أوروبا. وفي وقت قصير جداً، ساعد فرنانديز كثيراً من اللاعبين من حوله في تقديم أفضل ما لديهم، وهو الأمر الذي سيصب بالطبع في مصلحة بول بوغبا خلال الفترة المقبلة.