انطلاق برامج إصلاح في الدول الأوروبية الأكثر تضرراً من الوباء

مع العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية واستئناف النشاط الاقتصادي في البلدان الأوروبية بالتزامن مع انحسار «كوفيد - 19»، بدأت الدول الأكثر تضرراً من الوباء، مثل إيطاليا، وإسبانيا، وفرنسا، في وضع خطط شاملة وطويلة الأمد لإجراء إصلاحات جذرية وواسعة في نظمها الاقتصادية والصحية والإدارية، مستفيدة من الفرصة التي أتاحتها أزمة الوباء، ومن حزمة المساعدات والتسهيلات المالية الضخمة التي أقرها الاتحاد الأوروبي لمرحلة الإعمار.
وقبل أن تندمل الجراح العميقة التي أحدثها الوباء، كانت إيطاليا قد كلفت مجموعة من الخبراء بقيادة الرئيس السابق لشركة «فودافون»، والخبير الاقتصادي المعروف، فيتّوريو كولاو لوضع خطة استراتيجية للإصلاح الاقتصادي والإداري يجري التفاوض حولها منذ نهاية الأسبوع الماضي بين الحكومة والقطاعات المهنية والعمالية والمؤسسات الكبرى. وقد أعلن رئيس الحكومة الإيطالية جيوزيبي كونتي، أن رهان المستقبل سيكون على رقمنة الإدارة والاقتصاد والطاقة المتجددة والبيئة، وعلى تحصين النظام الصحي لمواجهة الأوبئة وتحسين الرعاية الأولية.
وكانت فرنسا قد شكلت مجموعة للغرض نفسه تضم 26 خبيراً برئاسة اثنين من كبار الخبراء الاقتصاديين، هما أوليفيه بلانشار، الرئيس السابق لدائرة التخطيط في صندوق النقد الدولي، وجان تيرول، الحائز جائزة «نوبل» في الاقتصاد.
بدورها، أعلنت الحكومة الإسبانية، أمس، عن تشكيل مجموعة تضم أكثر من 100 خبير في الاقتصاد والبيئة والعلوم والاجتماع لوضع مخطط تصميمي لمرحلة ما بعد «كوفيد - 19»؛ استعداداً لمناقشته في البرلمان مطلع سبتمبر (أيلول) المقبل. وتضم هذه المجموعة شخصيات قريبة من الخط التقدمي واليساري للحكومة، وأيضاً من المعارضة اليمينية. وقبل بداية أزمة الوباء، كان رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيز قد استحدث مكتباً للدراسات الاستراتيجية ملحقاً برئاسة الحكومة، كلّفه إعداد خطط للمستقبل أصبحت اليوم النواة التي تدير نشاط المجموعة وتنسق بين أعضائها.
وتحظى هذه المبادرات بالدعم والتشجيع من المؤسسات الأوروبية التي تحض الدول الأعضاء في الاتحاد على استخلاص العبر من الأزمة والإسراع في إجراء الإصلاحات الهيكلية اللازمة، خاصة في إيطاليا وإسبانيا ودول الجنوب الأخرى التي ما زالت تجر أعباء أزمة عام 2008 المالية والتي ستعاني بشدة من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الراهنة. ومن المنتظر أن تحصل إيطاليا وإسبانيا على حصة الأسد من الحزمة المالية لخطة الإنقاذ الأوروبية، أي ما يقارب 40 في المائة من المساعدات والقروض الميسّرة التي تقدّر بنحو 750 مليار يورو.
ومن المقرر أن تبدأ القمة الأوروبية غداً (الجمعة) مناقشة الاقتراح الذي تقدمت به المفوضية لخطة الإنقاذ التي ما زالت تواجه معارضة شديدة من «صقور الشمال»، خاصة فيما يتعلق بالشروط التي ستفرض للحصول على المساعدات وآليات مراقبة إنفاقها. وكانت المفوضية الأوروبية قد قدمت اقتراحها الأخير لخطة الإنقاذ في 27 مايو (أيار) الماضي، ثم طرحتها رئيسة المفوضية أورسولا فان در لاين أمام البرلمان الأوروبي الذي أقرها بأغلبية واسعة، وأوصى باعتمادها في القمة الأوروبية. وتتوقع مصادر دبلوماسية، ألا يخرج الدخان الأبيض من قمة الغد بالنسبة للموافقة على الخطة، حيث إن الدول المعارضة ما زالت تصر على شروطها، ويلمح بعضها، مثل السويد والنمسا، إلى استخدام الفيتو لمنع تمريرها بصيغتها الحالية.
وترجح هذه المصادر، أن تحجم ألمانيا عن ممارسة كامل قوتها الضاغطة على الجبهة المعارضة خلال هذه القمة، بعد أن كان لها الدور الأساسي في تليين موقف هذه الجبهة بشأن القيمة الإجمالية لحزمة المساعدات وإقناع هولندا، وهي الطرف الوازن فيها، بالتجاوب مع مطالب دول الجنوب التي تدعمها فرنسا. والسبب في ذلك، بحسب هذه المصادر، أن ألمانيا تطمح إلى أن يخرج الاتفاق النهائي بشأن خطة الإنقاذ من القمة الأولى التي ستنعقد برئاستها اعتباراً من مطلع الشهر المقبل.
ولا تستبعد أوساط أوروبية مطلعة أن يحتاج الاتحاد إلى قمة أخرى بعد الأولى التي ستعقد تحت الرئاسة الألمانية في العاشر من الشهر المقبل في مدينة «لابزيغ» للموافقة النهائية على خطة الإنقاذ، خاصة بعد أن أعلنت السويد والنمسا أن التصديق على الاتفاق في البرلمان سيكون مرهوناً، بموجب أحكام دستورية، بشروط واضحة على المساعدات التي تحصل عليها الدول الأعضاء في الاتحاد من الحزمة المالية.
وتحسباً لهذا التأخير المحتمل في الاتفاق على الخطة، بدأت إيطاليا، وإسبانيا، والبرتغال إجراءات الحصول على المساعدات المتاحة ضمن «آلية الاستقرار الأوروبية» التي تقرر دمجها في حزمة المساعدات؛ وذلك بهدف تمويل تدابير الدعم للقطاعات الاقتصادية الأكثر تضرراً والمساعدات الاجتماعية الملّحة.