السلطات اللبنانية تفتح بالقوة مدخلا لبيروت أقفله أهالي العسكريين المخطوفين

وقع أهالي العسكريين اللبنانيين الذين يختطفهم مسلحون سوريون من تنظيمي «داعش» و«النصرة» بين مطرقة الدولة اللبنانية التي منعتهم من إقفال أحد مداخل مدينة بيروت احتجاجا على ما يعتبره الأهالي «عدم جدية» من قبل الحكومة في التعاطي مع هذا الملف، وسندان الخاطفين الذين يزيدون من ضغوطهم على الأهالي ويضعونهم في مواجهة الحكومة من خلال طلبهم قطع الطرقات، وتهديدهم أمس بقتل أحد العسكريين إذا لم تتجاوب السلطات اللبنانية مع مطالبهم.
وفيما قوبلت خطوة الأجهزة الأمنية باعتراضات من الأهالي، ومن بعض السياسيين، أكد وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق أنه «لم يعد مسموحا قطع الطرقات»، معتبرا أن هذا لن يعيد أبناءهم. وقال إذا كانوا قد قرروا خدمة الخاطفين، فنحن غير مستعدّين لذلك.
واستعاد اللبنانيون مشهد الرش بالمياه الذي اعتادوه في حقبات سابقة، حين استقدمت القوى الأمنية سيارة إطفاء لتفريق الأهالي الذين قطعوا مدخل بيروت الشمالي في منطقة الصيفي.
ولم يكد الأهالي يضمدون جراحهم ويحاولون استيعاب سبب مواجهتهم بالقوة، حتى حلّ عليهم تهديد «جبهة النصرة» بإعدام الأسير العسكري علي بزال في ساعات الليل، وهو ما انعكس غضبا في مخيم اعتصامهم المركزي في ساحة رياض الصلح في وسط بيروت، فعلا الصراخ والبكاء، وتحولت خيبة الأمل الصباحية لقلق وخوف مما تحمله الساعات المقبلة. ولم يجد الأهالي في ساعات ما بعد الظهر حلا لمأساتهم إلا بإعادة قطع الطريق الذي كانوا قطعوه صباحا بالاتجاهين.
وقالت زوجة أحد العسكريين المخطوفين لـ«الشرق الأوسط»: «تم رشنا صباحا بالمياه، وضربوني على يدي ورجلي... استقدموا فتيات الأمن لمواجهتنا وقد فاق عدد القوى الأمنية عددنا بـ6 مرات». واعتبرت أن ما حصل «يؤكد أن الدولة اللبنانية اتخذت قرارا بترك ملف العسكريين وبالتالي أعطت الضوء الأخضر للإرهابيين بقتلهم». وقالت: «فليعرف المعنيون أننا قمنا بكل ما يلزم للحفاظ على أرواح أحبائنا، لكن لم يعد باستطاعتنا أن نفعل شيئا... نحن الآن وللأسف ننتظر خبر مقتل الواحد تلو الآخر».
وبعد أن كانت «جبهة النصرة» هددت مساء الخميس بقتل أحد الجنود اللبنانيين المحتجزين لديها «إذا لم تبدأ الحكومة اللبنانية عملية تفاوض بشكل جدي»، معلنة أنها ستنفذ عملية قتل أحد الأسرى بعد 24 ساعة من صدور بيانها، جدّدت تهديدها بعد ظهر يوم الجمعة، ممهلة الدولة 8 ساعات لإخلاء سبيل المدعوة جومانا حميد، التي أوقفت خلال نقلها سيارة فخخت في يبرود السورية، من بلدة عرسال لتفجيرها في معاقل حزب الله، وإلا تم قتل الجندي الأسير علي البزال. وأرفقت «النصرة» بيانها التهديدي بصورة أظهرت الجندي الأسير البزال وهو جاثٍ على قدميه يبكي والسيف مسلط من قبل أحد العناصر على رقبته.
وبرر وزير الداخلية نهاد المشنوق في كلمة وجهها من السراي الحكومي تعرض القوى الأمنية لأهالي العسكريين، قائلا: «عليهم أن يعلموا أنّه لا إقفال للطرق بعد اليوم وأنّ عودة أبنائهم حقّ لهم، ونحسّ بوجعهم ولكن عودة أبنائهم لا تتمّ بتسكير الطرقات، وأنّ القضية لا تحلّ بسرعة وتحتاج وقتا».
واعتبر المشنوق أنّ «الاستعراض الذي قام به حزب الله من خلال استعادة الأسير عماد عياد هو عمل ضدّ الحكومة، وهو تعبير أكثر فأكثر عن المشكلة الحاصلة في البلد». وأضاف: «الحكومة لم ولن تقصّر، ونحن لسنا حزبا ولا مجموعة تبيع وتشتري أبناءها، والدولة تتصرّف وفق قواعد وأصول في مجلس الوزراء، ولم تقصّر في أي لحظة ولا مع أي جهة»، معربا عن استعداده لتقديم استقالته «إذا كانت استقالتي تحررّ المخطوفين». وقال المشنوق: «إذا كانوا قد قرروا خدمة الخاطفين، فنحن غير مستعدّين لذلك».
واستنكر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ما تعرض له أهالي العسكريين المخطوفين. وقال عبر حسابه على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي: «بعض من التواضع يا أصحاب (المعالي)». وأضاف: «هؤلاء لا يملكون إلا قميصا على صدورهم. الغير يقفل الطرقات بالمواكب الأمنية الحقيقية والوهمية».
بدوره، اعتبر وزير الصحة، وائل أبو فاعور، الموكل بالملف، أن «الاعتداء الذي تعرّض له أهالي العسكريين المختطفين، معيبٌ بحقّ الدولة، لا سيّما أنّ الأهالي كانوا يهمّون بمغادرة الشارع وفتح الطريق، وبالتالي فإنّ ما حصل غير مبرر إلا لرغبة إظهار القوة الغاشمة والفاشلة في غير مكانها».
وأضاف أبو فاعور: «يا ليت هذه الشِدّة استعملت في تحرير العسكريين المختطفين بدل استعمال البطولة الوهمية بحقّ أهاليهم».
وتوجه أهالي العسكريين المختطفين إلى وزير الداخلية بالقول: «شكرا لك على ما فعلته اليوم معنا، أنتم جماعة فقدتم الضمير كليا. ما تقوم به سيئ ومن الممكن أن تندم عليه. أنت بعملك تطلب الدم في ساحة رياض الصلح والصيفي وأولادنا أغلى منك». كما توجهوا في بيان إلى رئيس الحكومة تمام سلام بالقول: «كل الكلام الذي كنت تعدنا به كله في الهواء، وتبين أنك لا تمون على وزير».
وتساءلوا: «أي قانون يُحرّم التظاهر، وأي قانون في دولة ديمقراطية يحرّم على أهالي العسكريين الذين كانوا يدافعون عن الأراضي اللبنانية وعن كل سياسي في هذا البلد الاعتصام السلمي؟»، محملين «الدولة بحكومتها المسؤولية الكاملة في حال تمت تصفية أي جندي مخطوف»، وأضافوا: واعذرونا إذا فلت الأمر من أيدي الأهالي لأننا مستعدون أن نموت ولا نرى أحدا من أبنائنا يموت».
أما وزير الإعلام رمزي جريج فدان ما تعرض له عدد من الإعلاميين الذين كانوا يتولون تغطية اعتصام أهالي العسكريين المخطوفين في منطقة الصيفي، وقال: «من المؤسف أن يدفع الجسم الإعلامي، في كل مرة، ضريبة قيامه بمهمته الإعلامية». ودعا جريج لـ«اتخاذ خطوات حاسمة تكفل حرية حركة الإعلاميين وتضمن لجميع العاملين في الحقل الإعلامي، من صحافيين ومصورين، الحماية اللازمة لكي يمارسوا مهماتهم بحرية».