مقاتل سوري موالٍ لتركيا: نعم أنا مرتزق وحاربت في ليبيا

«نعم أنا مرتزق بكل ما تعنيه الكلمة. ومن يقول غير ذلك يكذب على نفسه»، بهذه الكلمات بدأ المسؤول العسكري البارز (أ.م) يحارب مع تشكيلة من التشكيلات السورية المقاتلة في ليبيا. هو طلب عدم الإفصاح عن اسمه وتغيير بعض التفاصيل حرصاً على سلامته الشخصية. وهو رجل في الأربعين من العمر يتحدر من ريف إدلب شمال غربي سوريا، يروي أنه كان مواطناً عادياً حتى مطلع 2011 يعمل بائعاً في سوق الخضار، وبعد اندلاع الحرب في مسقط رأسه نهاية 2012 قرر الانتساب إلى فصيل عسكري ضمن تشكيلات «الجيش الحر»، حارب القوات النظامية في معظم معارك مدينتي إدلب وحلب وريفهما.
وبعد توقف المعارك بين القوات الحكومية الموالية للأسد، وفصائل «الجيش الحر» و«هيئة تحرير الشام»، ساءت أحوال الناس كثيراً ويقول (أ.م): «راتب المقاتل كان 100 ليرة تركية فقط. الفقر نخر عظامنا وآخر عامين كنت أحتار في تأمين ربطة الخبز». لكن اتصالاً هاتفياً غير مسار حياته بداية شهر فبراير (شباط) الماضي عندما أبلغه صديق مقرب بفتح باب التسجيل للقتال في ليبيا، وقال: «ذهبت إلى عفرين لمقر (الحمزات) وبعد أخذ بياناتي الشخصية نقلوني لقطعة عسكرية بقيت ثلاثة أيام حتى ترحيلي»، وشرحوا له أن الراتب الذي سيتقاضاه نحو ألفي دولار ويجب تحديد شخص من أقربائه من الدرجة الأولى حتى يستلمه.
(أ.م) كان من بين أولى الدفعات ممن شاركوا في معارك ليبيا وكان عددهم آنذاك 150 مقاتلا، حيث أشرف الجيش التركي على نقلهم براً من عفرين إلى مدينة غازي عنتاب ثم جواً إلى مطار إسطنبول، وكانت تنتظرهم طائرة تتبع الخطوط الليبية للطيران سافروا نحو مدينة مصراته الخاضعة لحكومة الوفاق الليبية.
هناك؛ نقل المقاتلون السوريون إلى نقاط عسكرية متقدمة من الجبهات الساخنة لكن كانت منفصلة عن تمركز القوات الليبية الموالية لرئيس حكومة الوفاق فايز السراج، وأضاف (أ.م) «بقيت مقاتلا قرابة شهر ثم تمت ترقيتي وأصبحت مسؤولاً عسكرياً وطلبوا مني تجنيد سوريين». بالفعل عاد (أ.م) إلى داخل سوريا قبل شهر وبدأ الترويج للقتال في ليبيا، وطوال مدة المقابلة كانت تأتيه اتصالات عبر تطبيق «واتساب» من سوريين يريدون تسجيل أسمائهم، وقال: «في كل أسبوع هناك رحلتان كل منها تنقل 60 مقاتلاً ومعظمهم كانوا مقاتلين سابقين والعدد مفتوح للتطويع»، ويعزو سبب قبول الكثيرين أن يكونوا «مرتزقة إلى النظام والحرب وجبهة النصرة من جهة، و9 سنوات كانت كافية لينفق السوريون كل مدخراتهم المادية من جهة ثانية».
وأخبر المسؤول بأن المقاتل يتقاضى مبلغ ألفي دولار أميركي، في حين يحصل قائد الكتيبة على 4 آلاف وتتراوح رواتب قادة القطاعات والألوية بين 10 آلاف و30 ألف دولار، أما الذي يقتل بالمعارك تحصل أسرته على تعويض مادي مقداره 60 ألف دولار، والإصابات بحسب درجتها تبدأ من 5 آلاف دولار حتى 50 ألفاً، وأخبر (أ.م): «هذه الأرقام غير رسمية ولا توجد عقود تثبت هذا الكلام. فالمقاتل يتحمل مسؤولية قراره والجميع يعلم بأنه مرتزق سيزج به في حروب بالوكالة».
وكشف المسؤول البارز وقوع أكثر من 100 مقاتل سوري أسرى في قبضة الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر، ويرجح مقتل 300 سوري منذ بداية مشاركتهم بمعارك ليبيا.
وعلى مدى الأيام الماضية، تواصلت «الشرق الأوسط» عبر تطبيق خدمة (واتساب) مع أهالي مقاتلين لقوا مصرعهم بالمعارك الدائرة في ليبيا، وتفيد المعلومات الأولية بأن هؤلاء يتحدرون غالبيتهم من مدن إدلب وحمص وغوطة دمشق، سيما بلدات ريف حلب الغربي والشمالي وتتمركز نقاط التسجيل في مناطق عمليات الجيش التركي «غصن الزيتون» و«درع الفرات» و«نبع السلام»، وحُجبت الأسماء الحقيقية وبعض تفاصيل الاتصال وأعادت نشرها، حفاظاً على سلامة الأشخاص الذين شاركوا في إعداد التقرير.
وباتت (ش.ح) المتحدرة من حمص أرملة مقاتل سوري كان «مرتزقاً» لقي مصرعه في ليبيا قبل نحو 15 يوما. لم يتبق لها سوى بعض الصور العائلية محملة على هاتفها الجوال تجمعهم قبل سفره. كانت تردي ملابس طغى عليها السواد وهي في عقدها الثالث وترك لها ولدين وطفلة صغيرة، وفي حديثها قالت: «قبل 3 شهور اتصل زوجي بساعة متأخرة يخبرني أنه في مطار غازي عنتاب وسيذهب إلى ليبيا»، زوجها كان بعمر (37 سنة) بقي مقاتلاً منذ بداية الحرب الدائرة 2011 حتى سفره إلى ليبيا، وانقطعت أخباره حتى وصلها نبأ مقتله. صمتت لبرهة ثم شق كلماتها سكون المكان لتضيف بغضب: «قلت له لا تذهب، لدينا أولاد يستحقون العيش بكرامة اترك هذه الحرب القذرة»، لكنه تابع طريقه وأبلغها أحد أقربائها وهو مقاتل هناك بأنه قتل وستقبض تعويضها المالي قريباً، ونفت وجود ضمانات لاستلام التعويض أو الحصول على امتيازات ثانية.
وعلى مدار السنوات الماضية منذ اندلاع الحرب في سوريا ربيع 2011 وتحولها لساحة صراع بين دول عالمية وإقليمية؛ استقدمت الجهات المتحاربة سيما النظام الحاكم آلاف المرتزقة للقتال في هذا الجزء الساخن من الشرق الأوسط، لكنها المرة الأولى التي يزج بهؤلاء السوريين في معارك خارج بلدهم وكانت وجهتهم الأولى ليبيا ويشاع إمكانية إشراكهم بحروب اليمن المستعرة.