المصريون والكمامات... ندرة وعقوبات وتحذيرات من سوء الاستخدام

لم يعثر سائق الميكروباص وليد فهمي على كمامة يرتديها خلال رحلته اليومية لنقل الركاب من مدينة الباجور بمحافظة المنوفية (دلتا النيل في مصر)، إلى مدينة السادس من أكتوبر (تشرين الأول) بمحافظة الجيزة المصرية، مما اضطره إلى طلب «كمامة» من أحد الركاب للهروب من عقوبات تفرضها لجنة تفتيش مرورية، وفق تعديلات القانون 137 لعام 1958.
ووافق البرلمان المصري على تعديلات بالقانون تتيح للجهات التنفيذية فرض غرامة لا تزيد على 4000 جنيه (الدولار يساوي 16 جنيها مصريا في المتوسط) على من لا يستخدم الكمامة، وذلك في إطار إجراءات «التعايش مع فيروس كورونا» التي اتخذتها الحكومة المصرية، تمهيدا لاستئناف النشاط الاقتصادي بشكل كامل.
والسائق فهمي كما غيره من قطاع غير قليل بين المصريين، يجد صعوبة في الحصول على الكمامات التي باتت نادرة في الصيدليات، بالتوازي مع زيادة معدلات الإصابة بفيروس كورونا، وتتراوح أسعار بعضها عادية الاستخدام (وغير موثوقة التعقيم) بين جنيهين ونصف الجنيه، وعشرة جنيهات.
وبينما تعهدت الحكومة بتوفير أنواع قماشية من الكمامات يمكن غسلها وإعادة استخدامها لأكثر من مرة «في أقرب وقت»، شنت وزارة الداخلية حملات لضبط مخالفين لم يرتدوها، ولجأ البعض للتحايل على القانون باستخدام الكمامة الواحدة أكثر من مرة، خصوصاً في ظل أعباء اقتصادية جمة باتت تحاصر دخل المصريين الذين يقبع ثلثهم تقريباً تحت خط الفقر، بحسب إحصائيات رسمية.
وفي سعيها لحل مشكلة الندرة وسوء الاستخدام بسبب غلاء أسعار الكمامات الطبية، أعلنت الحكومة المصرية في وقت سابق هذا الشهر عن طرح كمامات مصنوعة من القماش بسعر خمسة جنيهات عبر مصانع الملابس بمواصفات قياسية من وزارة الصحة، بحيث تكون آمنة وصالحة للاستخدام لمدة شهر.
وقالت نيفين جامع، وزيرة التجارة والصناعة، في بيان الأحد الماضي، إن «مصر تستهدف إتاحة نحو 30 مليون كمامة شهريا لتلبية احتياجات السوق المحلية، وأنه سيتم خلال الأيام القليلة المقبلة البدء في عملية الإنتاج حيث سيتم تصنيع 8 ملايين كمامة من القماش كمرحلة أولى».
ولم يبدأ إنتاج تلك الكمامات حتى الآن، وحتى تتوفر في الأسواق لا يملك المواطن المصري سوى اللجوء للكمامات المتاحة في الأسواق، والتي حذر دكتور محمود شحاتة، باحث الفيروسات بالمركز القومي للبحوث، من استخدامها أكثر من مرة.
وقال شحاتة لـ«الشرق الأوسط»: «يجب أن يكون خوف المواطن من عدوى كورونا وليس الغرامة المنتظرة، وذلك بالتزام الضوابط الصحية، وفي مقدمتها عدم استخدام الكمامة الواحدة أكثر من مرة، وأن يتم إتلافها بعد الاستخدام لمرة واحدة فقط، حتى لا يسيء البعض استخدامها عند وضعها في حاويات القمامة، ويتم إعادة استخدامها من قبل مصانع غير مرخصة».
ورغم أن الكمامات القماش، التي تنوي الحكومة إنتاجها «ليست الحل المثالي»، كما يرى شحاتة، فإنه يقول: «هي أفضل من لا شيء».
وتتباين الكمامات في أداء وظيفة منع العدوى، وفقا لمدى ملائمة تصميمها لحجم فيروس كورونا المستجد، حيث يبلغ حجم فيروس كورونا المستجد أقل من 0.2 ميكرومتر، وهذا يجعله قادراً على النفاذ من خلال كثير من الأقنعة المتداولة في الأسواق، كما يؤكد شحاتة.
ويقول إن «القناع الأمثل هو قناع (N - 95) حيث لا توجد به أي فراغات تسمح بنفاذ الفيروس، وتليه الأقنعة الجراحية ذات الاستخدام الواحد، حيث يمكن أن تسمح الفراغات الموجودة بها بنفاذ الفيروس، ولكن لأنه يكون محملا على أشياء من جزيئات الأتربة، فلا تسمح حجم هذه الجزيئات بنفاذه، وأقل الأقنعة هي أقنعة القماش، ولكن استخدامها أفضل من لا شيء».
وفي محاولة لاحتواء السلبيات التي أشار إليها شحاتة، تقدمت النائبة آمال رزق الله، عضو مجلس النواب، باقتراح موجه لرئيس مجلس الوزراء ووزيري الصحة والداخلية، بشأن «توقيع عقوبة تصل إلى 4 آلاف جنيه على بائعي الكمامات المغشوشة ومجهولة المصدر على الأرصفة والعربات».
ودخلت الجهات الدينية على خط الأزمة، وحث دكتور عبد الهادي زارع، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر، على ضرورة ارتداء الكمامة في هذا الوقت الذي يتنشر فيه فيروس كورونا، واصفا عدم ارتدائها بالمخالفة لقرار الجهات المعنية بأنه «إثم».
وأضاف في تصريحات صحافية أول من أمس: «الامتناع عن ارتداء الكمامة في هذا التوقيت، فيه إيذاء للغير، ونشر للعدوى، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ضرر ولا ضرار. ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة».