الدوري الإنجليزي الممتاز يتجه نحو آفاق مجهولة

مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز سوف تستأنف في 17 يونيو (حزيران) رغم المخاوف الصحية بشأن اللاعبين والحكام والعاملين بالملاعب. ودعونا نتفق في البداية على أن السبب الرئيسي وراء قرار استئناف مباريات المسابقة هو سبب مالي في الأساس، وليس كما يزعم البعض بأن السبب هو رفع الحالة المعنوية في المملكة المتحدة، أو الرغبة في تحقيق «النزاهة الرياضية»!
وفي الحقيقة، لا أجد أي خجل في أن أقول ذلك صراحة، كما لا أرى أي داع للتظاهر بخلاف ذلك، نظرا لأن الأندية تبحث عن مصلحتها الشخصية وعن كافة السبل التي تجعلها قادرة على مواصلة عملها في ظل هذه الظروف الصعبة. ويجب أن نؤكد أيضا على أن هناك أعدادا هائلة للغاية من الناس يعملون في مجال كرة القدم، وأن الأمر لا يقتصر فقط على اللاعبين في الدوري الإنجليزي الممتاز الذين يحصلون على رواتب فلكية. لكن من مصلحة الجميع أيضاً أن تكون كافة الأمور واضحة فيما يتعلق بحقيقة أن الاعتبارات المالية هي المحرك الأساسي لكافة القرارات التي يتم اتخاذها في الوقت الحالي، بما في ذلك القرار الذي صوتت عليه أندية الدوري الإنجليزي الممتاز في وقت سابق بضرورة استئناف المباريات. إنها خطوة أولية جيدة، حيث عادت الأندية للتدريبات الفردية التي يتم إجراؤها بعناية. كما وافقت أندية الدوري الإنجليزي الممتاز بالإجماع على عودة التدريبات الجماعية بما في ذلك الالتحامات بين اللاعبين ثم تقرر بعد ذلك استئناف المسابقة بعد توقف لأكثر من شهرين بسبب وباء فيروس كورونا.
وقبل استئناف المباريات، ستتطلع الأندية إلى خوض تدريبات من فريقين يضم كل منها 11 لاعبا، مع ضرورة الالتزام ببعض الأمور التي رأيناها في الدوري الألماني الممتاز عندما استأنف مبارياته، مثل ارتداء البدلاء لأقنعة والعمل قدر الإمكان على أن يكون هناك قدرا من التباعد بين اللاعبين. ومن المؤكد أنه سيكون هناك ردود فعل قوية لقرار استئناف الدوري الإنجليزي الممتاز، وهذا أمر مفهوم تماما لأننا نعيش أوضاعا صعبة في الوقت الحالي بسبب تفشي فيروس كورونا. وستكون أول ردود الأفعال تتمثل في القول بأن استئناف مباريات كرة القدم للمحترفين في الوقت الحالي ليس آمنا، وأن جميع محاولات القيام بذلك ستعرض حياة الناس للخطر.
وهناك وجهة نظر أخرى تقول إن المستوى الذي سيقدمه اللاعبون في المباريات القادمة سيكون متواضعا للغاية وتقليدياً، لأن المباريات ستلعب بدون جمهور، وهو ما يشبه إقامة «حفل زفاف بدون مدعوين»، وبالتالي فإن الأندية التي ستهبط من الدوري الإنجليزي الممتاز بنهاية الموسم الجاري ستتعرض لظلم كبير، نظرا لأنها لم تلعب في بيئة تساعدها على تقديم أفضل ما لديها داخل الملعب.
في الحقيقة، قد تكون هذه الآراء منطقية وصحيحة تماما، لكنها في نفس الوقت «غير مهمة» نظرا لما سيحدث خلال الفترة المقبلة. فالنسبة للمخاطر، لا يوجد أدنى شك في أنه سيتم اتباع كافة الإجراءات والتدابير التي تعمل على ضمان أمن وسلامة اللاعبين وكل المشاركين في عودة المباريات. ربما استأنف الدوري الألماني الممتاز مبارياته بنجاح، لكن هناك أسباب وجيهة ساعدت في نجاح هذه التجربة، من بينها بالطبع أن معدل الوفيات في ألمانيا جراء الإصابة بفيروس كورونا يصل إلى ربع معدل الوفيات في المملكة المتحدة حتى الآن. وعلاوة على ذلك، فإن عدد الإصابات اليومية الجديدة بفيروس كورونا في ألمانيا يقل بنحو ست مرات عنه في المملكة المتحدة، كما أن ألمانيا لديها قيادة ناضجة تسير وفق خطة واضحة وشفافة.
بالإضافة إلى ذلك، لا يزال الدوري الألماني الممتاز يطبق قاعدة الملكية بنسبة 51 في المائة، ولا تزال الأندية تلعب دورا كبيرا في الجانب الاجتماعي، ولا يزال هناك مناخ من الثقة وحسن النية. وفي النهاية تمكنت ألمانيا من استئناف مباريات الدوري الممتاز، رغم الشكوك الكثيرة التي كانت تحوم حول القدرة على القيام بذلك.
وهناك مخاوف من أن فيروس كورونا لا يزال مرضاً غامضاً، ولا يمكن التنبؤ بآثاره على الجسم على المدى الطويل، لكن على أي حال فإن لاعبي كرة القدم غالبا ما يكون لديهم أجهزة مناعية قوية بسبب التدريبات القوية التي يقومون بها. ومن المؤكد هو أن كرة القدم الإنجليزية عبارة عن «عمل تجاري هائل»، وبالتالي فإنها فعلت كل ما في استطاعتها من أجل استئناف المسابقة حتى لا تتكبد خسائر مالية كبيرة.
ومن المهم أيضا أن نتحدث بوضوح بشأن الأطراف الأكثر عرضة للخطر نتيجة استئناف مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز، حيث تشير البيانات الرسمية إلى أن أعلى معدل للوفيات جراء الإصابة بفيروس كورونا حتى العشرين من أبريل (نيسان) كان بين الرجال الذين يعملون في مهن ترفيهية وخدمية لا تتطلب مهارة كبيرة؛ أو بعبارة أخرى أولئك الموجودين على الهامش، وأولئك الذين يجعلون هذه الصناعة تعمل، وليس أولئك الذين يتخذون القرارات.
وتشير الأرقام إلى أن عمال النظافة والنجارين والكهربائيين والعمال اليدويين وحراس الأمن وسائقي النقل، هم الذين ماتوا بأعداد كبيرة جراء الإصابة بفيروس كورونا، وليس الرؤساء التنفيذيين أو الرياضيين. هؤلاء هم الأشخاص الذين سينظر إليهم القائمون على اللعبة بالنسبة لوضعهم في خطر أكبر مع اقتراب استئناف النشاط الرياضي. ومع ذلك، من الواضح للجميع أن النشاط الكروي سيستأنف بغض النظر عن أي تبعات أخرى، نظرا لأن كل قرار يتم اتخاذه الآن بناء على خلق حالة من التوازن بين مكافحة الفيروس والانهيار الاقتصادي الكامل، وبالتالي فإن كل قرار يتخذ الآن هو قرار براغماتي ومعيب.
وفي ظل كل هذه الظروف، سيكون من العبث توقع أن يستوعب الدوري الإنجليزي الممتاز وكرة القدم الإنجليزية كل شيء، أو أن تضرب مثالاً نبيلاً للآخرين وتضحي بنفسها، لدرجة أن أعضاء رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز كانوا يشعرون بالقلق من أن المسؤولين كانوا يكذبون بشأن معدلات الإصابة بالفيروس حتى لا يتم استئناف الموسم! ويجب أن نعرف أن الشيء الذي يربط أعضاء هذه الرابطة معا هو المصلحة الشخصية المشتركة، ولا يجب أن نتوقع منهم الحذر أو الإيثار عندما لا يكون ذلك موجودا في مكان آخر في هذا المجتمع.
وفي ظل كل هذه الظروف، يبدو من السخف الاعتراض على أن نهاية الموسم بعد استئنافه ستكون مصطنعة أو غير عادلة. قد يكون هذا هو الحال بالفعل، لكن من ناحية أخرى فإن التركيب الأساسي للمجتمع يتفكك أيضاً، فلماذا تكون كرة القدم استثناء لذلك؟
ودعونا نواجه الأمر بكل صراحة ونعترف بأن كرة القدم على مستوى النخبة «غير عادلة» بالفعل. ويجب أن نعرف أن كرة القدم ليست غير عادلة بسبب غياب الجمهور عن بعض المباريات بعد استئناف المسابقة، ولكن لأنها انحرفت عن مسارها الصحيح بسبب مواردها المالية الغريبة والمثيرة للسخرية، ولأن الأغنياء يسيطرون على كل شيء ويصبحون أكثر ثراء.