الأمم المتحدة تطلق استجابة عالمية منسقة لتخفيف آثار «كوفيد ـ 19»

أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيسا الوزراء الكندي جاستن ترودو والجامايكي أندرو هولنيس، بمشاركة العشرات من زعماء العالم والمنظمات الدولية، مبادرة واسعة النطاق دولياً بهدف تطوير استجابة منسقة وفاعلة للتخفيف من الآثار الاجتماعية والاقتصادية المدمرة لوباء «كوفيد - 19»، بما في ذلك عبر تخفيف كاهل الديون عن الدول الأقل نمواً ومتوسطة الدخل.
واتخذت هذه المواقف خلال اجتماع رفيع المستوى في شأن تمويل التنمية الذي نظمته الأمم المتحدة عبر الفيديو، بمشاركة أكثر من 50 من رؤساء الدول والحكومات والعشرات من ممثلي الجهات المانحة والمنظمات الدولية غير الحكومية، سعياً إلى استجابة منسقة وشاملة ومتعددة الأطراف لمواجهة جائحة «كوفيد - 19» وما يمكن أن ينتج منها من عواقب مدمرة على حياة الناس وسبل عيشهم، بالإضافة إلى مساعدة البلدان المحتاجة على التعافي بشكل أفضل، وتأمين اقتصادات ومجتمعات أكثر ازدهاراً ومرونة وشمولاً. وكان بين المشاركين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى ممثلين عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والقطاع الخاص.

- انكماش تاريخي
وافتتح غوتيريش هذا الاجتماع بكلمة استهلها بالتحذير من أنه «ما لم نتصرف الآن، فإن جائحة (كوفيد – 19) ستتسبب في دمار ومعاناة لا يمكن تصورهما في كل أرجاء العالم»، فضلاً عن «مجاعة ذات أبعاد تاريخية»، مشيراً إلى أن «60 مليون شخص إضافي دُفعوا إلى الفقر المدقع»، بالإضافة إلى «فقدان 8.5 تريليون دولار من الناتج العالمي، في أكبر انكماش منذ الكساد الكبير في الثلاثينات من القرن الماضي». وإذ قال إنه «يجب أن نتلافى ذلك». رأى أن «الوباء أظهر هشاشتنا»؛ لأنه «على رغم كل التطورات التكنولوجية والعلمية في العقود الأخيرة، نحن في أزمة بشرية غير مسبوقة، بسبب فيروس مجهري». وأضاف «نحن في حاجة إلى الاستجابة بالوحدة والتضامن، والجانب الرئيسي للتضامن هو الدعم المالي». وإذ رحب بالإجراءات السريعة التي اتخذها بالفعل صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي ومصارف التنمية الإقليمية والمؤسسات المالية الدولية الأخرى ومجموعة العشرين، نبّه إلى أن «الكثير من البلدان النامية تفتقر إلى الوسائل اللازمة لمكافحة الوباء والاستثمار في التعافي».
وطالب بـ«عمل جماعي فوري» في ستة مجالات اعتبرها «بالغة الأهمية». وأولها السيولة العالمية، ملاحظاً أن «الكثير من البلدان شهدت تقلص حيزها المالي بسبب التوقف الفعلي للنشاط الاقتصادي؛ مما منعها من القدرة على استيراد الإمدادات الطبية الأساسية». والثاني يتعلق بالديون السيادية، معتبراً أن قرار مجموعة العشرين للدول الأكثر تقدماً في شأن وقف تسديد الديون «خطوة أولى» مع أنها «تغطي فقط البلدان الأقل نمواً». وقال إن «الكثير من البلدان النامية وحتى المتوسطة الدخل شديدة التأثر» بجائحة «كوفيد - 19»، موضحاً أن هذه البلدان «تعاني ضائقة الديون - أو ستصبح كذلك قريباً، بسبب الركود العالمي». ورأى أن «تخفيف الديون لا يمكن أن يقتصر على أقل البلدان نمواً. بل يجب أن يمتد ليشمل كل البلدان النامية والمتوسطة الدخل». أما المجال الثالث فيرتبط بالدائنين من القطاع الخاص الذين يجب إيجاد «طرق وحوافز مبتكرة» لتشجيعهم على الانضمام إلى جهود تخفيف عبء الديون. وقال إن الرابع يركز على تعزيز الثقة لإعادة إطلاق الاستثمار في التنمية المستدامة. ودعا في المجال الخامس إلى معالجة الأزمات المتعلقة بالتهرب الضريبي وغسل الأموال والفساد؛ مما «يحرم البلدان النامية بالفعل من مئات المليارات من الدولارات كل عام». ويجب سادساً، وفقاً لغوتيريش أن «نتعافى بشكل أفضل» بعدما كشف «الوباء تفاوتات ومظالم عميقة يجب أن نتصدى لها، بما في ذلك عدم المساواة بين الجنسين».
من جهته، رأى ترودو أن «كل البلدان تخضع لاختبار جائحة (كوفيد – 19) الذي يهدد بتقويض مكاسبنا التنموية المنجزة بشق الأنفس». وقال «نعلم أن أفضل طريقة لمساعدة جميع شعوبنا واقتصاداتنا على الانتعاش هي العمل سوية كمجتمع عالمي». وأضاف «نريد دعم الإجراءات الجماعية والفردية لتمكين التعافي الذي يؤدي إلى اقتصادات أكثر شمولاً واستدامة ومرونة، حيث لا أحد يتخلف عن الركب».
وقال هولنيس، إن «جائحة (كوفيد – 19) تتطلب منا اتخاذ إجراءات فورية لمعالجة آثاره على اقتصادات كل البلدان، في كل منطقة من العالم وفي كل مرحلة من مراحل التنمية». ورحب بالتركيز على المواضيع الستة، بما في ذلك «ضرورة تلبية الحاجة الملحة إلى زيادة السيولة، وخاصة بالنسبة للبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط».
وبعد الافتتاح، عقدت جلسة رفيعة المستوى تحدث فيها رؤساء الدول والحكومات عن التزامهم بإيجاد حلول متعددة الأطراف للأزمة الاقتصادية العالمية وتأثيراتها على أكثر الفئات ضعفاً.
ورأى رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، تجاني محمد بندي، أنه «من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030 علينا إعادة التفكير في أنظمتنا الاقتصادية»، مضيفاً أن «هذا يتطلب قيادة وإرادة سياسية وجهوداً تعاونية بين مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة لحماية المستقبل للأجيال القادمة». وقال «نحن في حاجة إلى العمل بشكل عاجل وحاسم بشأن المجالات الستة التي أبرزها الأمين العام».

- تكلفة باهظة
وبالتزامن مع هذا الحدث، وزعت الأمم المتحدة معلومات مهمة عن تكاليف الوباء. وأظهرت أرقام أعدتها منظمة الصحة العالمية، أن «كوفيد – 19» أدى إلى وفاة أكثر من 340 ألف شخص حتى الآن، مع أكثر من 5.4 ملايين إصابة على مستوى العالم. وأفادت الأمم المتحدة بأنه «في حال لم نتحرك الآن، فإن الوباء يمكن أن يقتطع ما يقرب من 8.5 تريليون دولار أميركي من الاقتصاد العالمي على مدى العامين المقبلين، وهو ما سيدفع بـ34.3 مليون شخص إلى الفقر المدقع هذا العام، وربما 130 مليون شخص إضافي خلال هذه العشرية».
وتوقعت منظمة العمل الدولية، أن تكون ساعات العمل العالمية في الربع الثاني من عام 2020 أقل بنسبة 10.5 في المائة مما كانت عليه قبل الأزمة، أي ما يعادل 305 ملايين وظيفة بدوام كامل. وتتأثر النساء بشكل خاص، حيث يتواجدن بشكل كبير في القطاعات الأكثر تضرراً من فقدان الوظائف الأولي. كما أنهن يمثلن أكثرية العاملين في القطاع غير الرسمي على مستوى العالم ويشغلن عموماً وظائف أقل أماناً مع حماية أقل ومدخرات أقل، وهن أكثر عرضة للعيش في الفقر أو قريباً من الفقر.
ويتسبب الوباء في ضائقة اقتصادية حتى في البلدان التي لم تشهد بعد الآثار الصحية بأعداد كبيرة. فانخفاض الصادرات وانخفاض النمو يقوضان بسرعة قدرة الكثير من البلدان النامية على تحمل الديون، ولا سيما البلدان التي تعتمد بشكل كبير على السلع أو عائدات السياحة أو التحويلات. وتشكل ضائقة الديون المتزايدة تحدياً هائلاً لهذه البلدان يفاقم من الحد من قدرتها على تنفيذ تدابير محفزة.
وحتى قبل تفشي الوباء، كان قرابة نصف جميع البلدان الأقل نمواً وغيرها من البلدان منخفضة الدخل في ضائقة ديون أو قريبة منها. وازدادت تكلفة خدمة الديون بهذه البلدان بأكثر من الضعف بين عامي 2000 و2019، لتصل إلى 13 في المائة من الإيرادات الحكومية، وتبلغ أكثر من 40 في المائة في ربع جميع الدول الجزرية الصغيرة النامية.
التعبئة الفعالة للموارد المحلية ستكون حاسمة لإعادة بناء الاقتصادات. غير أنه يُعتقد أن تريليونات الدولارات يحتفظ بها بالخارج في حيازات مالية غير معلنة. وتقدر تكلفة غسل الأموال بنحو 1.6 تريليون دولار أميركي في السنة.

- تحديات غير مسبوقة
في مواجهة هذه الأزمة الصحية والاجتماعية والاقتصادية غير المسبوقة، نفذت الكثير من الحكومات في جميع أنحاء العالم تدابير تحفيز مالي كبيرة تعادل ما يقدر بـ10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الوطني. لكن معظم الاقتصادات النامية تواجه صعوبة أو استحالة تنفيذ حزم مالية ضخمة بما يكفي، والتي بلغت لحد الآن في المتوسط أقل من 1 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي.
وفي أبريل (نيسان) 2020، وافقت مجموعة العشرين على تعليق خدمة الديون على الديون الرسمية الثنائية بالنسبة لـ76 دولة نامية منخفضة الدخل لمساعدتها في زيادة السيولة للتعامل مع آثار الأزمة. كما قدم صندوق النقد الدولي المزيد من تخفيف خدمة الديون لـ25 من أفقر البلدان، وكان البنك الدولي ينسق مع البنوك الإقليمية لمناقشة الدعم بالنسبة لـ«كوفيد - 19»، والمبادرات المشتركة، والتمويل المشترك، وسبل رفع صافي التدفقات إلى الحد الأقصى بالنسبة لأكثر البلدان فقراً وهشاشة.