الصين تلتحق بسباق اللقاحات العالمي بعد إعلان انتصارها على الفيروس

بعد أيام من إعلان نجاح المرحلة الأولى من التجارب السريرية للقاحين أميركي وبريطاني لعلاج فيروس «كورونا المستجد» المسبب لعدوى «كوفيد - 19»، حملت دورية «لانسيت» الطبية أنباء عن نجاح المرحلة الأولى من التجارب السريرية للقاح صيني.
وجاء إعلان الدورية الطبية الشهيرة، الجمعة الماضي، بالتزامن مع تأكيد رئيس الحكومة الصينية لي كي تشيانغ، خلال افتتاح المجلس الوطني لنواب الشعب، نجاح بلاده في هزيمة فيروس «كورونا المستجد»، حيث لم يتم تسجيل يوم الجمعة أي إصابة جديدة أو حالة وفاة بالفيروس. وبينما يعتمد اللقاح الأميركي على تقنية جديدة تستخدم لأول مرة، وهي «استخدام مقتطف صغير من الشفرة الوراثية للفيروس يتم حقنها في المريض»، فإن اللقاح الصيني الذي أعلنت عنه دورية «لانسيت»، يستخدم «تقنية تم تجريبها سابقاً، وتعتمد على استخدام فيروس ضعيف من فيروسات نزلات البرد له القدرة على إصابة الخلايا البشرية بسهولة دون أن يكون قادراً على التسبب في المرض، وذلك لإيصال المواد الوراثية التي ترمز لبروتين فيروس (كورونا المستجد) إلى الخلايا، ويساعد ذلك الجهاز المناعي على خلق أجسام مضادة تتعرف على هذا البروتين وتقاوم الفيروس».
وأظهرت التجارب التي أُجريت على اللقاح الصيني في مرحلته السريرية الأولى، أنه كان قادراً على توليد استجابة مناعية ضد الفيروس عند 108 من البالغين الأصحاء، حيث أنتجت جرعة واحدة منه أجساماً مضادة للفيروس خلال 14 يوماً. وخلال التجارب تم تقسيم المتطوعين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عاماً، إلى ثلاث مجموعات كل منها تكونت من 36 شخصاً، ويشتركون جميعاً في أنه لم يكن لديهم عدوى بالفيروس. وتلقت المجموعات الثلاث حقنة عضلية واحدة من اللقاح الجديد الذي تمت تسميته (Ad5 - nCoV)، بجرعات منخفضة، متوسطة، وعالية، ثم تم اختبار دم المتطوعين على فترات منتظمة بعد التطعيم لمعرفة ما إذا كان اللقاح قد حفّز الجهاز المناعي أم لا، فوجدوا أنه يولّد الأجسام المضادة للفيروس.
وفي غضون أسبوعين من التطعيم «أدت جميع مستويات جرعة اللقاح إلى مستوى معين من الاستجابة المناعية في شكل أجسام مضادة، وبعد 28 يوماً، حصل معظم المشاركين على زيادة أربعة أضعاف في الأجسام المضادة». ووفق البحث «لم تظهر أي أعراض جانبية سلبية خطيرة في غضون 28 يوماً من التطعيم، وكان معظم الأعراض خفيفة أو معتدلة عند 83% (30 شخصاً من 36) من أولئك الذين تلقوا جرعات منخفضة ومتوسطة من اللقاح و75% (27 شخصاً من 36) في مجموعة الجرعات العالية».
ويقول د. وي تشين، من معهد بكين للتكنولوجيا الحيوية في بكين بالصين، والباحث الرئيسي بالدراسة في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للمعهد بالتزامن مع نشر الدراسة: «يجب تفسير هذه النتائج بحذر، فالقدرة على تحفيز هذه الاستجابات المناعية لا تشير بالضرورة إلى أن اللقاح سيحمي البشر من الفيروس، وهذه النتيجة مبشِّرة، لكننا لا نزال في حاجة للتأكد من استمرار هذه الاستجابات المناعية خلال الأشهر الستة القادمة».
ما أشار إليه تشين، على ما يبدو أنه يعكس استيعاباً لدرس الماضي، من ضرورة توخي الحذر فيما يتم إعلانه بشأن اللقاحات، حيث تسببت نتائج خاطئة بخصوص أحد اللقاحات تم الترويج لها عام 2018 في تشويه سمعة اللقاحات الصينية. وتبين في يوليو (تموز) من عام 2018 أن شركة «شانغ شينغ بيو تكنولوجي» لصناعة اللقاحات قد زورت البيانات الخاصة بإنتاج لقاح داء الكلب الذي تنتجه، وصدر أمر للشركة بوقف الإنتاج وسحب لقاحات داء الكلب من الأسواق. ويقول تقرير نشرته شبكة «بلومبرغ» في 19 مايو (أيار) الماضي، إن هذا الحدث ربما يمثل تحدياً سيواجه اللقاح الصيني في سباق اللقاحات العالمي، حيث إنه أدى إلى تقويض ثقة الجمهور في اللقاحات الصينية وإعطاء الصناعة سمعة عالمية سيئة.
وفي مقابل هذا التحدي، تملك الصين فرصاً تسويقية كبيرة في سباق اللقاحات الذي يتضمن أكثر من 108 لقاحات قيد التطوير، وتم إعلان عن نتائج المرحلة الأولى من التجارب السريرية لثلاثة منها، كان آخرها اللقاح الصيني. وأشار التقرير إلى أن الفرص التسويقية للصين مصدرها أن اللقاح الصيني يستخدم طريقة تم تجريبها من قبل في إنتاج اللقاحات، بينما اللقاح الأميركي يستخدم طريقة جديدة لا توجد سابقة تتعلق بها، لذلك ليس من الواضح ما إذا كان يمكن تصنيع مثل هذا اللقاح على نطاق واسع بسرعة لتلبية الطلب.
وكان الرئيس الصيني شي جينبينغ قد وعد الاثنين الماضي خلال كلمته في الحفل الافتتاحي للجلسة الـ73 لجمعية منظمة الصحة العالمية عبر الفيديو، بأن تعمل بكين على توفير اللقاح بأسعار معقولة لكل العالم عندما يتم إنتاجه، وهي الخطوة التي قال عنها تقرير «بلومبرغ»، إن من شأنها أن تساعد في نزع فتيل الانتقادات الموجهة إلى الصين، بسبب تأخرها في الإعلان عن ظهور الفيروس الجديد، مما أدى لإصابة الملايين عبر العالم.
وسبق للصين أن قادت جهداً عالمياً لتوزيع اللقاحات على النطاق العالمي، حيث قامت بتوزيع 30 مليون جرعة من لقاح التهاب الدماغ الياباني خلال الفترة من 2014 إلى 2018.
من جانبها، ترى د.نجوى البدري، مدير مركز التميز لأبحاث الخلايا الجذعية بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، أن «التحدي الأكبر الذي يواجه اللقاحات عموماً هو الحاجة إلى التأكد من استجابتها المناعية».
وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «صحيح أن الظرف الطارئ يؤدي إلى التسريع من خطوات الإنتاج، ولكن ذلك لا ينبغي أن يكون على حساب التأكد من أن الأشخاص الذين حصلوا على اللقاح لن يصابوا بالفيروس، وهذا لن يتم التأكد منه إلا إذا تعرض للفيروس الأشخاص الذين حصلوا على اللقاح في التجارب السريرية، وتم إثبات أن اللقاح وفّر لهم التحصين ضد الفيروس».
وتضيف: «إذا كانت الصين قد أعلنت السيطرة على المرض ولم تسجل أي إصابات يوم الجمعة، فقد يكون التحدي الكبير الذي يواجهها هو عدم تعرض الأشخاص الذين حصلوا على اللقاح للفيروس حتى يتم التأكد من أنه وفّر الحماية منهم».
وتحتاج الصين لتجاوز هذه المشكلة إلى التعاون مع دول أخرى في العالم خلال المراحل التالية من التجارب السريرية والتي تُجرى على عدد أكبر من المتطوعين. وفي الماضي، لم تذهب جهود اللقاحات الصينية إلى أي مكان بالعالم، لأن الأمراض التي استهدفتها تم القضاء عليها أو لم تنفجر على نطاق واسع داخل الصين، فعلى سبيل المثال، توقفت جهود إنتاج لقاح «سارس» عندما اختفى الفيروس بعد إصابة أكثر من 8000 شخص في عام 2003.