الأطفال ليسوا محصنين من «كوفيد ـ 19» وبعضهم يواجه أعراضاً «قاتلة»

مع بداية جائحة فيروس كورونا المستجد، كان هناك انطباع سائد أن الأطفال محصنون ضد الإصابة بالفيروس، وبدأ هذا الانطباع يتغير رويدا رويدا إلى القول إن الأطفال يتعرضون للإصابة بالفيروس، ولكن لا تظهر عليهم الأعراض، وإن ظهرت عليهم تكون أقل حدة من أعراض البالغين، ولكن دراسة أميركية حديثة نشرت أول من أمس في مجلة «طب الأطفال»، حذرت من الارتكان لذلك، لتشير بوضوح إلى أن الأطفال ليسوا محصنين ضد هذا الفيروس وأن بعضهم يصاب بأعراض قاتلة تحتاج إلى مستوى أعلى من الرعاية.
واتفقت الدراسة التي أجراها أطباء من مستشفى «مونتيفيوري» للأطفال في نيويورك التابع لكلية ألبرت أينشتاين للطب، مع ما هو شائع من أن معظم الأطفال المصابين بالفيروس التاجي الجديد لديهم أعراض خفيفة، لكنها شددت في الوقت ذاته على أن مجموعة فرعية تتطلب دخول المستشفى، وأن عددا صغيرا من هذه المجموعة يتطلب رعاية مكثفة.
وتناولت الدراسة حالة 46 طفلاً تتراوح أعمارهم بين شهر واحد و18 عاماً، والذين تلقوا رعاية إما في وحدة عامة، أو في وحدة رعاية الأطفال الحرجة، وهذه هي أكبر دراسة حتى الآن لوصف حالة الأطفال في مركز طبي واحد داخل الولايات المتحدة.
وجد الباحثون أن الأطفال الذين يحتاجون إلى العناية المركزة لديهم مستويات أعلى من الالتهاب ويحتاجون إلى دعم إضافي للتنفس، مقارنة مع أولئك الذين عولجوا في وحدة عامة، ومن بين الأطفال الذين يتم الاعتناء بهم في وحدات العناية الخاصة، كان ما يقرب من 80 في المائة يعانون من متلازمة الضائقة التنفسية الحادة (ARDS)، والتي ترتبط بشكل أكثر شيوعًا بمرضى فيروس كورونا المستجد لدى البالغين المصابين بأمراض خطيرة، وتم وضع ما يقرب من 50 في المائة من الأطفال المصابين بهذه المتلازمة على أجهزة التنفس الصناعي.
وفي المتوسط، بقي الأطفال في وحدة العناية المركزة في المستشفى لفترة أطول بأربعة أيام من الأطفال في الوحدة العامة، ووجد الباحثون أيضًا أنه بينما كانت السمنة أو الربو منتشرة بشكل كبير في الأطفال في هذه الدراسة، فإن هذه المضاعفات لم تزد احتمال أن يحتاج الطفل إلى مستويات معززة من الرعاية.
ووجد الباحثون أيضا أن أكثر من نصف الأطفال لم يكن لديهم اتصال معروف بشخص مصاب بالفيروس، وقد يعكس هذا حقيقة أن الفيروس يمكن أن ينتشر من قبل الأشخاص الذين لا تظهر عليهم الأعراض، وقد يكون أكثر انتشارا في المجتمعات ذات الكثافة السكانية العالية.
ويقول دكتور شيفاناند ميدار، الباحث المشارك في الدراسة بالتقرير الذي نشره الموقع الإلكتروني لكلية ألبرت أينشتاين للطب «من حسن الحظ أن معظم الأطفال المصابين بالفيروس تماثلوا للشفاء، والبعض الآخر ليس لديهم أي أعراض على الإطلاق، لكن هذا البحث هو تذكير واقعي بأن الأطفال ليسوا محصنين ضد هذا الفيروس وأن بعضهم يحتاج إلى مستوى أعلى من الرعاية».
أحد الأسئلة المهمة التي لم تجب عنها هذه الدراسة، وينتظر الباحثون نتائج دراسات أكبر تجيب عنها تلك التي تتعلق بأسباب التباين في معدل الإصابات بين الأطفال والبالغين.
ويقول دكتور محمد عبد العليم، استشاري الأطفال بوزارة الصحة المصرية لـ«الشرق الأوسط»: «تؤكد هذه الدراسة أن كل الأطفال معرضون للإصابة بعدوى الفيروس، إلا أنها تشير في الوقت ذاته إلى أنهم لا يمرضون بمعدل الأشخاص البالغين نفسه».
وقدمت تفسيرات لهذا الأمر منها أن أجهزة المناعة الخاصة بالكبار تبالغ في رد الفعل تجاه الفيروس محدثة ما يعرف بـ«عاصفة السيتوكين»، والتي تسببت في وفاة عدد كبير من الحالات، بينما أجهزة المناعة الخاصة بالأطفال لا تبالغ في رد الفعل، هذا فضلا عن أنهم لا يعانون من أمراض مزمنة بخلاف البالغين.
ويضيف عبد العليم: «تبقى هذه التفسيرات مجرد اجتهادات لم يتم إثباتها بعد في دراسات علمية، ويجب أن تكون هناك دراسات تؤكد أو تنفي هذه الاجتهادات».
ومن بين الأسئلة الأخرى التي يشير إليها دكتور عبد العليم تلك التي تتعلق بالتفاوت في الخطورة بين الأطفال في الأعمار السنية المختلفة، حيث يكون الأطفال دون عمر سنة أكثر عرضة للإصابة من غيرهم، ويقول: «رغم ندرة حالات الإصابة في هذه الفئة العمرية فإن دراسة صينية أجريت على أكثر من 2100 طفل مصاب ومشتبه في إصابته بين أواخر ديسمبر (كانون الأول) وأوائل فبراير (شباط) الماضي، أثبتت أن نسبة تقدر بنحو 11 في المائة من الرضع حدثت لديهم أعراض شديدة وحرجة مقارنة بنسبة 7 في المائة بين الأطفال من عمر سنة و5 سنوات».
ومثل السؤال السابق فإن الاجتهادات تقول إن المناعة الخاصة بالأطفال دون عمر سنة لم تنضج بالشكل الكافي، مقارنة بغيرهم من الفئات العمرية، ولكن «لا يزال هذا الاجتهاد في حاجة إلى إثبات أو نفي»، كما يؤكد دكتور عبد العليم.