توافق دولي على إجراء «تقييم مستقل» للاستجابة الأممية لـ«كورونا»

تلقت منظمة الصحة العالمية دعما دوليا مقابل الحملة التي شنها عليها الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي هدد بانسحاب بلاده منها وقطع تمويلها نهائياً إذا لم تلتزم المنظمة الأممية بـ«إدخال تحسينات جوهرية» خلال مهلة 30 يوماً. وانتقد ترمب المنظمة بسبب إدارتها لأزمة فيروس كورونا المستجدّ وتساهلها مع الصين، فيما توافقت الدول الأعضاء في المنظمة أمس (الثلاثاء) على إجراء تقييم مستقل لاستجابتها للوباء.
وتبنّت الدول التي شاركت في الاجتماع السنوي لمنظمة الصحة العالمية، الذي انعقد عبر الإنترنت للمرة الأولى، قرارا بالإجماع يدعو لاستجابة مشتركة للأزمة.
ودعا القرار الذي قدّمه الاتحاد الأوروبي إلى «تقييم محايد ومستقل وشامل» للاستجابة الدولية للوباء الذي أصاب أكثر من 4.8 مليون شخص حول العالم وأودى بأكثر من 318 ألفا.
ونص القرار على وجوب التحقيق في الخطوات التي قامت بها المنظمة و«إطاراتها الزمنية فيما يتعلّق بوباء كوفيد - 19».
ولم تنأ الولايات المتحدة بنفسها من الإجماع كما كان يخشى البعض بعدما انتقدت منظمة الصحة العالمية في اليوم الأول من الاجتماع الاثنين، وهاجمت الصين على خلفية دورها في تفشي الوباء.
وأكد وزير الصحة الياباني أنه يجب على منظمة الصحة العالمية أن تقدم تقييما «محايدا» و«مستقلا» لمراجعة استجابتها لأزمة فيروس كورونا المستجد، وتحديد مصدره وطريقة انتقاله، وذلك بحسب ما أوردته هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية (إن. إتش. كيه) أمس الثلاثاء.
وأوضح وزير الصحة الياباني كاتو كاتسونوبو، أثناء الاجتماع السنوي لمنظمة الصحة العالمية، والذي عُقد عبر تقنية الفيديو، الجهود التي تبذلها بلاده لمكافحة الفيروس.
وقال: «من الآن فصاعدا، تعتقد اليابان أنه سيكون من الضروري تطبيق استراتيجية خروج قوية، وتعزيز إجراءات الاختبار وأنظمة الرعاية الصحية، وتطوير الأدوية العلاجية والتطعيمات وتقديمها». وكشف كاتو أثناء الاجتماع السنوي الذي انطلق أول من أمس الاثنين ولمدة يومين، أن اليابان ستساهم بمبلغ 280 مليون دولار لمنظمة الصحة العالمية والمنظمات المعنية، للتعامل مع الوباء.
وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية تشاو ليجيان إن ترمب، الذي هدد بتجميد مساهمة بلاده المالية في منظمة الصحة العالمية بشكل دائم ما لم تثبت استقلاليتها عن بكين، يهدف إلى «تشويه صورة الصين» و«التهرّب من مسؤولياته» المرتبطة بالتزاماته حيال المنظمة.
وكذلك، أعلنت المفوضية الأوروبية دعمها للمنظمة. وقالت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية فيرجيني باتو ردا على سؤال حول تصريحات ترمب الأخيرة بشأن منظمة الصحة: «هذا وقت إظهار التضامن بدلا من توجيه أصابع الاتهام أو تقويض التعاون متعدد الأطراف». وأضافت في مؤتمر صحافي: «الاتحاد الأوروبي يدعم التعاون الدولي خلال هذه الأزمة»، مشيرة إلى أن «الجهود متعددة الأطراف هي الخيارات الوحيدة القابلة للتطبيق للفوز في هذه المعركة».
وفي موسكو، أعربت مسؤولة روسية رفيعة المستوى عن دعم بلادها لمنظمة الصحة العالمية والصين، وسط الخلاف الدائر مع ترمب.
وقالت فالنتينا ماتفيينكو رئيسة مجلس الاتحاد الروسي، في مقابلة مع وكالة «إنترفاكس» الروسية نشرتها أمس (الثلاثاء) إن «روسيا تعارض مثل هذه التحقيقات الملفقة والاتهامات التي لا أساس لها. نحن ضدها بشكل قاطع».
ويتهم ترمب الصين بالسعي للتستر على وباء فيروس كورونا عندما كان محصورا داخل البلاد. كما يتهم منظمة الصحة العالمية بمساعدة الصين في تضليل الرأي العام.
وشددت ماتفيينكو، التي وصفت منظمة الصحة العالمية بأنها واحدة من أهم الهيئات التابعة للأمم المتحدة، على أن الوقت ليس ملائما بالتأكيد الآن «لبدء محاكمة استعراضية»، بينما يكافح العالم ضد فيروس كورونا.
وأضافت ماتفيينكو: «بالتأكيد ليس هناك سبب اليوم لإجراء محاكمة استعراضية أو نوع من التحقيق لتدمير هذا الشيء المفيد (منظمة الصحة العالمية) الذي تطوره البشرية منذ عقود».

- سجال الصين وأستراليا
وفي سياق السجال نفسه، تبادلت أستراليا والصين انتقادات وعبارات لاذعة أمس وسط خلاف دبلوماسي محتدم بسبب تأييد أستراليا فتح تحقيق عالمي في منشأ فيروس كورونا المستجد، في الوقت الذي سجلت فيه مائة حالة وفاة بمرض كوفيد - 19 الناتج عن الإصابة بالفيروس.
وطغى الخلاف على نجاح أستراليا النسبي في احتواء تفشي الجائحة بعد احتدامه مع الصين، أكبر شريك تجاري لها، إثر قرار جمعية الصحة العالمية تأييد فتح التحقيق.
وفي بيان اتسم بخشونة غير معهودة وصدر في نفس اليوم الذي فرضت فيه الصين تعريفات عالية على صادرات أستراليا من الشعير، قالت السفارة الصينية في كانبيرا إن ادعاء أستراليا أن القرار بمثابة تأييد لمسعاها من أجل مراجعة عالمية «ليس سوى مزحة».
وقال المتحدث باسم السفارة الصينية في بيان بالبريد الإلكتروني: «مشروع القرار الخاص بكوفيد - 19 الذي ستعتمده جمعية الصحة العالمية يختلف تماما عن اقتراح أستراليا بمراجعة دولية مستقلة».
وقال وزير التجارة الأسترالي سايمون برمنجهام لشبكة سكاي نيوز عندما سئل التعليق على هذا التصريح: «أستراليا لن تدخل في تسييس رخيص لمسألة بقدر أهمية كوفيد - 19».
وأضاف «كنت أتصور أن يكون الرد المناسب من سفير الصين لدى أستراليا هو الترحيب بهذه النتائج والترحيب بفرصة أن نعمل جميعا سويا على هذه القضية المهمة».
وقال الرئيس الصيني شي جينبينغ لجمعية الصحة العالمية، وهي هيئة صنع القرار بمنظمة الصحة، إن الصين ستدعم مراجعة شاملة بعد السيطرة على تفشي الفيروس.
وكان السفير الصيني قد حذر في وقت سابق من إمكانية مقاطعة بضائع أستراليا مما دفعها لاتهام الصين «بالإكراه الاقتصادي».
واعتبر الكثيرون أن التعريفات على صادرات الشعير التي أعقبت ذلك وسحب تراخيص العديد من أكبر شركات تصنيع اللحوم الأسترالية بمثابة رد انتقامي.
والخلاف قد يقوض خطط أستراليا للسماح باستئناف مزيد من الأنشطة العامة هذا الأسبوع في إطار المرحلة الأولى من خطة من ثلاث مراحل تطبقها الحكومة لإعادة فتح الشركات والمدارس والمطاعم وغيرها من الأنشطة لدعم الاقتصاد.

- ترحيب أوروبي
ورحب الاتحاد الأوروبي بقيام الجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية بتبني مشروع القرار المقدم من دول ومؤسسات الاتحاد حول مواجهة وباء «كوفيد - 19». بعد توافق المشاركين في اجتماعها الافتراضي الثلاثاء في جنيف.
وأشار الاتحاد في بيان أمس، إلى أن توافق 195 دولة على مشروع القرار الأوروبي يدل على أن التعاون الدولي بات الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى للتصدي لوباء كوفيد - 19 الذي لا يعرف الحدود.
وأثنى مسؤولان أوروبيان من خلال بيان مشترك، على الدور الريادي الذي لعبته منظمة الصحة العالمية في التعامل والاستجابة للوباء. ولفتا إلى أن الاتحاد الأوروبي قد نجح بجمع مبلغ 7.4 مليار يورو من مختلف الأطراف الدولية من أجل البحث عن علاجات ولقاحات للوباء، و«في المستقبل يتعين استخلاص الدروس من هذا الوباء».
وفي البيان، نوه جوزيب بوريل منسق السياسة الخارجية، ومفوضة شؤون الصحة ستيلا كيرياكيدس، بأهمية العمل، عندما يأتي الوقت المناسب، على إجراء تحقيق مستقل لمعرفة منشأ الوباء وكيفية انتشاره.
يذكر أن الاتحاد الأوروبي كان أكد في وقت سابق على ضرورة عدم لوم أي طرف والتركيز على حشد الجهود لمحاربة الفيروس، فـ«التعاون الدولي هو أفضل سبيل لمحاربة وباء كوفيد - 19 وباقي الأوبئة»، وفق تعبير مسؤوليه.