الوباء يفتح الباب أمام تعاون أوسع بين الجزائر والصين

في 22 أبريل (نيسان) الماضي، كتبت سفارة جمهورية الصين الشعبية على حساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي: «الصين والجزائر خاوة خاوة»، معلنة عن وصول 20 طن مساعدات صينية إلى مطار العاصمة الجزائرية، تتمثل في كمامات طبية وكواشف وأجهزة تنفس ومستلزمات طبية أخرى لمواجهة وباء «كورونا».
الجملة التي استعملتها السفارة للتعبير عن متانة العلاقات الثنائية، مستلهمة من شعار «جيش... شعب… خاوة خاوة»، ظل يردده ملايين المتظاهرين خلال الحراك الشعبي المطالب بالتغيير، للتأكيد على الأخوة وقوة تلاحم الجزائريين مع جيشهم. ويفتح هذا المفهوم في العلاقة بين الجزائر والصين، في نظر مراقبين، عهدا جديدا في التعاون في كل المجالات، خاصة الاقتصادية، ويعطي دفعا قويا لمشروعات مشتركة في إطار طريق الحرير.
لما سئل السفير الصيني، في مؤتمر صحافي منذ أسبوعين، عن «جذور العلاقة» بين البلدين، قال: «ينبغي أن تعلموا أن الصين كانت أول بلد، بعد الدول العربية، يعلن اعترافه بجمهورية الجزائر المستقلة». وقال في 14 من الشهر الجاري، لما كان بالمطار لاستقبال وفد طبي صيني متخصص في محاربة الوباء، جاء لدعم جهود الجزائر في تجاوز أزمتها: «تمكنت بهذه المناسبة، من قياس العمق التاريخي للصداقة الاستثنائية بين بلدينا، وصدق الأخوة التي تجمع شعبينا. فبينما يركز العالم جهوده على الأعمال الفردية، ضد التهديد الكبير الذي تمثله الجائحة، ألاحظ بارتياح كبير أن حكومتينا وشعبينا لم يتوقفا أبدا عن توحيد جهودهما لمساعدة بعضهما في إطار عمل مشترك»، وكان يشير ضمنا إلى مساعدات طبيبة أرسلتها الجزائر إلى مدينة ووهان، في بداية تفشي الوباء بها نهاية العام الماضي.
وتفيد إحصاءات السفارة الصينية، أن العملاق الآسيوي وضع تحت تصرف الجزائر في الـ75 سنة الماضية، 26 فريقا طبيا ضم أكثر من 3400 طبيب، استفاد 23.7 مليون جزائري من خبرتهم في التطبيب.
ويرى محللون أن العملاق الآسيوي بات يعول على حليفه التقليدي المغاربي في «مشروع طريق الحرير». وقال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، شريف إدريس، لـ«الشرق الأوسط»: «ما يعتبره بعض المتخصصين في القضايا ذات البعد الاستراتيجي، تقاربا بين الجزائر وبكين في هذه المرحلة، ليس وليد اليوم في الحقيقة. فما يربطهما تاريخي، وهو براغماتي من جانب الصين خاصة. ففي السنوات الـ 15 الماضية عرفت الجزائر استثمارات صينية مهمة في البنى التحتية والمنشآت القاعدية».
وبرأي إدريس «تندرج الحركية الجارية في العلاقات الثنائية، في إطار مقاربة شاملة بالنسبة للصين، فهي تنظر إلى الجزائر وكل دول أفريقيا، ضمن سياسة عالمية واستراتيجية سياسية واقتصادية وثقافية. ومشروع طريق الحرير يتطور في سياق هذه الرؤية للعالم، ومن ضمنها شمال أفريقيا والجزائر». وأضاف «التوجه الجديد حاليا في العلاقات الثنائية يسير ضمن طريق الحرير، ويتمثل أساسا في شق الطرقات البحرية، على غرار إنجاز ميناء شرشال التجاري (غرب العاصمة) الذي يمكن أن يكون مدخلا للتجارة في أفريقيا، زيادة على الاستثمار في الموارد الطبيعية كالمعادن. ويعكس هذا التوجه نظرة الصين الجديدة للجزائر، كبوابة لاستثماراتها في كامل أفريقيا».
وخلال السنوات الماضية، اختارت الجزائر منح مشاريع ضخمة على غرار تشييد المطار الدولي الجديد، وأجزاء من الطريق الوطني رقم واحد الرابط بين شمال البلاد وجنوبها، و«مسجد الجزائر» إلى شركات صينية، وهو ما أغضب كثيراً شركاء غربيين آخرين للجزائر في مقدمتهم فرنسا.
وبحسب الأكاديمي إدريس، ستكون للأزمة الصحية العالمية التي سببها فيروس «كورونا» تداعيات اقتصادية على بلدان أوروبا، فقد أدركت أهمية سياسة إعادة توطين مصانعها الاستراتيجية بالصين. وأشار إلى أن أوربا «تتأرجح في خضم صراعها مع الوباء، بين مصالحها مع الولايات المتحدة الأميركية والآفاق الاقتصادية الواعدة التي يقترحها العملاق الآسيوي. وأمام الوضع الجديد الذي أفرزته الجائحة، وأثرها على العلاقات الدولية، يصبح من مصلحة الجزائر أن توطّد بشكل أكبر علاقاتها مع الصين، لإحداث توازن في مبادلاتها الدولية والتقليل من تبعيتها للاتحاد الأوروبي وبخاصة فرنسا».
غير أن الاستثمارات الأجنبية بالجزائر تكبحها تشريعات وبيروقراطية، ينبغي إزالتها حسب الأستاذ إدريس، «لكي يستفيد الجزائريون من الجسر الذي تسعى بكين لإقامته بينها وبين شمال أفريقيا، فالصينيون يعرضون عليهم استثمارات ناقلة للتكنولوجيا، تأتي في مقدمتها مشروعات البنى التحتية والهندسة المينائية، واللافت في ميدان الاستثمار، أن الصين لا تتعامل مع الجزائر كما تفعل مع بلدان الساحل الأفريقي، التي هي بحاجة إلى تنمية تنطلق من الصفر تقريباً».