أنتيتش... مسيرة حافلة بالنجاح بدأت مع لوتون تاون

رسم اللاعب المدير الفني السابق رادومير أنتيتش البسمة على وجوه كثيرين، من بينهم المدير الفني الإنجليزي ديفيد بليت، حيث أحرز أنتيتش الذي ولد لأبوين من البوسنة عام 1948، وتوفي في بداية الشهر الماضي عن عمر يناهز 71 عاماً، الهدف القاتل الذي أنقذ نادي لوتون تاون من الهبوط من الدوري الإنجليزي الممتاز في مايو (أيار) عام 1983، بعدما قاد الفريق بنفسه للترقي في الموسم السابق. وأحرز أنتيتش هذا الهدف القاتل بعد نزوله لأرض الملعب بعشر دقائق، وهو الهدف الذي جعل المدير الفني للفريق يقفز خارج حدود الملعب مثل الكنغر.
ولم تُمح هذه الصورة من ذاكرة عشاق النادي، ولا من ذاكرة أنتيتش نفسه الذي ظل يعيد تشغيل هذه اللقطة لأولئك الذين لم يروها. وفي إسبانيا التي عمل بها في مجال التدريب لمدة 16 عاماً، وبنى فيها منزلاً يقيم فيه، لم يشاهد كثيرون هذه اللقطة الاستثنائية. ولاعباً، فاز أنتيتش بلقب الدوري في تركيا ويوغوسلافيا السابقة، ولعب مع نادي ريال سرقسطة، لكنه كان دائماً ما يعود لمدينة مانشستر. وعندما سأله خافيير كاسيريس، من صحيفة «سودويتشه تسايتونغ» الألمانية، عن أهم أهدافه والهدف الذي لا يزال يتذكره، أشار أنتيتش إلى الهدف الذي أحرزه مع نادي فناربخشة التركي بضربة رأس قوية.
لقد تعلم أنتيتش كثيراً مع نادي لوتون تاون، كما يؤكد هو شخصياً، كما تعلم كثيراً من بليت. ونظراً لأن أنتيتش متحدث لبق للغاية، فقد ساعده ذلك على العمل في إنجلترا بسرعة، وفي كرة القدم بسرعة أكبر. ودائماً ما كان أنتيتش يؤكد أنه يعشق كرة القدم، وأن عطلة نهاية الأسبوع التي لم يشاهد فيها 20 مباراة لا تحتسب عطلة. ويبدو أن أنتيتش كان محقاً تماماً في ذلك، حيث مات في فترة لا تقام فيها أي مباريات بسبب توقف النشاط الرياضي نتيجة تفشي وباء كورونا!
وعندما أصبح أنتيتش مديراً فنياً لنادي ريال سرقسطة الإسباني، بعد أربع سنوات من الرحيل عن لوتون تاون، جلب إلى إسبانيا كثيراً من الأشياء التي تعلمها في إنجلترا. ولكن أنتيتش أضاف: «في يوغوسلافيا، كانت الرياضة دائماً رمزاً للشخصية والهوية. الطريقة التي تلعب بها يجب أن تتناسب مع ثقافة الأشخاص الذين تمثلهم، ويتعين عليك أن تدخل قلوبهم».
وتذكر أنتيتش اليوم الذي بدأ فيه ريال مدريد المفاوضات معه، في مطعم يسمى «جوكي»، حيث كان رئيس ريال مدريد في ذلك الوقت، رامون ميندوزا، يحب دائماً أن يكون محور اهتمام الجميع. يقول أنتيتش إن ميندوزا قال له: «على هذه الطاولة، لا أحد يرفض عروضي». لكن أنتيتش رد قائلاً: «إذن، هذا يعني أنه لم يجلس أمامك أي صربي من قبل». في الحقيقة، كان ريال مدريد يريد من أنتيتش أن يتولى منصب المدير الرياضي للنادي، لكنه كان مصراً على تولي منصب المدير الفني للفريق، وهو الأمر الذي نجح فيه. وكان أنتيتش في ذلك الوقت في الثالثة والأربعين من عمره.
وكانت نشأة أنتيتش قاسية للغاية، لكنه كان فخوراً بها، وهو يعرف نفسه بأنه اشتراكي. وقد لعب أنتيتش الشطرنج وكرة السلة وتنس الطاولة والملاكمة، لكنه كان أفضل في كرة القدم.
وعندما نشرت صورته في الصحف لأول مرة، قام بشراء الصحيفة وأحضرها إلى المنزل. ويتذكر أنتيتش أن والدته قالت له آنذاك: «لقد قطعت شوطاً طويلاً، والآن يتعين على الجميع أن يحترمك». وبعد ذلك، ظهرت صورته في كثير من الصحف الأخرى التي كان يحتفظ بكثير منها. كما تولى أنتيتش قيادة منتخب صربيا، وعمل في ثمانية أندية في خمسة بلدان مختلفة.
وخلال مسيرته مديراً فنياً، لم يفز أنتيتش إلا ببطولتين فقط، وكانتا في عام واحد لا ينسى، كما هبط للدوري الأدنى مرتين على التوالي. ومن المعروف أنه أقيل من تدريب ريال مدريد بعد مرور 19 جولة من الموسم، رغم أن النادي الملكي كان يتصدر جدول ترتيب الدوري الإسباني الممتاز، بفارق سبع نقاط عن أقرب منافسيه. وزعم ميندوزا أن السبب في إقالة أنتيتش يعود إلى أن الفريق لا يقدم كرة قدم ممتعة. وتولى أنتيتش قيادة برشلونة عندما كان يعاني من أزمة كبيرة في عام 2003، لكن انتخابات النادي عقدت بعد ذلك، وسرعان ما رحل عن النادي. يقول أنتيتش عن تلك التجربة: «لقد قضيت هناك ستة أشهر، لكنني أشعر أنها كانت ست سنوات».
وبين هاتين التجربتين، تولى المدير الفني الصربي قيادة نادي أتلتيكو مدريد، ليكون بذلك المدير الفني الوحيد الذي يتولى قيادة أكبر ثلاثة أندية في الدوري الإسباني الممتاز. يقول المدير الفني الصربي: «اخترت العمل في أتلتيكو مدريد لأنه كان النادي الأصعب في العالم، وأردت أن أثبت نفسي هناك. لقد حققت نجاحاً كبيراً مع هذا النادي الذي يشعر بالغرور والغطرسة. من المعروف أن أتلتيكو مدريد يمثل الأشخاص الذين يعانون من أجل الوصول إلى نهاية الشهر والحصول على رواتبهم، لكنهم لا يعترفون بأنهم أقل من أي شخص! وهذا هو ما فعلناه: لقد كنا نبحث عن مزيد ومزيد من النجاحات، وتمردنا على أوضاعنا المتواضعة».
وكان أنتيتش يريد الاستعانة بالمدرب الإنجليزي مايكل روبنسون لكي يعمل مساعداً له، لكنه لم ينجح في تحقيق هذه الرغبة. غير أنه نجح في تحقيق أمنيته بالتعاقد مع مواطنه ميلينكو بانتيتش، لكن بعد أن وعد رئيس النادي، خيسوس جيل، بأنه سيدفع نصف راتبه إذا فشلت هذه الصفقة. بيد أن هذه الصفقة حققت نجاحاً كبيراً، وحتى الآن يتم وضع الزهور في زاوية معينة داخل النادي تكريماً لما حققه الفريق في ذلك الوقت، وحصوله على لقب الدوري الإسباني الممتاز، حيث أنهى أتلتيكو مدريد 19 عاماً من دون الحصول على لقب الدوري، ونجح أنتيتش في قيادة النادي في عام 1996 للحصول على الثنائية المحلية، لأول مرة في تاريخ النادي.
ووصف بانتيتش أنتيتش بأنه «والده»، وهو الأمر الذي كان يشعر به كثيرون من عشاق النادي. في الحقيقة، من المستحيل أن نصف حجم الإنجاز الذي حققه الفريق في ذلك الموسم، أو كيف كان هذا الإنجاز غير متوقع على الإطلاق. وفي السنوات الثماني التي سبقت وصول أنتيتش، تولى قيادة أتلتيكو مدريد 30 مديراً فنياً مختلفاً، لكن أنتيتش استمر في قيادة الفريق ثلاث سنوات، وخرج خلالها من دوري أبطال أوروبا في عام 1997 بشكل سيئ الحظ لم يستطع تحمله، قبل أن يرحل في نهاية المطاف في عام 1998.
وعاد المدير الفني الصربي لتولي قيادة أتلتيكو مدريد في ولايتين منفصلتين، في عام 1999 ثم في عام 2000، لكنه لم يحقق الإنجاز نفسه الذي حققه في عام 1996. ولا توجد أي تجربة أخرى تقارن بتجربته مع أتلتيكو مدريد، ربما باستثناء الفترة التي قضاها مع لوتون تاون. وقال أنتيتش عندما رحل عن أتلتيكو مدريد للمرة الأولى: «أنا أبكي من الداخل». وفي بداية الشهر الماضي، رحل المدير الفني الصربي إلى الأبد، وللمرة الأخيرة.