المصارف اللبنانية تتيح سحب الودائع الصغيرة

تجنّبت المصارف اللبنانية تصعيداً إضافياً من «حزب الله» ضدها، حين اضطرت لتطبيق تسوية مصرف لبنان القاضية بصرف ودائع صغار المودعين الذين لا تتجاوز حساباتهم ثلاثة آلاف دولار، بسعر صرف يتخطى نسبة 50% من سعر الصرف الرسمي، وسط تجديد رئيس مجلس النواب نبيه بري تأكيده «اعتبار ودائع الناس في المصارف من المقدسات».
كان بري قد تابع، أمس، الإجراءات المصرفية واستقبل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وعرض معه الوضعين المالي والنقدي وسبل تحصين أموال المودعين لا سيما الصغار منهم.
ووضع سلامة الرئيس بري في أجواء الإجراءات التي اتخذها مصرف لبنان وسيتخذها في هذا الإطار. وجدد بري التأكيد لسلامة «اعتبار ودائع الناس في المصارف من المقدسات التي لا يجوز التصرف بها تحت أي ظرف من الظروف»، لافتاً إلى أن «التشريعات بشكل عام والمالية بشكل خاص، هي في الأساس لحماية الناس وحقوقهم في كل ما يصنع حياتهم ويحمي جنى عمرهم».
وكان سلامة قد أصدر تعميماً يوم الجمعة الماضي، يتيح السحب من الودائع البالغة ثلاثة آلاف دولار أو أقل بالليرة اللبنانية بسعر «السوق»، بما يسمح لصغار المودعين بتدبير السيولة رغم قيود مصرفية صارمة. ويسري ذلك على الودائع البالغة خمسة ملايين ليرة لبنانية أو أقل، أو على الودائع بالعملة الصعبة البالغة 3 آلاف دولار أو أقل. وجاء هذا القرار بعد أيام قليلة على تصعيد «حزب الله» ضد المصارف، حيث توجه أمين عام الحزب حسن نصر الله في خطاب له إلى المصارف بالقول: «أنتم قادرون على معالجة أوضاع صغار المودعين والطلاب في الخارج، وهذا الأمر لم يعد جائزاً السكوت عنه»، معلناً أنه إذا لم تتوصل الحكومة أو القضاء إلى حل «فلا يمكننا نحن إلا أخذها بعين الاعتبار».
وقالت مصادر سياسية مطلعة على الإجراءات المصرفية إن موقف نصر الله التصعيدي «دفع باتجاه اتخاذ هذا القرار»، بالنظر إلى أنه «من الأولى بالنسبة للناس أن تحرّر المصارف ودائعها، بدلاً من أن يسأل المواطنون عن المساعدات التي تبقيهم على قيد الحياة في هذه الظروف الصعبة». وكشفت المصادر في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، «تلقف المبادرة بعد خطاب أمين عام (حزب الله)، وتواصل مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وأعضاء في جمعية المصارف وأبلغهم بضرورة تحمل مسؤولياتهم في هذه الظروف وتحرير ودائع صغار المودعين كي ينفق هؤلاء من أموالهم ولا تحوجهم الظروف إلى طلب المساعدات»، مؤكدةً أن المصارف «استجابت للمبادرة، وجرى إصدار التعميم».
وتوقفت المصادر عند موقف نصر الله الأخير الذي لم تصدر بعده مواقف تصعيدية بالحجم نفسه، قائلة إن المصارف بهذه الخطوة «تجنبت تصعيداً إضافياً من الحزب ضدها»، فيما «كان الحزب سيتجه إلى خطوات تصعيدية أكبر في حال عدم الاستجابة». وإذ رصدت المصادر ارتياحاً في صفوف الحزب تجاه هذا القرار، قالت: «إن الحزب يرى هذا القرار خطوة أولى لتحرير ودائع صغار المودعين، ولو أنه يجب أن يُستتبع بقرارات أخرى» في إشارة إلى مودعين يمتلكون كتلة نقدية أكبر في المصارف، كما إلى آلية تنفيذ التعميم القاضية بإقفال حساب المودعين الذين يستفيدون من التعميم الآن.
ويبلغ عدد الحسابات التي تقل قيمة الودائع فيها عن 3 آلاف دولار في المصارف اللبنانية، مليوناً و715 ألف حساب، ويبلغ مجموع الودائع فيها نحو 796 مليون دولار، فيما يبلغ عدد الحسابات التي تتراوح قيمة الودائع فيها بين 3 آلاف وعشرين ألف دولار، نحو 451 ألف حساب، يبلغ مجموع قيمتها 4 مليارات و214 مليون دولار، حسبما تقول مصادر مصرفية لـ«الشرق الأوسط». وتشير إلى أن الحسابات بالليرة اللبنانية التي تتراوح قيمة الودائع فيها بين مليون و5 ملايين ليرة، يبلغ عددها نحو 19 ألف حساب، وتصل قيمتها إلى 34 مليار ليرة، فيما يبلغ عدد الحسابات التي تتراوح قيمة الودائع فيها بين 5 و10 ملايين، نحو 1633 حساباً، ويبلغ مجموعها 10 مليارات و600 مليون ليرة.
واللافت في التعميم أنه يتيح للمودعين بالليرة اللبنانية التي تصل قيمتها إلى خمسة ملايين ليرة، أن يحوّلوا حساباتهم إلى الدولار الأميركي على سعر صرف 1515 للدولار، قبل أن يسحبوا المبلغ مرة أخرى بالليرة اللبنانية على سعر صرف السوق، وهو في هذا الأسبوع يبلغ 2600 ليرة للدولار، حسبما نقلت «رويترز»، أول من أمس (الاثنين)، عن مصدر في المصرف المركزي. وأكدت مصادر مصرفية لـ«الشرق الأوسط» أن هذه العملية «تتضمن شقاً اجتماعياً في التعميم يتوجه فيها إلى الطبقة الفقيرة على سبيل تمكينها لمواجهة الأزمات الحالية الناتجة عن قرار التعبئة العامة وتوقف عمل الناس». وأكدت أن المستفيد من هذا التعميم «هو المواطن في المقام الأول، أما مصرف لبنان فيستفيد ببقاء الدولار لديه، بدلاً من سحبه من المواطنين واللجوء فيه إلى الصرافين لصرفه». وإذ نفت المصادر أن يكون القرار يمهّد لتضخم بقيمة العملة المحلية، قالت إن مصرف لبنان في هذه العملية «يبقى ممسكاً بقيمة الدولارات، ما يدحض أن يكون هناك أي تضخم بالمعنى النقدي للكلمة، كونه سيحتفظ بالدولارات ويضيفها إلى احتياطه من العملة الصعبة».
وأوضحت المصادر أن المصارف ستقفل حسابات المستفيدين من هذه العملية بهدف الاستفادة منها لمرة واحدة فقط، فيما «يجري فتح حسابات جديدة بشروط جديدة لم تتبلور بعد».
ونفت المصادر التقديرات بأن المصارف ستتخذ قراراً بـ«هير كات» بعد أن تصفي حسابات صغار المودعين «الذين ينزلون إلى الشارع في كل مرة»، مشددةً على أنه «إلى الآن وحتى إشعار آخر لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تطال أي إجراءات الودائع، وهي في حماية فعلية من الرئيس بري لأنه يصفها بقدس الأقداس»، كما أن «الكابيتال كونترول» قائم لكن «لا يمكن قوننته، منعاً لأن يطال نظام الاقتصاد الحر الذي يمتاز به لبنان».