ما الذي تغير في لبنان بعد شهر من استقبال «كورونا»؟

منذ أكثر من شهر استقبل لبنان المأزوم اقتصادياً وباء «كورونا» الذي حلّ بثقله على الناس ناشراً القلق، وفارضاً تغييراً في عاداتهم وطرق عيشهم، وعلى الحكومة واضعاً إياها أمام تحدي النجاح في تطويقه، لكنه في كل الأحوال أحدث يقظة في القيم الإنسانية.
استقبل لبنان وباء «كورونا» في 21 فبراير (شباط) في ظرف دقيق يواجه فيه البلد أزمة اقتصادية ومالية خطيرة، أدت إلى انتفاضة شعبية في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتمثلت بعجز مالي، وصرف تعسفي لمئات الموظفين أو حسم من رواتبهم، وارتفاع في سعر صرف الدولار مقابل الليرة، وشح في الدولار نتج منه أزمة في القطاعات كافة، ولا سيما القطاع الطبي تمثلت في نقص المستلزمات الطبية، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الألمانية.
وبعد الكشف عن أولى الإصابات بفيروس كورونا في لبنان ارتفعت أسعار مستلزمات الوقاية منه في الصيدليات بشكل جنوني؛ ما منع الكثير من اللبنانيين من الحصول عليها.
وقال الصيدلي روني، الذي فضل عدم ذكر اسمه كاملاً «عندما بدأت أزمة فيروس كورونا في الصين سلكت معظم مستلزمات الحماية من (كورونا) في لبنان طريقها إلى خارج البلاد من خلال تصديرها إلى الصين وغيرها من الدول».
وأضاف «عند أول إصابة في لبنان ارتفعت أسعار مستلزمات الحماية بشكل ملحوظ بزيادة أربعة أضعاف أو أكثر». ورأى روني أن الحكومة «أدارت أزمة (كورونا) بشكل جيد وأرقام الإصابات في لبنان هي أرقام مشجعة إذا استمر الوضع على ما هو عليه»، معتبراً أن «وزارة الصحة تقوم بكل ما يمكنها القيام به في ظل الوضع المالي المأزوم الذي يعيشه لبنان».
وارتفع عدد المصابين بفيروس كورونا في لبنان حتى مساء أول من أمس (الأربعاء) إلى 333 مصاباً، في حين ارتفع عدد المتوفين بهذا الفيروس إلى 6، وعدد حالات الشفاء إلى.20
ووضعت وزارة الصحة العامة خطة عمل وطنية لزيادة قدرات التأهب والاستجابة في لبنان للوقاية والكشف المبكر والاستجابة السريعة لفيروس التاجي المستجد 2019 كما هو مطلوب بموجب اللوائح الصحية الدولية (IHR 2005).
وتم تطوير هذه الخطة للبنان بناءً على توصيات منظمة الصحة العالمية للتأهب والاستجابة السريعة للفيروس.
وقال الدكتور إسماعيل سكرية، طبيب الجهاز الهضمي في الجامعة الأميركية ورئيس الهيئة الوطنية الصحية، إن «الإجراء الذي اتخذته الحكومة بإبعاد الاحتكاك بين الناس هو السلاح الأمضى لمواجهة الوباء».
وأوضح، أن «هناك سباقاً بين ارتفاع عدد الإصابات واستعداد المستشفيات الحكومية بالدرجة الأولى لرعاية المصابين، وهي تحتاج إلى أسبوع لتصبح جاهزة».
وتوقّع الدكتور سكرية «أن تزداد الإصابات عندما تبدأ المستشفيات الحكومية الأسبوع المقبل بإجراء الفحوص الخاصة بالفيروس PCR».
وعن تداعيات «كورونا» على المستوى الاقتصادي، اعتبر الدكتور سكرية أنها «سوف تكون كبيرة جداً باعتبار أنها أتت في ظرف يعاني فيه لبنان من شبه انهيار اقتصادي، حيث لا يوجد فرص عمل، وصرف الكثير من الموظفين من عملهم، قبل أزمة (كورونا)، وأقفلت مؤسسات كثيرة أبوبها على وقع الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان».
وقال «وعدت الدولة بتوزيع مائة ألف حصة غذائية للبلديات لتقوم هذه الأخيرة بتوزيعها على الفقراء، هذا الإجراء لا يمكن للدولة أن تستمر فيه إذا استمرت الأزمة لأشهر».
وتتشدد السلطات البلدية بفرض إجراءات التعبئة العامة، وكذلك القوى الأمنية، ويمكننا القول إن القسم الأكبر من اللبنانيين التزم بالتعبئة العامة، ولازم الناس بيوتهم.
غير أن فئة العمال المياومين يحاولون الخروج للسعي وراء لقمة العيش، لكن القوى الأمنية تتصدى لهؤلاء كما حصل منذ يومين عندما سطرت محضر ضبط بحق سائق تاكسي أثناء عمله، وقام هذا الأخير بإحراق سيارته احتجاجاً على منعه من العمل.
وفي ظل التوقعات بازدياد عدد الإصابات بعدما ترددت معلومات عن شح في أجهزة التنفس الصناعي لإنعاش المرضى المحتمل إصابتهم بفيروس كورونا، بادر خريجون من كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية إلى تصميم جهاز أولي ممكن أن يصنع محلياً، وجمعت التبرعات لمستشفى رفيق الحريري الحكومي.
وغيّر اللبنانيون الملتزمون بإجراءات التعبئة العامة الكثير من عاداتهم في السلام، وطرق الاهتمام بالنظافة الشخصية، والدفن، وامتنعوا عن التلاقي والتقبيل ودفنوا أمواتهم من دون دعوة وبحضور أفراد العائلة المصغرة فقط.
وقال الدكتور محب شانه ساز، أستاذ مادة الأنثروبولوجيا في الجامعة اللبنانية «لقد أحدثت (كورونا) يقظة في القيم الإنسانية على قاعدة أن الفرد هو المهم، وهذا أمر مستجد في بلادنا».
وأضاف «كلما طالت هذه الأزمة تعززت هذه القيم». ورأى أن أزمة «كورونا» تحتاج إلى دولة رعاية لاحتوائها، وهي غير متوفرة في لبنان، حيث الدولة تمارس دور الشرطي، وتمنع الناس من الخروج من منازلهم، دون أن توفر لهم حاجاتهم الأساسية ولا سيما للفقراء من بينهم، الأمر الذي سوف يؤدي إلى انفجار وبائي.