تجميد الدوري الإيطالي يحيي جروح لاتسيو

عند إمعان النظر في حال بطولة الدوري الإيطالي الممتاز، يخيل للمرء صوت الممثل الإيطالي بينو إنسينو، وهو يقول إنه مصير جماهير لاتسيو أن «تعاني حتى في تلك اللحظات التي لا يفترض أن تعاني فيها». كانت هذه الجماهير تستمتع بواحد من أفضل مواسمها قبل تفشي وباء كورونا، مع تصدر ناديها بطولة الدوري الإيطالي الممتاز وقت تجميد البطولة بفارق نقطة عن أقرب منافسيه. ومنذ سبتمبر (أيلول)، لم يتعرض لاتسيو لأي هزيمة في الدوري، ونجح في الفوز على يوفنتوس الذي كان متصدراً البطولة، مرتين في ديسمبر (كانون الأول).
الحقيقة أن كرة القدم، مثلما سارع إنسينو لتذكير المستمعين له بمحطة «راديوساي»، الأسبوع الماضي، تحمل أهمية ثانوية في وقت تعاني فيه البلاد من حظر تجوال وشلل تام. وأكد الممثل الإيطالي أنه «علينا البقاء في منازلنا، وانتهى الأمر. لم يسبق لنا معايشة وضع كهذا منذ الحرب». ومع هذا، تبقى هناك مفارقة تاريخية لافتة وراء حقيقة أن لاتسيو - الذي توج بطلاً لإيطاليا مرتين فقط في تاريخه - كانت المرة الوحيدة السابقة التي حرم خلالها من التتويج بطلاً للدوري عندما جرى تجميد فعاليات كرة القدم بمنتصف الموسم في إيطاليا عام 1915 بسبب الحرب. في ذلك الوقت، لم تكن هناك بطولة دوري ممتاز قائمة، وإنما مجرد سلسلة من البطولات الإقليمية.
وكان من المفترض أن تبلغ المنافسة ذروتها في مباراة نهائي كبرى بين أبطال الشمال وأفضل الفرق المتبقية. إلا أن هذه الخطط أرجئت بعد دخول إيطاليا الحرب العالمية الأولى في مايو (أيار)، ما دفع الاتحاد الوطني لكرة القدم لتجميد اللعب.
في ذلك الوقت، كان لاتسيو قد تقدم بالفعل عبر قسم إقليمي فرعي وفاز ببطولة دوري مصغرة بين أول 4 فرق في وسط إيطاليا. وكان كل ما يفصل النادي عن النهائي الكبير مباراة تصفية أمام أبطال الجنوب، إلا أن هذه المباراة لم تعقد قط.
وظلت درع الدوري الإيطالي الممتاز وحيدة طوال 4 سنوات، حتى أصدر الاتحاد الوطني لكرة القدم قراراً بمنح بطولة الدوري إلى جنوا عام 1919، وتبعاً لما أفادته صحيفة «غازيتا ديلو سبورت»، كان جنوا على رأس القسم الشمالي عندما أرجئت بطولات الدوري، وأمامه مباراة واحدة متبقية.
ولم تلحظ الأمة التي كانت تتعافى لتوها من أهوال الحرب هذا الأمر. ومر عامان قبل أن تنظم «غازيتا» - التي كانت تعمل بمثابة الناطق باسم الاتحاد - احتفالاً في صورة مأدبة عشاء صغيرة لتسليم الدرع إلى جنوا. وبعد مرور ما يقرب من قرن، لا يزال هذا الإجراء محط جدال كبير.
في فبراير (شباط) هذا العام، قدم محامٍ يدعى جيان لوكا مينونيا وثائق جديدة إلى الاتحاد الوطني لكرة القدم، تؤكد أن القواعد التي كان يتبعها الاتحاد في ذلك الوقت كان يفترض أنها تحظر منح اللقب على هذا النحو. وقال المحامي إنه كان ينبغي منح البطولة إلى جنوا ولاتسيو مناصفة، بدلاً من ذلك، وحصل التماس يدعم موقفه على 35 ألف توقيع.
في الواقع، لم يكن لاتسيو النادي الوحيد الذي يحق له الشعور بالسخط من هذا الأمر، فقد كانت المباراة المتبقية أمام جنوا في دوري الشمال أمام تورينو الذي كان يقف على مقربة منهم وسبق له الفوز على جنوا في آخر مواجهة بينهما بنتيجة 6 - 1، كما أن الإنتر الذي كان يحتل المركز الثالث، لم يكن بعيداً عن المنافسة هو الآخر.
في المقابل، بدت الصورة أقل وضوحاً في قسم الجنوب، مع إلغاء مباراة فاصلة بين نابولي وإنترناسيونالي بسبب أخطاء في تسجيل أحد اللاعبين. نظرياً، كان لاتسيو لا يزال بحاجة للتغلب على الفائز من هذه المباراة كي يتأهل لمباراة النهائي الكبرى.
في تلك الفترة، كانت فرق الشمال مهيمنة بوضوح. وكان لاتسيو قد وصل إلى مباراتي النهائي السابقتين، لكنه هزم بالمرتين، بنتيجة 6-0 أمام برو فيرسيلي على أرض محايدة عام 1913، وبنتيجة 9-1 أمام كاسالي عبر مباراتي ذهاب وإياب بالعام التالي. بعد الحرب، فازت الأندية الممثلة للشمال في جميع بطولات الدوري حتى جرى تشكيل بطولة دوري وطنية واحدة كبرى عام 1926.
ولم تكن هذه النتائج بمحض الصدفة، ذلك أنه خلال الحقبة التي سبقت الاحتراف، غالباً ما كان باستطاعة الأندية المنتمية إلى المدن الأغنى القدرة على عقد صفقات أكثر فاعلية في ضم لاعبين جدد، وذلك بمعاونة شركات محلية صديقة كانت تغري اللاعبين بوعود الحصول على وظائف مريحة. واتبعت بعض الأندية سبلاً أكثر مباشرة. تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن لاعبين من جنوا تعرضا للحرمان من لعب الكرة مدى الحياة عام 1913، بعد أن ضبطا أثناء محاولتهما صرف شيكات بمبالغ ضخمة تحمل توقيع رئيس النادي، وإن كانت العقوبة قد أسقطت نهاية الأمر.
على مدار قرن من الزمن تبدل الكثير، لكن حقيقة أن الاتحاد الايطالي لكرة القدم لا يزال يتعامل مع تداعيات قرار اتخذه عام 1915 ينبغي أن تشكل درساً مهماً لجميع الكيانات المعنية بتنظيم كرة القدم أثناء تفكيرها اليوم في كيفية المضي قدماً خلال الفترة المقبلة. من ناحيته، قال رئيس الاتحاد، غابرييل غرافينا، الأسبوع الماضي، إن ثمة 4 خيارات قائمة أمام الدوري الإيطالي الممتاز للمضي قدماً بمجرد رفع القيود المرتبطة بالحجر الصحي.
يتمثل الأول، الخيار المفضل، في إنجاز جميع المباريات تبعاً لجدول متأخر (بل واقترح، تقسيم المباريات على موسمين). إذا لم يتسنَّ ذلك، فإن مسؤولي الدوري سيتعين عليهم إما إعلان هذا الموسم خالياً دونما فائز، أو إقرار المراكز الحالية باعتبارها المراكز النهائية أو إجراء مباريات تصفية للمراكز الأولى والأخيرة الواقعة بمنطقة الهبوط.
بالتأكيد لن يحظى أي من هذه الخيارات بشعبية، خصوصاً في وقت تتفاقم فيه التوترات بين الأندية ذات المصالح المتعارضة. وتفيد تقارير بأن رئيس لاتسيو، كلاوديو لوتيتو، تشاجر مع نظيره رئيس نادي يوفنتوس، أندريا أنييلي، خلال مؤتمر بخاصية «فيديو كول» عقد الجمعة الماضي حول إمكانية عودة اللاعبين للتدريب قبل رفع حظر التجوال المفروض بالبلاد.
وفي خضم وباء متفشٍ بالبلاد، وتفاقم أعداد الوفيات، يجب أن يكون الأمل في توصل جميع الأطراف المعنية إلى أرضية مشتركة تضع الصحة العامة في موضع الأولوية الأولى. إلا أنه من الواضح أن ندبات عام 1915 لم تشف تماماً بعد، على الأقل لدى البعض.
وكتب رئيس شؤون الاتصالات، أرتورو دياكونالي، في منشور طويل عبر «فيسبوك» في 9 مارس (آذار)، بعد تجميد الدوري الإيطالي الممتاز بفترة قصيرة: «الخوف أن ينتهي الموسم الحالي على النحو ذاته الذي انتهى به الموسم الذي قطعته الحرب الكبرى، ومثلما حدث حينها سيأتي هذا التعطيل على حساب حرمان لاتسيو من الفوز ببطولة حصدها داخل أرض الملعب».
وأضاف: «هذا الخوف من الحرمان من لقب مستحق على غرار عام 1915 ينتشر على رقعة تكافئ تقريباً رقعة انتشار الوباء المقبل من الصين. ولأن هذا يطلق العنان لخوف قديم من أنه في ظل موقف يعج بشكوك عميقة حول حالة طوارئ صحية أصابت بلادنا بالشلل، فإن مصالح الأندية الكبرى يمكن أن تجتمع للإضرار بلاتسيو».
وقد أثارت تصريحات دياكونالي الفجة انتقادات شديدة حتى من جانب كثير من جماهير لاتسيو، ما دفعه لأن يصدر بعد يومين توضيحاً بأن منشوراته عبر وسائل التواصل الاجتماعي تعبر عن آرائه هو فقط، وليس النادي أو لوتيتو.
ومع ذلك، يبقى قطاع كبير من جماهير لاتسيو يتشارك في الأقل مع بعض من هذه المشاعر. وقد قدم لاتسيو أداءً بارعاً هذا الموسم، وخاض أقوى منافسة على اللقب منذ عام 2001. وعليه، فإنه ليست هناك حاجة لطرح نظريات مؤامرة لإدراك السبب وراء شعور جماهير لاتسيو بالإحباط إزاء إمكانية رؤية موسم عظيم يمر دونما نهاية حاسمة للمرة الثانية في تاريخهم بسبب أحداث خارج نطاق سيطرتهم.