هيلاري مانتل تغتال ثاتشر

في منتصف الثمانينات، كان من المقرر أن تزور مارغريت ثاتشر، رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك، إحدى مناطق لندن. علم أحد أفراد «الجيش الجمهوري الآيرلندي» السري بالأمر. فاقتحم شقة بطلة القصة، التي ظنته أحد عمال السباكة. كانت شقتها تطل مباشرة على الساحة التي سيمر بها الموكب الرسمي. ثبت المسدس في فتحة في النافذة، بانتظار أن تأتي السيدة الحديدية. ثم، نكتشف أن صاحبة الشقة لا تقل كرهاً لثاتشر من الرجل الذي اقتحمها، واتخذها رهينة له. كره ثاتشر يوحدهما الآن، بل إنها مستعدة للقيام بعملية الاغتيال بدلاً عنه. «اذهب وأعدد الشاي، وأنا سأجلس هنا عند النافذة، وأهيئ المسدس». يخبرها الآيرلندي أنه يريد أن يقتل ثاتشر من أجل القضية الآيرلندية فقط، ومن أجل السجناء الآيرلنديين المضربين عن الطعام، وليس من أجل أي شيء آخر. لكن المرأة الرهينة لها أسبابها الأخرى. ثاتشر بالنسبة لها امرأة لا تحب سوى الأغنياء. إنها تعبدهم، وهي كائن جاهل، غير مستنير، يفتقر إلى الرحمة.
«لقد غيرت هذه المرأة وجه بريطانيا نحو الأسوأ، وزرعت البؤس في كل مكان، وتآمرت حتى على حليب الأطفال، وفرضت ضريبة على رأس كل بريطاني. ألا تستحق القتل؟ تستحقه بالتأكيد». ظلت بطلة قصة «اغتيال مارغريت ثاتشر» تردد ذلك على نفسها، مستعيدة كل الفظائع التي تسببت بها السيدة ثاتشر.
نشرت هذه القصة أول مرة في صحيفة «الغارديان» البريطانية عام 1983، ثم في مجموعة قصصية سميت باسمها عام 2014. لكن بعض المحافظين تذكر الآن فقط هذه القصة، بعد أن نشرت هيلاري مانتل قبل أيام الجزء الثالث من ثلاثية «توماس كرويل»، وهو بعنوان «المرآة والضياء»، الذي انتظره القراء واصطفوا في طوابير لشرائه، بعد انقطاع حوالي ثماني سنوات.
دعا بعض هؤلاء المحافظين، ولو بشكل خجول، إلى محاكمة المؤلفة، التي كانت تفكر باغتيال رئيسة وزراء. وهذا يعاقب عليه القانون، «فالأعمال بالنيات». ومن المعروف أن هيلاري مانتل تكره السيدة ثاتشر «كره العمى»، كما نقول، غير أن العمل الأدبي شيء آخر. ويبدو أن الفصل بين الكاتب وعمله الأدبي لا يزال عصياً على بعض العقول. وكما هو معروف، أُعدمت أعمال كثيرة نتيجة التماهي الفج بين الاثنين، وأدبنا العربي مليء بعشرات الأمثلة على ذلك، من «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ إلى «وليمة لأعشاب البحر» لحيدر حيدر. ولحسن الحظ، تفلت الأعمال الأدبية دائماً من أسر الأحكام القاصرة والقاصرين، أفراداً كانوا أم سلطات. وعكس ذلك، لمَا وصلتنا أعمال دوستويفسكي وبودلير وفلوبير ودي. إتش. لورنس وغيرهم بالعشرات.
نعم، مانتل تكره ثاتشر، وتتمنى اختفاءها، ولكن بالقتل المعنوي، في عمل أدبي خيالي، وليس فعلياً بالطبع.
ثم، من منا لا يفكر باختفاء طاغيته من على وجه الأرض، مع الفرق الكبير بين الفكرة والفعل. كان الحلم الجماعي للمضطهدين والمنفيين عبر التاريخ، ومنهم نحن، هو اغتيال جلاديهم، ولكن ما إن نصحو من النوم، أو نخرج من الخيال، حتى يستعيد الواقع صلادته... ومعقوليته أيضاً.