تايسون فيوري... من الحضيض إلى قمة العالم

من وجهة نظر تايسون فيوري، كانت تلك واحدة من أروع لحظات العمر، فبعد لحظات من تتويجه بطلاً للعالم في الملاكمة للوزن الثقيل، شرع في الغناء أمام جمهور يقدر بـ16.000متفرج داخل ملعب «إم جي إم غراند» لمدة دقيقتين بأغنية «أميريكان باي» لدون مكلين، بينما أضاء وجهه بابتسامة واسعة مع بدء انضمام الجماهير له في الغناء.
كان ذلك أسلوباً غير تقليدي في الاحتفال بعد مواجهة مبهرة نجح خلالها في إنزال الهزيمة ببطل المجلس العالمي للملاكمة المهيب ديونتاي وايلدر. ومع هذا، قليل للغاية من أحداث حياة فيوري، البالغ طوله 6 أقدام و9 بوصات، ويبلغ وزنه 96 كيلوغراماً، كان تقليدياً. عندما ولد فيوري عام 1988، قبل موعد الولادة الطبيعي بنحو 3 أشهر، كان وزنه أقل من باوند واحد، وخشي الأطباء من أنه قد لا يبقى طويلاً على قيد الحياة. وأطلق عليها والده، جون، اسم تايسون تيمناً ببطل العالم للوزن الثقيل آنذاك مايك تايسون، وأطلق وعداً أمام العاملين في المستشفى بأن نجله سيسير على نهج البطل الذي يحمل اسمه.
وبالفعل، حقق تايسون نبوءة والده في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 عندما تغلب على فلاديمير كليتشكو ليصبح بطل العالم - لكن حياته بعد ذلك انهارت على نحو صادم لدرجة أثارت في نفوس أصدقائه الخوف على حياته. أصبح فيوري مدمناً للكوكايين والكحوليات، وزاد وزنه على نحو هائل ليتجاوز 115 كيلوغراماً، وعانى من اكتئاب حاد. وفي فترة من حياته، كان يتناول كميات هائلة من الجعة، ويتبعها بأقداح من الكحوليات، ثم يتوقف في طريقه إلى المنزل لتناول بيتزا أو كباب. عام 2017، تعرض لعقوبة الحرمان من المنافسة لمدة عامين بسبب نتائج الاختبارات التي خضع لها والتي أثبتت وجود مستويات كبيرة من مادة الناندرولون المحظورة في جسده، والتي ادعى أنها دخلت جسده عبر تناوله لحم خنزير بري أو مكملات غذائية ملوثة. جدير بالذكر، أن مادة الناندرولون عبارة عن مركب ستيروثيدي ابتنائي.
اليوم، وعلى نحو مذهل، عاد فيوري لقمة العالم من جديد. وعن هذا، قال مازحاً «قدمت أداءً جيداً بالنظر لكوني أصبحت أشبه بخنزير سمين غير قادر على توجيه اللكمات. مررت بفترات صعود وهبوط في مسيرتي، لكن هذه اللحظة تشكل الذروة». وقال المسؤول الدعائي المعني بالترويج لفيوري، فرانك وارين، إنه يأمل في أن تكون المواجهة القادمة له أمام أنتوني جوشوا، اللندني الذي يحمل ألقاب رابطة الملاكمة العالمية والاتحاد الدولي للملاكمة ومنظمة الملاكمة العالمية للوزن الثقيل. وقد أشاد وارين بأداء جوشوا في مواجهته الأخيرة باعتباره أفضل أداء شاهده على الإطلاق لملاكم بريطاني على مدار الأعوام الـ40 التي قضاها في مجال الملاكمة.
وعن مواجهة فيوري وجوشوا، قال «سيكون هذا الحدث الرياضي الأكبر في المملكة المتحدة منذ فوز إنجلترا ببطولة كأس العالم. والمؤكد أن كثيرين سيعجزون عن الحصول على تذكرة لحضوره، وستتوقف الحركة في البلاد تماماً». في المقابل، أكد المعني بالشؤون الترويجية لجوشوا، إيدي هيرن، أن الملاكم يطمح في خوض هذا النزال. وقال «لن تتاح لنا فرصة أخرى في هذه الرياضة لعقد مواجهة على هذا المستوى بين ملاكمين بريطانيين. لقد تحدثت بالفعل إلى أنتوني جوشوا، وأعرب عن رغبته في خوض هذه المواجهة، ولا يحمل بداخله أدنى خوف تجاه مواجهة تايسون فيوري، ويرغب في أن يصبح ملكاً متوجاً دون منازع في عالم الملاكمة». ومع ذلك، تبقى هناك عقبة كبرى: في العقد القائم بين وايلدر وفيوري، هناك بند لإعادة المباراة لصالح الأول، والذي يمكن تفعيله في غضون الأيام الـ30 المقبلة.
من ناحية أخرى، من اللافت أن فيوري يتمتع بقدر هائل من الشعبية لدرجة أنه أصبح من أوائل المرشحين للفوز بجائزة أفضل شخصية رياضية للعام من «بي بي سي». ورغم هذه الشعبية، فإن أياً من الرياضيين البريطانيين لم يتمكن من إحداث حالة انقسام حادة في الآراء من حوله مثلما فعل تايسون الذي يطلق على نفسه لقب «ملك الغجر». وفي الوقت الذي أشاد جمهور فيوري الكبير بفوزه أمام وايلدر باعتباره تعافياً محموداً له بعد المشكلات المرتبطة بالصحة الذهنية وغيرها التي عاناها، لا يزال منتقدوه يبدون رفضهم وصف شخص أخفق في اجتياز اختبار مخدرات وأطلق تصريحات ممقوتة بأنه بطل رياضي.
ورغم اعتذار فيوري لاحقاً عن بعض هذه التعليقات، مشيراً إلى أنه طوال حياته عانى من التعصب وتعرّض لانتهاكات بحقه، فإن البعض يعتقد أنه كان يتعين عليه إبداء قدر أكبر من الندم.
من جهته، قال مارك بوركوسكي، الخبير المعني بشؤون العلاقات العامة الذي مثل دييغو مارادونا ومايكل جاكسون وشركتي «فيرجين» و«كادبوري»، إن العلامات التجارية الكبرى ستبقى حذرة إزاء آراء فيوري. وقال «من الواضح أن فيوري ملاكم موهوب للغاية وظاهرة لا تحدث سوى مرة واحدة في جيل بأكمله، لكنه يحمل بداخله كومة كبيرة من الآراء ستجعل الكثير من العلامات التجارية تحجم عن اقتران اسمها به». وأضاف «لو أن جوشوا تمكن من هزيمة وايلدر على النحو المدوي الذي حققه فيوري للتو، لكان في طريقه لحصد مكاسب مالية هائلة، لكنني لا أرى ذلك يحدث مع فيوري». ومع هذا، من غير المحتمل أن يهتم فيوري لمثل هذه المخاوف، خاصة بعد حصوله على 25 مليون دولار (19.2 مليون جنيه إسترليني) من مباراته أمام وايلدر. كما يصر الملاكم أنه رجل مختلف تماماً اليوم عما كان عليه في آخر مرة حصل خلالها على لقب العالم للوزن الثقيل. على أي حال، الوقت وحده كفيل بكشف مدى حقيقة قوله هذا، وهذا وعد منه يتمنى الجميع بالتأكيد - حتى منتقديه - أن يصبح حقيقة.
وكان مروج مباريات الملاكمة إيدي هيرن قال في وقت سابق إنه سيبذل كل ما في وسعه لإقامة نزال بين الثنائي البريطاني أنطوني جوشوا وتايسون فيوري على لقب العالم في الوزن الثقيل المتنازع عليه، وإن هذا النزال قد يصبح الأكبر في تاريخ الرياضة.
وأوضح أن ممثلي الطرفين سيكونون «أغبياء» إذا لم يتم الاتفاق على هذا النزال. وقال إنه رغم أن الملاكمين قد يرغبان في إقامة المواجهة في بريطانيا، فإن العروض المقدمة من خارج البلاد مغرية جداً، ولا يمكن رفضها.
ويحمل جوشوا، الذي خاض آخر نزال له في السعودية، ألقاب الاتحاد الدولي للملاكمة، ورابطة الملاكمة العالمية، ومنظمة الملاكمة العالمية، ومنظمة الملاكمة الدولية. بينما انتزع فيوري لقب مجلس الملاكمة العالمي بفوزه على الأميركي ديونتاي وايلدر بالضربة القاضية الفنية في الجولة السابعة في لاس فيجاس مؤخراً. وقال هيرن في إشارة إلى ممثلي الجانبين «الكل يرغب في إقامة هذا النزال... أنطوني جوشوا وتايسون فيوري وإم تي كيه وتوب رانك وفرانك وارين وماتشروم». وتابع «هناك بعض العقبات التي يجب العمل على حلها مثل حقوق البث، لكنها ليست مشكلة كبيرة. أعدكم بإقامة هذا النزال».
وكان هيرن قال في وقت سابق، إن جوشوا يرغب في إقامة نزاله التالي في لندن في يونيو (حزيران) وإن استاد توتنهام هوتسبير الذي تبلغ سعته 62 ألف متفرج هو الأقرب لاستضافة المواجهة. وذكرت تقارير، أن جوشوا قريب من التوصل لاتفاق من أجل مواجهة البلغاري كوبرات بوليف، وهو منافسه الإجباري على لقب الاتحاد الدولي للملاكمة.