بعد المفاجأة والهلع... «هوس الانعزال» يتملك الإيطاليين

بعد المفاجأة التي أثارها ظهور عشرات الإصابات بفيروس كورونا الجديد (كوفيد - 19) في بعض مناطق الشمال الإيطالي يوم الجمعة الماضي، والهلع الذي تملك السكان إثر الإعلان عن الوفيات الأولى ورصد حالات جديدة في عدد من المناطق الأخرى، يعيش الإيطاليون الآن حالة من «هوس الانعزال» إزاء موجة التدابير الصحية والقيود الصارمة التي فرضتها الحكومة في بعض المدن الكبرى مثل ميلانو وتورينو، والإجراءات التي بدأت تفرضها دول أوروبية وغيرها على المسافرين القادمين إليها من إيطاليا.
وفيما أعلنت السلطات، أمس (الثلاثاء)، عن وفاة ضحية عاشرة، كانت بورصة ميلانو تتراجع بنسبة 6% مع تقديرات الخبراء بأن الأزمة الصحية قد تتسبب في ركود الاقتصاد الإيطالي الذي يعتمد بشكل أساسي على مناطق الشمال.
ومع ظهور الإصابات الأولى أواخر الأسبوع الماضي، أصبحت إيطاليا الدولة الأوروبية التي تسجل أكبر عدد من الإصابات بفيروس كورونا الجديد، والثالثة في العالم بعد الصين وكوريا الجنوبية. وقد بلغ عدد الحالات المؤكدة 283 حتى ظًهر أمس (الثلاثاء)، منها أول حالة في الجنوب رُصدت في باليرمو عاصمة جزيرة صقلية وحالتان في توسكانة. وتقول السلطات إن بؤر انتشار الفيروس محصورة، وإن احتواءه ممكن.
وفي ميلانو وتورينو، نصبت السلطات الصحية تجهيزات خاصة على مداخل المستشفيات لفرز المصابين بالفيروس وفصلهم عن بقية المرضى لتحاشي تكرار حالة الإهمال التي أدت إلى عدة إصابات يوم الجمعة الماضي في مستشفى «كودونيو». وفي إقليم «لومبارديا» الذي يسجل أكبر عدد من الإصابات، بدأت الفرق الطبية بإجراء فحوصات في المنازل والمستشفيات لكل من تظهر عليه عوارض الإصابة.
ويقول المستشار الخاص لوزير الصحة المكلف تنسيق حالة الطوارئ، إنه ليس من الواضح بعد إذا كان الفيروس هو السبب الذي أدى إلى الوفيات السبع، أو أنه كان عاملاً مساعداً في الحالات الصحية التي كانت متدهورة أصلاً مثل إصابات بالسرطان أو أمراض قلبية. وقال مسؤول من منظمة الصحة العالمية التي أوفدت فريقاً من الخبراء للتعاون مع السلطات الإيطالية، إن السبب الذي أدى إلى انتشار هذا العدد الكبير من الإصابات بسرعة في الأيام أواخر الأسبوع الماضي «قد يكون عدم تقدير الخطورة بالدرجة الكافية في الأيام الأولى».
وإذ يسود القلق في الأوساط الرسمية من التداعيات الاقتصادية للأزمة مع تراجع عجلة الإنتاج وانهيار قطاع السياحة، تدرس الحكومة حزمة من الإجراءات مثل إلغاء بعض الرسوم الأساسية على الكهرباء والغاز والمياه وتقديم مساعدات للمؤسسات المتضررة.
ومع ازدياد احتمالات استمرار انتشار الإصابات التي بدأت على بُعد 60 كيلومتراً من ميلانو، بدأت الدول المجاورة تشعر بالقلق وتتشدد في إجراءات المراقبة على الحدود. ويخشى الإيطاليون أن ينعزلوا أيضاً عن محيطهم الأوروبي بسبب تدابير أحادية تتخذها دول مثل فرنسا، حيث تصعّد المعارضة الضغط على الحكومة لإقفال الحدود مع إيطاليا.
وكانت النمسا قد أوقفت قطاراً مساء الأحد الماضي، في طريقه من ميلانو إلى ميونيخ عبر الأراضي النمساوية. وفيما ألغت شركة الطيران المجرية جميع رحلاتها إلى مدن الشمال الإيطالي، أعلنت الكويت عن وقف الرحلات من وإلى إيطاليا.
وفي مدينة تورينو، شهدت محال المواد الغذائية هجوماً واسعاً من المواطنين أفرغها من كامل محتوياتها في أقل من 24 ساعة، ما دفع برئيس البلدية إلى انتقاد مواطنيه وتوبيخهم قائلاً: «بدل أن تضيعوا الوقت في الهرولة إلى السوبرماركت للتبضع منها، من الأجدى أن تبقوا في المنازل للعناية بالمسنين والضعفاء. هكذا يجب أن يتصرف المجتمع الناضج».
ومع اتساع مساحة انتشار الإصابات وارتفاع عدد الوفيات، ارتفعت حرارة الجدل السياسي الذي يغلي على نار حامية منذ فترة. فبعد الانتقاد الذي وجّهه رئيس الحكومة جيوزيبي كونتي، إلى بعض السلطات الإقليمية لعدم تقيدها بتعليمات الأجهزة المركزية، شنت المعارضة هجوماً قاسياً عليه، فوصفه رئيس إقليم لومبارديا، جوليو غاليرا، بأنه «جاهل يتهرب من تحمل مسؤولية إخفاق الدفاع المدني، ويلقي اللوم على السلطات والأجهزة المحلية»، وطالب باستقالته.
ويتفرغ كونتي بشكل كلي لمتابعة الأزمة منذ السبت الماضي، موزعاً وقته بين زيارة مناطق الإصابات والمستشفيات والظهور أمام وسائل الإعلام عدة مرات في اليوم. وفي أول تعليق له على التدابير التي تفرضها الدول الأخرى على سفر الإيطاليين، قال أمس إن «هذه التدابير ليست مقبولة، وإيطاليا بلد آمن للسفر والسياحة، باستثناء بعض المناطق المحدودة جداً، ربما أكثر من بلدان عديدة أخرى».
وعن نفس الموضوع، علق رئيس إقليم لومبارديا بقوله إن «بعض البلدان الأوروبية عليها أن تعيد النظر في انتمائها إلى الاتحاد الأوروبي بعد التمييز الذي يتعرض له مواطنونا». ويذكر أنه منذ ظهور فيروس كورونا في الصين، تعرض العديد من الصينيين، سياحاً ومواطنين يعيشون في إيطاليا، إلى تصرفات عنصرية ومضايقات أدانها بشدة رئيس الجمهورية سرجيو ماتاريلا، خلال زيارته أمس، إلى إحدى المدارس التي يشكل الصينيون 30% من طلابها في روما.
من جهة أخرى، ومع تزايد الإصابات في إيطاليا وتصاعد مخاطر حصول وباء، عززت عدة دول أوروبية الإجراءات الهادفة إلى مكافحة انتشار «كوفيد - 19». ووضعت رومانيا في الحجر الصحي نحو 12 شخصاً قادماً من 11 مدينة إيطالية، فُرض حولها طوق صحي.
ووضعت ممرات خاصة لنزول الركاب القادمين من مناطق عرضة للفيروس في المطارات، حيث تراقب حرارة المسافرين. كما طلب من الأشخاص الذين زاروا إيطاليا في الآونة الأخيرة أو الصين البقاء في منازلهم.
طلب أيضاً من الرعايا الفرنسيين العائدين من مناطق إيطالية سُجّل فيها انتشار للفيروس تجنّب «كل خروج غير ضروري» على مدى أسبوعين بعد عودتهم وإبقاء أولادهم في المنزل.
وطلبت بريطانيا من المسافرين العائدين من مناطق فيها إصابات بشمال إيطاليا أو القادمين من الصين وكوريا الجنوبية وإيران، عزل أنفسهم في المنزل وتجنب أي احتكاك بشريّ وإبلاغ السلطات بذلك، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية. كما نصحت السلطات البريطانية الأشخاص القادمين من مناطق قريبة من مناطق سُجلت فيها إصابات بالقيام بالمثل، إذا ظهرت عليهم عوارض المرض.
أما البوسنة، فنصحت الأشخاص الذين توجهوا إلى الدول التي تسجل إصابات باستشارة طبيب أو البقاء في المنزل. كذلك، طلب البرلمان الأوروبي من كل الذين توجهوا إلى مناطق فيها إصابات، عدم الخروج على مدى 14 يوماً.
من جهتها، ألغت شركة الخطوط الجوية البلغارية كل رحلاتها بين صوفيا وميلانو حتى 27 مارس (آذار) من دون الكشف عن عدد الرحلات المعنية. فيما أعلنت النمسا عن احتمال إغلاق حدودها مؤقتاً مرة جديدة، إثر توقف مؤقت لحركة السكك الحديد على معبر «برينر» الأحد.
وفي فرنسا، مُنعت حافلة من الدخول انطلقت من إيطاليا، الاثنين، في ليون (وسط - شرق)، بسبب الاشتباه بوجود حالة على متنها، وتبين في نهاية المطاف أنه ليست هناك إصابات فيها. وفي كرواتيا، تم إلغاء كل الرحلات المدرسية للأيام الـ30 المقبلة.
ونصحت عدة دول، خصوصاً النمسا والمجر وأوكرانيا ورومانيا، رعاياها بعدم التوجه إلى المناطق في إيطاليا التي سُجلت فيها إصابات. وقامت فنلندا أيضاً بتحديث نصائح السفر، ودعت مواطنيها إلى إبداء «تيقظ شديد» حين يوجدون في إيطاليا وإبلاغ السلطات القنصلية بمشاريعهم للسفر، فيما دعت أيضاً الدنمارك المسافرين إلى توخي الحذر.
وفي مطاري بودابست وديبريكن (شرق المجر) وكييف، يتم قياس حرارة الركاب القادمين من إيطاليا. كما بدأت أوكرانيا بقياس حرارة المسافرين عند حدودها البرية مع المجر، حيث تمر حافلات تقوم برحلات بين إيطاليا وأوكرانيا.
وطلبت شركة الخطوط الجوية الأوكرانية الدولية من طاقمها شراء قفازات وأقنعة مطاطية على متن الرحلات القادمة من إيطاليا. وأعلن مطار براغ عن «إجراءات نظافة مكثفة». أما في وارسو، فصعد فريق طبي إلى طائرات قادمة من إيطاليا للتحقق من حرارة الركاب قبل السماح لهم بالنزول.
وفي كرواتيا، تقوم شرطة الحدود وخبراء أوبئة باستجواب كل الأشخاص القادمين من مناطق إيطالية فيها انتشار للفيروس. بينما رفضت وكالة الصحة السويدية إقامة مراكز مراقبة في المطارات، معتبرةً أنها «غير فعالة»، وتتطلب -حسب قولها- الكثير من الإمكانات لأن الأشخاص المصابين قد لا تظهر عليهم العوارض.