ساؤول نيغيز: كنا نعلم أن بإمكاننا إيلام ليفربول

يبدأ طريق «إم 30» السريع من نفق خلف مدينة مدريد، ويلتف حول العاصمة الإسبانية باتجاه الجنوب، ثم ينطلق نحو الشمال الغربي عبر منتصف ما كان يعرف ذات يوم بإستاد فيسنتي كالديرون، من المرمى إلى المرمى. ورغم أن غالبية الإستاد الذي كان يخص نادي أتلتيكو مدريد تعرض للهدم، ما زال جزء صغير منه باقياً فوق أحد الكباري، يمر من خلاله يومياً الآلاف بسياراتهم، وكذلك النجم والقائد ساؤول نيغير من حين لآخر. وفي بعض الأحيان، يصطحب اللاعب أصدقاءه معه إلى المكان، مدركاً أنه قريباً سيزول. وعن ذلك، قال: «أخبرهم أنني أحرزت هنا هدفاً من هذه النقطة تحديداً، وفي الواقع، يجتاحني كثير المشاعر في ذلك المكان».
وأضاف: «لم يتبق من الإستاد القديم سوى المدرج الرئيسي. ويخبرني أصدقائي بضرورة أن ألتقط صورة له قبل هدمه، لكنني أتمنى لو يترك المدرج مكانه كما هو، فكثيرون سيأتون لمشاهدته. إنه مدرج استثنائي وتاريخي. أعلم أن النادي كان بحاجة إلى التغيير والتوسع، ومن الصعب عليّ قول ذلك لأننا اليوم في إستاد (متروبوليتانو) الذي يوفر لنا قدراً أكبر من الراحة، ومع هذا يبقى اعتقادي أن إستاد كالديرون مختلف، فالسحر الذي بداخله والجماهير جميعها كانت أجواء مميزة».
وأضاف اللاعب: «دائماً ما أقول إن أجمل ذكرياتي تتعلق بهزيمة. فداخل كالديرون أمام ريال مدريد فزنا، لكننا خرجنا من البطولة. ومع هذا، ظلت الجماهير باقية في الإستاد ولم يرحل منها أحد. وكانت هناك أمطار غزيرة، وكانت جميع أفراد جماهير مدريد يرتدون معاطف المطر، بينما جماهيرنا كانوا يرتدون قمصاناً فحسب، وأصبحوا مبتلين تماماً. ومع ذلك، ظلوا يغنون تحت المطر ويدعموننا ويعزوننا. وقلت في نفسي؛ كيف للمرء ألا يفعل كل ما بوسعه من أجل هؤلاء الناس؟»
كانت تلك آخر ليلة أوروبية لأتلتيكو مدريد على أرض إستاد كالديرون، وذلك في الدور قبل النهائي ببطولة دوري أبطال أوروبا. ومنذ ذلك الحين، تبدل الحال، والخوف الآن من أنه ربما لا يكون الإستاد وحده ما بدأت شمسه تغيب. من جانبه، يرى ساؤول هذا التحول، بل عانى منه، لكنه متمسك بالمقاومة. جدير بالذكر أن أتلتيكو مدريد شارك بالنهائي عام 2014، وربع النهائي عام 2016، ثم عاود المنافسة في النهائي عام 2016. وقال اللاعب: «الخسارة النهائي أسوأ ما يمكن أن يحدث لك بمسيرتك الكروية». وبلغ النادي دور قبل النهائي عام 2017. وفي كل مرة كان يسقط على يد ريال مدريد. ومنذ ذلك الحين، لم يتجاوز أتلتيكو مدريد عتبة دور التصفيات، ولم يتوقع كثيرون لهم إنجاز ذلك في مواجهة ليفربول الذي يملك ذكريات على إستاد أتلتيكو الجديد. جدير بالذكر أن ليفربول حصل على الكأس الأوروبية السادسة له على أرض إستاد متروبوليتانو منذ 8 أشهر.
في تلك الليلة في كالديرون، قال دييغو سميوني إنه يتمنى لو كان باستطاعته «استنساخ» لاعبين مثل دييغو غودين وغابي فيرنانديز، وقال إنه يشعر أن ثمة حقبة على وشك الانتهاء. هذا الموسم، يبدو هذا الشعور أكثر قوة وحدة عن ذي قبل، خاصة مع رحيل كلا اللاعبين. ويشعر ساؤول أن غياب غابي القائد السابق لفريق أتلتيكو ترك تأثيراً كبيراً على نحو خاص على الفريق. جدير بالذكر أن 6 لاعبين رحلوا عن صفوف أتلتيكو مدريد، بينهم غريزمان ورودري، ورغم إنفاق النادي ما يقارب 250 مليون يورو قدم أسوأ بداية لموسم له تحت قيادة سميوني. ومع تقهقره في بطولة الدوري الممتاز بفارق 12 نقطة وخروجه من بطولة الكأس على يد كولتورا ليونيسا الذي ينافس في دوري الدرجة الثالثة، لم تتبق أمام النادي الإسباني سوى مواجهة ليفربول كفرصة لاستعادة بعض مجده.
وللمرة الأولى، كانت ظلال الشكوك تخيم حول سيميوني الرجل الذي وصفته صحيفة «غازيتا ديلو سبورت» من قبل بأنه «جيفارا». وكان هناك شعور غريب بأن النادي ضلّ طريقه وأنه يبحث عن هوية. وبالفعل، بدا كأن جزءاً مما كان يشكله النادي دوماً أصبح مفقوداً.
وشرح ساؤول أن النادي يفتقد شخصاً ما، ويفتقد التعبير عن هويته وعن القائد الذي يحمله بداخله. ويدرك ساؤول أن من حوله ينظرون إليه باعتبار أن الجمود قد أصابه ولم يعد لاعب خط الوسط المتمكن والمؤهل لقيادة فريقه ومنتخب بلاده. في الواقع، في بعض الجوانب، يتفق ساؤول مع نفسه في هذا الرأي، لكنه في خضم شرحه لمح إلى شعوره بأنه أسيء فهمه، بل ربما لا يلقى التقدير العادل.
وتحدث اللاعب بصراحة صادمة عن القيود المصاحبة للمسؤولية، وأنه يشعر بـ«الملل» في بعض المراكز، وكذلك عن «الحاجة إلى الاستمتاع بكرة القدم» وأن «يطلق له العنان» وأن يسمح له بالجري داخل الملعب كيفما شاء، لكنه رفض فكرة أنه في النادي الخطأ. وقال: «منذ عامين، كان باستطاعتي فعل هذه الأشياء بفضل وجود غابي. ورغم أن هناك لاعبين آخرين حالياً يملكون مهارات فنية أفضل منه، لطالما تميز غابي بقدرته على تيسير مهام من حوله بالفريق. وكان باستطاعتي في ظل وجوده اللعب باستمتاع».
وأضاف ساؤول: «الدور الذي اضطلع به غابي لم يكن سهلاً، فقد تولى تغطية الجميع. ومع أن الناس لا يرون ذلك، فإنني أضطلع بالأمر ذاته اليوم. وأشعر أنني أقوم به على نحو جيد. اليوم، يتعين علي تقديم العون؛ على اليسار وعلى اليمين وفي كثير من المراكز. ودائماً ما تكون الأولوية للفريق، حتى إن كنت على الصعيد الفردي لست على ذات المستوى الذي كنت عليه منذ عامين. اليوم، أترك بعض أجزاء اللعب خلفي، ولا أدري إذا كان هذا جيداً لأنني توقفت عن الاستمتاع بها. وأتمنى لو بإمكاني التركيز على مركز واحد وتحسين أدائه فيه وتعلم المزيد».
وربما كان الشعور بالأمان، وكذلك الإحباط، ما مكنه من الحديث بهذا القدر من الوضوح. وقال ساؤول ضاحكاً: «أملك عقداً طويل الأمد». جدير بالذكر أن هذا العقد قائم حتى عام 2026 وبه بند جزائي بقيمة 150 مليون يورو إذا أراد الرحيل. وقال ساؤول: «سميوني الوحيد الذي يقدر المجهود الذي أبذله، فأنا ألعب تقريباً كل دقيقة من المباراة. كما أنه يدرك جيداً أنني أعاني في المراكز غير المثالية لي، لكنه يقدر ما أفعله، وليس بإمكاني رفض أي طلب له. إنني أتمتع بالقدرة على التكيف مع أي أسلوب لعب، وأشعر بالامتنان تجاه النادي، فقد عاملوني كفرد من الأسرة منذ أن كنت في سن صغيرة للغاية».
وشدد ساؤول بنبرة منفعلة: «لا أعتقد أن التطور هو المسار المناسب، وإنما أرى أنه يجب علينا البقاء مثلما كنا دوماً، وهي الصورة التي مكنتنا من قبل من المنافسة. إنه عام صعب علينا، عام الانتقال هذا، خاصة أن كثيراً من العناصر المهمة رحلت عن صفوفنا. إلا أن عناصر مهمة انضمت إلينا أيضاً، لكنها عناصر شابة، ولا تعرف النادي، ومن الضروري أن تتكيف معه. يجب على المرء أن يشعر بالجو العام للنادي من حوله، ويؤمن به. ولا يجب عليه التوقف للتفكير، وإنما الانطلاق بسرعة فحسب. ويظل على هذه الحال يوماً بعد يوم، وتدريباً بعد تدريب، حتى يصبح الأمر تلقائياً لديه».
ومع أن عمر ساؤول لا يتجاوز الـ25 فحسب، فإنه يعتبر بالفعل من العناصر المخضرمة بالفريق. واليوم، أصبحت بطولة دوري أبطال أوروبا الهدف الوحيد أمام أتلتيكو مدريد، بينما ينظر اللاعب إلى ليفربول باعتباره منافساً عتيداً يحرص على تحليل مبارياته بعمق ودقة. وقال ساؤول عن النادي الإنجليزي: «يتميز في وسط الملعب بمجموعة من اللاعبين أشبه بصقور الصيد تجري وتضغط. إنهم لا يجرون من أجل الجري فحسب، وإنما يفعلون أشياء استثنائية، ومع أن الأمر قد يبدو عشوائياً فإنه في حقيقته منظم ومرتب تماماً، مثل عمل الآلة».
وأضاف: «في مواجهة الذهاب نجحنا في إيقافهم، وسجلت هدف الفوز، لكننا عانينا لأنهم لا يتوقفون عن الركض، ترى لاعباً هنا وفجأة يتحرك بالاتجاه المعاكس، هذا جنون، لماذا يقف هنا؟ لكن اللاعب الآخر يدرك الأمر ويأتي من هنا»، مشيراً إلى عدد من المراكز. وأضاف: «مع أن كلوب قال إن اللاعبين يلعبون بقلوبهم، من الواضح أن الأمر وراءه تخطيط أيضاً، فأحد اللاعبين ينطلق من أجل الضغط على المنافس بقوة، ويتبعه آخرون. من الصعب للغاية الفرار عندما يطاردونك. إنه أمر مذهل، فهم يصبحون أشبه بالحيوانات البرية في الضغط على المنافس، لأنهم يدركون أنه لو لم يستحوذوا على الكرة هناك، فسيطارد 7 منهم الكرة كالمجانين من أجل إعادة الاستحواذ عليها».
وأضاف ساؤول: «ليفربول فريق مكتمل الأركان وعظيم في كل جوانبه، لكن أكبر صعوبة عندما يتعمق المنافس في صفوفهم، لأنهم فريق بارع جداً جداً جداً في الانتقال. قبل مباراتنا أمامهم، شاهدت مواجهتهم أمام نوريتش سيتي، ولولا السيطرة الاستثنائية لماني، لم يكونوا ليفوزوا، لذا كان لدينا إيمان بالقدرة على الفوز عليهم، لقد فازوا بكثير من المباريات التي كان يمكن أن يهزموا فيها أو يخرجوا منها متعادلين».
لكن رغم الفوز بهدف يدرك ساؤول ورفاقه أن المهمة ستكون صعبة للغاية في ملعب إنفيلد حيث تبدو الصورة العامة لليفربول هناك مخيفة، فهو بطل أوروبا المتوج الذي حصد 103 نقاط من إجمالي 105 متاحة. ومع هذا، أصر ساؤول التمرد، قائلاً: «ما الذي يتعين عليك فعله بأرقام كتلك الخاصة بليفربول؟ عليك تحطيمها».
وأضاف: «كرة القدم لا ذاكرة لها، وما فعلته بالأمس لم تعد له جدوى. لقد قدمنا نتائج جيدة قبل الكريسماس، ثم تراجع أداؤنا، وهذا أمر عصيب. لقد كادت الجماهير تفتك بنا. هل تظن أن هذا ليس عادلاً؟ بصراحة، نعم، لكن تلك هي الحياة... وإذا فزنا بمباراتين أو 3 فسيتبدل الأمر من جديد. كنا نعلم أن بإمكاننا إيلام ليفربول ونعرف نقط قوته وضعفه، دائماً ما ننافس أمام أندية كبرى. كان يجب علينا الاستفادة من المباراة التي تقام على أرضنا بأقصى درجة، سجلنا هدفاً ونتطلع للقاء الإياب الآن».
وعن الإستاد الجديد، قال ساؤول: «كان يفتقد اللحظات العظيمة، كانت هناك بعض اللحظات العظيمة في إستاد كالديرون القديم، لكنه إستاد رائع ويعمل به أشخاص رائعون. أما سحر الملاعب فتبنيها المباريات الملحمية والانتصارات والليالي الكبرى أمام أندية كبرى، والفوز على ليفربول كان واحداً منها».