اعتُقلت 30 مرة... أم تركية تناضل من أجل حرية ابنها التلميذ في سلاح الجو

بحجابها الملون ومعطفها الطويل الذي يقيها برد أنقرة لا تسترعي الوالدة التركية ملك تشيتينكايا انتباه الشرطة، لكنها عندما ترتدي سترة تطالب بالعدالة لابنها المسجون فرقان تشيتينكايا فإن دقائق قليلة فقط تكفي لوصول شرطيتين تأخذانها بصمت وتقتادانها في عربة.
ومنذ بدأت احتجاجاتها في أواخر سبتمبر (أيلول)، اعتُقلت هذه المرأة البالغة 43 عاماً والأم لثلاثة أبناء، نحو 30 مرة، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

لا شيء يُثني تشيتينكايا، لأنها تحارب من أجل ابنها، تلميذ سلاح الجو الذي لم يكن يناهز 19 عاماً عندما سُجن لمشاركته في الانقلاب الفاشل ضد الرئيس رجب طيب إردوغان في يوليو (تموز) 2016، وفي 2018 حُكم عليه بالسجن المؤبد.
ولقي مئات التلاميذ العسكريين الآخرين المصير نفسه وباتوا يواجهون عقوداً في السجن لدورهم في مسألة تقول عائلاتهم إنهم لم تكن لديهم وسيلة لفهمها.
وتتساءل الأم: «كيف يمكن لهؤلاء الأولاد أن ينفّذوا انقلاباً؟». وتحض المارة على أن «يكونوا مدركين للظلم والمخالفات والعملية القانونية غير العادلة» التي مر بها ابنها وآخرون.
وصرخت قبل لحظات من توقيفها: «رجاءً احرصوا على أن يتم سماع أصوات التلاميذ العسكريين».
وبعد محاولة الانقلاب اعتُقل عشرات آلاف الأشخاص وتم فصل قرابة 150 ألف موظف في القطاع العام، أو تعليق عملهم في إطار حملة قمع ضد مجموعات مرتبطة بالانقلاب ومعارضين آخرين للحكومة.
وحُكم على ما مجموعه 355 تلميذاً عسكرياً بالسجن المؤبد لدورهم المفترض في الانقلاب، وفق نائب المعارضة عمر فاروق غرغرلي أوغلو، حتى من دون أي «أدلة ملموسة».
وقال غرغرلي أوغلو المنتمي لحزب «الشعوب الديمقراطي» اليساري: «العقوبات مجحفة تماماً... هم يُعامَلون من دون رحمة ويتم استخدامهم كبش فداء».
وعلمت تشيتينكايا بعد يومين من الانقلاب أن ابنها اعتُقل، وكانت تأمل في البدء أن يحقق النظام العدالة لكن مع المحاكمة تبددت تلك الآمال.
وقالت لوكالة الصحافة الفرنسية: «عندما وافقت محكمة الاستئناف (على الحكم) بدأت أعتقد أن لا عدالة في هذا البلد وبدأتُ أسعى لتحقيق العدالة في الشارع».
وتصر الأم على براءة ابنها وتؤكد أن لا أحد في الأسرة لديه صلات بالداعية فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة والذي تتهمه الحكومة بإصدار أمر الانقلاب.

وكان فرقان (الابن) في معسكر تدريبي في «يالوفا» بشمال غربي تركيا عندما أُبلغ مع عشرات آخرين من جانب قادتهم أن عليهم العودة إلى إسطنبول لأن هجوماً إرهابياً قد حصل.
وعادوا ليلاً ليجدوا المدينة في فوضى مع أنباء عن دبابات في الشوارع وجنود يقتحمون مباني عامة.
وانتهى الأمر بالتلاميذ العسكريين، كما يقولون، في الشارع وهم ينشدون النشيد الوطني من دون أي فكرة بأنهم سيُتهمون لاحقاً بدعم انقلاب.
ويقول محامو فرقان إن موكلهم وزملاءه لم ينخرطوا في أيٍّ من المواجهات بين الجنود المؤيدين للانقلاب والحراس المدنيين، والتي اندلعت في وقت لاحق ليلاً.
ومع ذلك حكم القضاة على الشبان بالسجن المؤبد بتهمة «السعي لإلغاء النظام الدستوري».
ويقول أندرو غاردنر، من منظمة العفو الدولية، إن القضاء يفتقر إلى الاستقلالية أو القدرة على التمييز بين الأبرياء والمذنبين.
وأملهم الوحيد هو محكمة النقض، أعلى محكمة استئناف، وقد سبق لها أن أسقطت إدانات متصلة بالانقلاب.
مرة كل أسبوعين منذ إدانة ابنها، تقوم تشيتينكايا برحلة بالحافلة ذهاباً وإياباً تستمر 20 ساعة لزيارته في سجن «سيليفري» الواقع على مشارف إسطنبول.
وخلال واحدة من تلك الرحلات قررت القيام بـ«مسيرة العدالة» من أنقرة إلى السجن لتسليط الضوء على قضية ابنها. لكنها اعتُقلت الشهر الماضي حتى قبل أن تبدأ السير، واحتُجزت ثلاثة أيام. وتواجه اليوم ثلاث دعاوى قانونية بسبب تحركاتها.
وتتهمها الوثائق القضائية، التي اطّلعت وكالة الصحافة الفرنسية عليها، بالانتماء إلى «منظمة إرهابية مسلحة».
وفي مقابلة في منزلها قالت إنها لم تكن مدركة في السابق للظلم في تركيا، بل صوّتت لإردوغان في الماضي. وأوضحت: «كنت ربة منزل منشغلة ببيتي وأولادي... كنا نصدق ما نشاهده على التلفزيون... هذه التجربة علّمتنا أن وسائل الإعلام لا تنقل الحقيقة».
ومؤخراً استجوب رجلان قالا إنهما شرطيان زوجها «لساعتين أو ثلاث ساعات» وأبلغاه بأن يوقف أفعال زوجته، وقيل له: «فكّر بولديك الآخرين».
وقد أثّرت المحنة على الوالدة. وقالت: «في البدء عندما كنت أذهب لزيارة ابني كنت أبكي باستمرار، لم أكن قادرة على وقف دموعي... بل حتى فكرت بالانتحار».
لكنها لم تستسلم. وتقول: «أعتقد أن الشخص المحق يجب ألا يخشى شيئاً... أستمدّ شجاعتي من براءة الأولاد».
واليوم، أمر ممثلو الادعاء المعنيون بالتحقيق في شؤون الجيش ووزارة العدل في تركيا بالقبض على 228 شخصاً بتهمة الانتماء لحركة فتح الله غولن.
ونقلت وكالة «الأناضول» التركية أن الحملة الأمنية على من تقول أنقرة إنهم من أتباع فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة مستمرة منذ محاولة الانقلاب الفاشل في يوليو 2016 الذي قُتل خلاله 250 شخصاً.
وتنفّذ الشرطة مداهمات بشكل روتيني تستهدف مشتبهاً بهم.