التهاب الكبد الوبائي يفتك باللاجئين السوريين وبأهالي عرسال

لم يكن اللاجئون السوريون في بلدة عرسال الحدودية الشرقية في الأشهر الثلاثة الماضية يعيرون الكثير من الأهمية لإصابة أعداد منهم بمرض التهاب الكبد الوبائي من فئة A، فهم كانوا منشغلين إما بتأمين مأوى بعد احتراق عدد من مخيماتهم نتيجة الاشتباكات التي اندلعت بين الجيش ومجموعات «جبهة النصرة» و«داعش» المسلحة مطلع أغسطس (آب) الماضي، وإما بتبرير وتأكيد عدم انتمائهم إلى أي من التنظيمين المتطرفين كي لا تطالهم التوقيفات التي شملت أعدادا كبيرة منهم في الأشهر الماضية.
تضاعفت الحالات مع مرور الأشهر ليتخطى حاليا عدد المصابين بوباء التهاب الكبد الوبائي في عرسال، الـ250 حالة، معظمها للاجئين سوريين وبعض اللبنانيين من أهالي البلدة.
وفيما شدّد مدير مستشفى «الرحمة» الدكتور باسم الفارس على وجوب عدم الهلع أو إعلان حالة الطوارئ باعتبار أن «المرض غير خطير كفئاته الأخرى B وC»، أشار إلى أنهم سجلوا في مستشفى الرحمة «120 حالة وفي المستشفى الآخر في البلدة 130 حالة، وذلك بعد التشخيص المخبري، ليبلغ مجمل عدد الحالات 250 حالة لسوريين ولبنانيين على حد سواء».
وقال الفارس لـ«الشرق الأوسط»: «المرض لا يستلزم البقاء في المستشفى ويتم إعطاء المريض مخفضات للحرارة ومصل ومقويات، ويفترض أن تتحسن حالته خلال أسبوع أو أسبوعين على الأكثر»، لافتا إلى أن المعنيين في البلدة لم ينجحوا حتى الساعة في تحديد أسباب انتشار الوباء.
وقد أنشئ مستشفى «الرحمة» في عرسال قبل نحو عام بهدف أساسي هو معالجة الجرحى السوريين الذين كانوا يتدفقون بأعداد كبيرة من البلدات السورية الحدودية، خاصة مع احتدام المعارك في منطقة القلمون. وتضم عرسال اليوم، إلى جانب مستشفى «الرحمة»، مستشفى ميدانيا، علما بأنها المرة الأولى التي بات في البلدة كادر طبي وأطباء متخصصون في أكثر من مجال.
ويساهم الاكتظاظ السكاني الذي تشهده البلدة في انتشار أسرع للوباء، إضافة إلى الظروف الصعبة التي يرزح تحتها اللاجئون السوريون الذين يبلغ عددهم 70 ألفا، بحسب مسؤول «اتحاد الجمعيات الإغاثية» في عرسال حسن رايد، ينتشرون على نحو 70 مخيما.
وأوضح رايد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن أولى حالات المرض ظهرت قبل 4 أو 5 أشهر، لكنها كانت بأعداد صغيرة، وأضاف: «أما اليوم، فالمرض ينتشر وبكثرة، وخصوصا بين السوريين نظرا إلى أنهم يعيشون في مخيمات مكتظة حيث الظروف الإنسانية والصحية غير ملائمة وتساهم في انتشار الأمراض».
وتعد عرسال كبرى البلدات اللبنانية من حيث المساحة، إذ تشكل أراضيها 5 في المائة من مساحة لبنان، وهي ذات مناخ صحراوي حاد، تشهد صيفا حارا وجافا وبرودة شديدة وكميات كبيرة من الثلوج في الشتاء، وهو ما يؤثر في ظروف عيش آلاف اللاجئين.
وتحركت وزارة الصحة مطلع الأسبوع الماضي من خلال فريقي الترصد الوبائي وطبابة القضاء، بمسعى للتحري عن المعلومات التي تحدثت عن انتشار الوباء في بلدة عرسال. وأشارت رئيسة دائرة الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة راندة حمادة إلى أن طبيب القضاء يتابع الموضوع مع فريق عمله على أن يضع الوزارة بحقيقة الوضع على الأرض من حيث عدد المصابين وحالتهم. وقالت حمادة لـ«الشرق الأوسط»: «الأوضاع في عرسال تشكل أرضا خصبة لانتشار أمراض مماثلة، فالظروف الصحية غير مواتية، مما يسهم في انتشار أسرع للوباء».
وشدد مستشار شؤون التخطيط في وزارة الصحة الدكتور بهيج عربيد على أن مرض التهاب الكبد الوبائي ليس حديثا في لبنان، بل يتم تسجيل آلاف الحالات منه سنويا، وهو لا يقتصر على فئة A، بل يشمل فئات B وC أيضا.
وأوضح عربيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن أسباب المرض التلوث، ونوعية المياه والطعام إلا أن كونه محصورا حاليا بالفئة A يعني أن لا خطورة على حياة المصابين. وقال: «سجلنا في السنوات الثلاث الماضية كذلك آلاف الحالات من التهاب الكبد والسحايا والتيفوئيد، وكلها أمراض نعرفها في لبنان، إلا أن حبة حلب كانت طارئة علينا، لكننا نجحنا في احتوائها من خلال تدريب الأطباء على معالجتها بالأدوية المناسبة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية».
وأشار عربيد إلى أن أكثر ما كان يخيف المعنيين بالقطاع الصحي هو مرض شلل الأطفال المنتشر في سوريا، «إلا أننا في لبنان نجحنا طوال المرحلة الماضية وبعد 5 حملات تلقيح أشرفنا عليها بمنع تمدده إلينا».
وتعاني أمل عباس، (35 سنة)، وهي أم لولدين تعيش في إحدى خيم مخيم «غرف الرحمة» في عرسال، مرض التهاب الكبد الوبائي، وقد شخّص الأطباء حالتها قبل 3 أيام. وأشار زوجها محمود عباس إلى أنها تعاني آلاما حادة بالبطن وبعض الاصفرار في العينين وارتفاعا في الحرارة، مما استدعى نقلها أكثر من مرة إلى المستشفى.
وقال عباس لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نحاول حاليا أن نتجنب نقل المرض إلى الأطفال، لذلك نتفادى احتكاكها معهم»، علما أنه لم يسجل في المخيم الذي تعيش فيه أمل و100 غيرها من اللاجئين، إلا حالة واحدة أخرى من مرض التهاب الكبد الوبائي.