الغارات ضد «داعش» لا تؤثر في تدفق المقاتلين على سوريا

كشف مسؤولون استخباراتيون وآخرون معنيون بشؤون الإرهاب عن تدفق ما يزيد على ألف مقاتل على أرض سوريا كل شهر، في إشارة إلى عدم تغير معدل تدفق المقاتلين رغم الغارات الجوية التي يشنها التحالف ضد «داعش»، والجهود المبذولة من جانب الدول الأخرى لمنع مواطنين من الانضمام إلى صفوف «داعش»؛ حيث تشير الأعداد الضخمة للهجرة الجارية إلى أن الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة لم تتمكن من ردع أعداد كبيرة من المتشددين من السفر إلى المنطقة.
ووفقا لما ذكره مسؤول أميركي استخباراتي: «لا يزال يشق المقاتلون طريقهم إلى سوريا، ولذا يستمر عددهم الإجمالي في الزيادة». ورغم ذلك، حذر مسؤولون أميركيون من تباطؤ في العمل الاستخباراتي، وتنظر وكالة الاستخبارات المركزية ووكالات استخباراتية أخرى في الأمر؛ مما يعني إمكانية استغراق الأمر أسابيع حتى يصبح هناك تغيير واضح. ويشير الاتجاه السائد على مدى العام الماضي أن إجمالي عدد المقاتلين الأجانب في سوريا يتجاوز 16 ألف شخص بوتيرة لم يشهدها أي نزاع مماثل على مدار العقود الأخيرة، بما في ذلك الحرب في أفغانستان في الثمانينات.
وأرجع مسؤولون أميركيون تدفقات المقاتلين إلى مجموعة من العوامل، من بينها حملات التجنيد المتطورة التي يقف وراءها جماعات في سوريا مثل تنظيم داعش، فضلا عن السهولة النسبية التي يجدها المتشددون من منطقة الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، وأوروبا، عندما يعقدون العزم على السفر لهذا البلد.
فيما أكد مسؤولون أميركيون أن ثبات تدفق المقاتلين لا يعد مقياسا لمدى فعالية الحملة الجوية التي توسعت متجاوزة الحدود العراقية ووصلت إلى سوريا في أواخر الشهر الماضي. وتشير أحدث التقديرات إلى أن الغارات الجوية التي جرى شنها في سوريا أسفرت، وحدها، عن مقتل نحو 460 من مقاتلي تنظيم داعش، الذي ذبح اثنين من الصحافيين الأميركيين واثنين من عمال الإغاثة البريطانيين، فضلا عن مقتل 60 مقاتلا من المحسوبين على «جبهة النصرة»، أحد فروع تنظيم القاعدة.
ويُذكر أن الولايات المتحدة وحلفاءها قاموا بشن أكثر من 600 غارة جوية حتى الآن في سوريا والعراق، ترمي بالأساس إلى تباطؤ عمليات «داعش» التوسعية والسماح للجيش العراقي وقوات المعارضة المعتدلة في سوريا بإعادة تنظيم صفوفهم. ومن جهته، قال الأميرال جون كيربي، المتحدث باسم البنتاغون، هذا الأسبوع، إن الغارات الجوية «تعرقل» عمليات «داعش»، ولكنه أقر بأن شن هجوم كبير ضد داعش «ربما لا يزال بعيد المنال». ويرى بعض الخبراء أنه من المرجح أن تتزايد أعداد المقاتلين الأجانب بشكل ملحوظ، في ظل استمرار النزاع - الدائر منذ 3 سنوات - لفترة طويلة. وبدوره، قال: إندرو ليبمان، الخبير بمجال مكافحة الإرهاب بمؤسسة راند: «لا أعتقد أن 15 ألف شخص لم يحدثوا تأثيرا حتى الآن على الأرض».
منذ بدء الحملة الجوية بقيادة الولايات المتحدة، كان يسعى المحللون لتتبع ما إذا كانت التفجيرات من شأنها أن تعمل على تثبيط هؤلاء الراغبين في الانضمام لـ«داعش» أم أنها ستكون بمثابة صيحة استنفار للإسلاميين. وفي هذا الشأن، أوضح ليبمان أن ثبات معدل تدفق المقاتلين يشير إلى عدم حدوث أي منهما أو على الأرجح حدوث الأمرين، ولكن بشكل متوازن، قائلا: «ربما تكون الحملة الجوية أثنت بعض الأشخاص وشجعت البعض الآخر». ومع ذلك، حذر ليبمان وآخرون من وجود فجوات واسعة في عمل الاستخبارات الأميركية بشأن الصراع في سوريا؛ مما يجعل من الصعب وجود إدراك واضح لحجم وتركيبة المقاتلين الأجانب وتزايد حجمهم.
ويُذكر أن الغالبية العظمى من هؤلاء المتشددين جاءت من بلدن أخرى بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد أرسلت تونس المزيد من المقاتلين إلى سوريا مقارنة بأي دولة أخرى. وجاء ما يزيد على ألفي مقاتل من الدول الأوروبية يحملون جوازات سفر تمكنهم من التنقل بسهولة بين الدول الغربية.
وقد سافر أشخاص عدة بغرض محاربة حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، وربما لا يشكل هذا الأمر تهديدا أمنيا يتجاوز الحرب الأهلية في ذلك البلد، بيد أن مسؤولي الأمن أعربوا عن قلقهم البالغ حيال تدفق المزيد من الوافدين الذين يقاتلون لصالح «داعش» أو «جبهة النصرة»، التي أسست خلية لها بالقرب من حلب للتخطيط لهجمات ضد الدول الغربية. وعلى مدى العام الماضي اتخذ كل من بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وغيرهم من الدول الأوروبية تدابير قوية بنحو متزايد لمنع تدفق المقاتلين إلى سوريا من خلال مصادرة جوازات السفر، وتمرير إجراءات جديدة لمكافحة الإرهاب، واستهداف المشبه بهم، جنبا إلى جنب مع تكثيف أعمال المراقبة والاعتقالات. ولفت مسؤولون أميركيون إلى قيام نحو 130 أميركيا بالسفر أو محاولة السفر إلى سوريا.
ومن الواضح أن معظم المقاتلين تمكنوا من دخول سوريا عبر تركيا، التي عملت أخيرا على إحكام سيطرتها على حدودها، وتمكنت من القضاء على شبكات إسلامية تعمل على ضخ المقاتلين. وأشار مسؤولون أميركيون إلى أنه من الممكن أن نرى قريبا دلائل واضحة على فعالية تلك التدابير المتخذة.
ومن جانبه، قال المسؤول الاستخباراتي الأميركي: «تعمل الدول الأوروبية وحلفاؤها على اتخاذ تدابير لوقف تدفق المواطنين إلى سوريا، بينما تعمل تركيا على اتخاذ الإجراءات اللازمة لعدم استغلال حدودها من جانب الجهاديين»، مضيفا: «ربما يستغرق الأمر بعض الوقت لبدء ظهور التأثير الفعال لتلك الإجراءات في التقديرات الاستخباراتية المتعلقة بالمقاتلين الأجانب». ورغم أن مسؤولي الولايات المتحدة لم يقدموا تقديرات رسمية حول معدل تدفق المقاتلين إلى سوريا، فإنهم قدموا مجمل المسار الواضح لتدفق المقاتلين. وقد صرح البيت الأبيض الشهر الماضي بتدفق 15 ألف مقاتل إلى سوريا، وهو ما يمثل ارتفاعا حادا عن شهري مارس (آذار)، ويوليو (تموز) الذي بلغت فيهما حجم التقديرات 7 آلاف و12 ألفا على التوالي.
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»