نواب أتراك يقاضون قائداً سابقاً في الجيش بتهمة التشهير بالبرلمان

اشتعل السجال على مدى الأيام القليلة الماضية بين الرئيس رجب طيب إردوغان ورئيس أركان الجيش الأسبق إيلكر باشبوغ بعد تصريحات للأخير في مقابلة تلفزيونية قال فيها إن نواب حزب إردوغان الذين صاغوا في عام 2009 مشروع قانون يسمح بمحاكمة العسكريين أمام المحاكم المدنية، كانوا ينتمون إلى حركة الخدمة التابعة للداعية فتح الله غولن، التي اتهمتها السلطات التركية لاحقاً بتدبير محاولة انقلاب فاشلة وقعت في 15 يوليو (تموز) 2016. وكانت قد صنف حكومة إردوغان الحركة «منظمة إرهابية» عقب محاولة الانقلاب في 2016. وأكد باشبوغ ضرورة الكشف عن النواب الذين قدموا للبرلمان عام 2009 مقترحاً قانونياً تم من خلاله إقصاء القضاء العسكري والسماح بمحاكمة العسكريين أمام محاكم مدنية، قائلاً: «إذا أنكرتم (في إشارة إلى حزب إردوغان) وجود ذراع سياسية لمنظمة غولن (حركة الخدمة) فسوف يكون ذلك مخالفاً للحقيقة».
كان مشروع القانون قدم إلى البرلمان من جانب حزب العدالة والتنمية الحاكم في 26 يونيو (حزيران) 2009. وتم إقراره في جلسة استغرقت 13 دقيقة فقط، ونص على محاكمة المتهمين العسكريين والمدنيين المتهمين بتهم عسكرية أمام المحاكم المدنية فقط، مما فتح المجال أمام اعتقال العسكريين بقرارات صادرة من تلك المحاكم في إطار قضية تنظيم «أرجنيكون» أو ما عرف في تركيا بـ«الدولة العميقة» والذي ضم جنرالات وضباطاً كباراً وسياسيين وصحافيين ومحامين واتهم بمحاولة الانقلاب على حكومة إردوغان في 2007. وطعن حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، على قانون محاكمة العسكريين أمام المحاكم المدنية لدى المحكمة الدستورية العليا، مؤكداً أنه مخالف للدستور.
وسبق أن أمضى باشبوغ 26 شهراً في السجن، في سابقة «مذهلة» في تاريخ تركيا حيث كانت هذه هي المرة الأولى التي يسجن فيها رئيس لأركان الجيش، وذلك إثر إدانته بالانتماء لتنظيم «أرجنيكون» قبل أن يتم الإفراج عنه إثر تحقيقات الفساد والرشوة في تركيا، حيث اعتبر إردوغان أن تحقيقات الفساد والرشوة، التي طالته وعائلته ومجموعة من وزرائه والمقربين منه، وكذلك قضية «أرجنيكون» التي تولى الادعاء العام فيها زكريا أوز، بأوامر من إردوغان، الذي عاد واتهمه بأنه من قياديي حركة غولن بسبب قيادته تحقيقات الفساد والرشوة، كانت أحداثاً من تدبير غولن وحركته.
وخلال اجتماع المجموعة البرلمانية للحزب الحاكم بالبرلمان يوم الأربعاء الماضي، شن إردوغان هجوماً حاداً على باشبوغ وطلب من نواب حزبه التقدم بشكاوى ضده لمحاكمته بدعوى «سعيه لتشويه سمعة البرلمان». واعتبر إردوغان تصريحات باشبوغ «هجوماً متعمداً على إرادة البرلمان، وحصانة البرلمانيين على حد سواء، تنبع من عقلية تشتاق للوصاية العسكرية».
وعلى أثر ذلك، أصدر باشبوغ بياناً، الخميس، أعلن فيه رفضه تصريحات إردوغان، لافتاً إلى أنه خلال عمله رئيساً لأركان الجيش أجهض العديد من المؤامرات التي استهدفت الجيش، في إشارة لمحاولة عناصر حركة غولن التغلغل وتنظيم كيانات داخل الجيش. وتقدم كل من نواب الحزب الحاكم بكير بوزداغ ومصطفى أليطاش ومحمد دوغان وعبد الرحمن جيلان وأحمد مفتي يتكين ويحيى أيدين الشكوى الجنائية بحق باشبوغ الجمعة.
ويتزامن السجال بين إردوغان وباشبوغ، الذي يشغل الساحة السياسية بقوة على مدى أيام، مع تصريحات للعقيد السابق بالجيش التركي دورسون تشيشيك، الذي اتهم في قضية محاولة انقلاب أخرى باسم «باليوز» أو (المطرقة الثقيلة) قال فيها إن حزب العدالة والتنمية الحاكم لم يكن إلا ذراعاً سياسية لحركة غولن. وكذلك في ظل التوتر بين تركيا وروسيا حول التطورات في محافظة إدلب السورية، حيث علق رئيس حزب «الوطن» اليساري دوغو برينتشيك، أحد المتهمين السابقين في قضية «أرجنيكون» والموالي لروسيا، على زيارة إردوغان لأوكرانيا الأسبوع الماضي وهدده قائلاً: «إذا قمت بتسليح أوكرانيا ضد روسيا فإنك لن تستطيع البقاء في منصبك».
ويؤيد برنتشيك إعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق وسبق أن التقى الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق أكثر من مرة، كما قام مسؤولون في حزبه بمفاوضات مع حكومة الأسد بموافقة ضمنية من حكومة إردوغان، بحسب تصريحات من هؤلاء المسؤولين، حيث كان هناك تقارب بين برنتشيك والحكومة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016.
في سياق موازٍ، طالب الادعاء العام في إسطنبول بالسجن المؤبد المشدد ضد رجل الأعمال المعارض الناشط الحقوقي البارز عثمان كافالا، لاتهامه بتنظيم احتجاجات «جيزي بارك» المناهضة لحكومة إردوغان والتي وقعت في إسطنبول في صيف عام 2013. وتوسع نطاقها إلى أنحاء أخرى من البلاد.
كانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ، أصدرت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حكماً أقرت فيه بأن حقوق كافالا قد انتهكت بعد إبقائه لأكثر من عامين قيد الحبس الاحتياطي، وانتقدت التهم الموجهة إليه، وطالبت بإطلاق سراحه على الفور، لكن محكمة سيليفري في ضواحي إسطنبول أبقته محتجزاً رغم حكم المحكمة الأوروبية، الذي أعلن إردوغان رفضه له.