ماذا جنت السينما العربية من الحلم بالعالمية؟

يتندّر بعض السينمائيين بحكاية لممثل عربي قام ببطولة فيلم أميركي الجنسية وحال بدء الحملة الترويجية للفيلم في أحد العواصم العربية اعتذر عن أنه لن يجري حوارا مع أي صحافي يعمل لصحيفة أو لمجلة ناطقة بالعربية. بما أن الصحف والمجلات غير الناطقة بالعربية لم يثرها الفيلم، وجد الممثل نفسه بلا مقابلات أو أضواء على الإطلاق.
ممثل آخر لعب دورا قدّمه جيّدا في فيلم تاريخي كبير من إخراج ريدلي سكوت. عاد إلى بلاده واعتبر نفسه غزا العالم بأسره ورفض، أيضا، الإدلاء بأحاديث صحافية ما لم تشاركه هذا الاعتبار. حين تأخر قيام هوليوود بتقديم عرض آخر له لفيلم ثان، صرّح بأنه هو الذي يرفض العروض لأنها تريد تشويه «صورة العربي». لاحقا ما ظهر في دور قرصان في مشهدين يقعان في نهاية الفيلم. الأول، له وهو جالس إلى طاولة اجتماعات، والثاني وهو واقف خلف بطل الفيلم. لا أذكر في أي من هذين المشهدين قال كلمة واحدة، ولا أذكر ما هي: هل هي «نعم» أو «لا».

* مشترو التذاكر
* الطموح مشروع والحلم كذلك. ما هو غير مشروع هو القفز في الهواء واعتبار أن الممثل حقق «العالمية» بمجرّد ظهوره في فيلم ما. أحد الممثلين الذين ظهروا في أكثر من فيلم «عالمي» يفهم اللعبة ويدرك أهمية التواضع، وهو عمرو واكد الذي شوهد مؤخرا يؤدي دور رئيس في البوليس الفرنسي في فيلم «لوسي» والذي يقول لنا:
«هي مسألة مخادعة. من ناحية قد يكون الفيلم عالميا بالفعل. وقد يكون دورك رئيسيا بالفعل، لكن هذا لا يكفي لأن تعتبر نفسك ممثلا عالميا. تراكم الأدوار في الأفلام العالمية سيضعك على الطريق الصحيح، لكن بالنسبة إلي أعتقد أن الممثل العالمي هو الذي يستطيع الإنتاج الاتكال عليه لجذب الجمهور إلى السينما وحتى الآن لا وجود لمثل هذا الممثل في السينما العربية. عمر الشريف كان أول وآخر ممثل من هذا النوع ولفترة معيّنة».
التعريف الذي يذكره الممثل المصري صحيح تماما ويكشف عن مفهوم العالمية الفعلي الذي يختلف عن مفهوم الكثيرين له.
العالمية ليست الظهور في دور في فيلم أميركي أو أوروبي، ولا حتى إخراج فيلم ناطق بغير لغة الأم وربما بتمويل غربي كما الحال في الكثير من الحالات. إنها الوضع الذي يؤول إليه المخرج أو الممثل (أو الكاتب أيضا) إذا ما استطاع اختراق نجاح تجاري كبير. لا يهم ما نوع الفيلم، ما رسالته، أين تقع أحداثه ومن هم المشاركون فيه، بل إذا ما كان المشاهد الأميركي والبريطاني والإماراتي والإيطالي والأسترالي سيشاهده أم لا. إذا ما كان الفيلم سينجز نجاحا بين مشتري التذاكر أولا وإلى حد بعيد.
في هذا الخصوص، ومع التقدير الكبير لأفلام المخرج الفلسطيني إيليا سليمان ولموهبته هو ذاته وللنجاح النقدي الذي حققه عندما اشترك في مهرجان «كان» أكثر من مرّة، إلا أنه ليس مخرجا عالميا بالمعنى الكامل. الواقع، هو أن هذا الوصف تحقق مع مخرجين عرب قلّة بينهم الراحلان مصطفى العقاد ويوسف شاهين، وتحقق مع الأول أكثر مما تحقق مع الثاني كون العقاد أنتج سلسلة أفلام هالوويد التي جمعت مئات الملايين من الدولارات. وبذا لم يبلغ عربي النجاح الذي تحقق له بصرف النظر عن التقييم النقدي لأعماله مخرجا أو منتجا.

* شروط فعلية
* المخرج سام قاضي الذي حقق قبل 3 سنوات فيلمه الأميركي الطويل الأول «المواطن» والذي يستعد لتحقيق فيلمه الثاني قريبا، يضيف شروطا أخرى، إذ يقول لنا في هذا الصدد:
«الوصول إلى تحقيق الشهرة العالمية يحتاج إلى موهبة مميّزة وقدر كبير من الشجاعة ومعرفة واسعة وصبر عظيم. وعليك أن تتذكر أنك تتنافس مع كل العالم ما يعني أن الاحتمالات محدودة جدا ولو أنها ممكنة».
وهو يرى، من واقع تجربته وكونه يعيش ويعمل في الولايات المتحدة، أن التطور المبهر على صعيد قنوات التواصل التقنية جعلت العالم قرية صغيرة جدا: «هذا النمو يفيد صانعي الأفلام كثيرا من حيث قدرتهم على توسيع رقعة الجمهور وحجمه. حاليا، قد يتم اكتشاف مخرج شاب عبر شريط قصير يبثّه على (يوتيوب) فإذا به يصبح المخرج الساخن المقبل لهوليوود. لذلك فإن كلمة (عالمي) أصبحت أسهل وصولا بالنسبة للفنانين بصرف النظر عن هوياتهم».
لكن ماذا عن المخرجين العرب الذين ينطلقون صوب مهرجانات أميركية (مثل صندانس) وأوروبية (برلين، كان، فينيسيا الخ…) ماذا عن أحمد ماهر الذي عرض «المسافر» في فينسيا ويسري نصر الله الذي عرض أفلامه في «كان» و«تورونتو» (من بين أخرى) ونادين لبكي ورشيد مشهراوي ومحمد خان وهاني أبو أسعد وميشيل خليفي وحتى الكويتي خالد الصدّيق في أبهى أيامه عندما حقق في أواخر الستينات «بس يا بحر»؟ ماذا عن مخرجين عدّة في تونس (رضا الباهي) والجزائر (محمد لخضر حأمينا) والمغرب (نبيل عيوش)؟
كل هؤلاء، وسواهم كثيرون، أنجزوا أفلاما عرضت في المهرجانات وعرفت إعجابا نقديا جارفا. بعضهم، مثل الباهي ولبكي وأبو أسعد و(سابقا) مارون بغدادي، عرضوا أفلامهم في بعض الصالات التجارية خصوصا في فرنسا. السؤال هو إذا ما كان وصف «العالمية» يشملهم بالفعل.
الحال أن الشرط الفعلي للعالمية، وهو أن يصبح الممثل أو المخرج أو الكاتب، مطلوبا لذاته وذلك تعبيرا عن نجاحه في الوصول إلى الجمهور السائد، يجعل من الصعب اعتبار معظم الأسماء الواردة عالمية. هي معروفة لدى مبرمجي المهرجانات ولدى فريق من الجمهور الذي يؤم المهرجانات، لكن هذه المعرفة لا تؤمن الشرط الفعلي للعالمية.
على ذلك، فإن هناك تفاوتا في هذا الوضع.
رشيد بوشارب (الجزائري الأصل) ينجز أفلامه في فرنسا وبعضها تم إنجازه في بريطانيا («لندن ريفر») وآخرها في الولايات المتحدة («رجلان في المدينة») وكلها عرضت في مهرجانات وأحيانا في أسواق تجارية.
اللبنانية نادين لبكي عرفت نجاحا تجاريا كبيرا لفيلمها الأخير، كمخرجة، وهو «هلأ لوين»، كذلك فعل التونسي الأصل عبد اللطيف قشيش في العام الماضي بفيلمه «الأزرق أكثر الألوان دفئا». والفلسطيني هاني أبو أسعد حالفه النجاح عندما حقق فيلمه «الجنة الآن» قبل بضع سنوات.
على ذلك كلّه، المسافة ما زالت كبيرة بين أي من هؤلاء وبين العالمية بمفهومها الإعلامي والتجاري الواسع. بين نجاح التجربة الفردية ونجاح التجربة الشاملة.
وما يحدث في هذا النطاق على صعيد المخرجين، يحدث أكثر منه على صعيد الممثلين: هناك «نجم» عربي تحقق أفلامه نجاحا ما بين المغرب والبحرين، لكن لا وجود لمن يستطيع أن يبيع تذكرة واحدة في الغرب.

* على الطريق
* السينمائيون العرب (أو من ذوي أصول عربية) الذين حققوا انتشارا واسعا في الـ12 شهرا الماضية هم:
1 هاني أبو أسعد: مخرج فلسطيني وصل إلى ترشيحات الأوسكار الأخيرة.
2 عمرو واكد: ممثل مصري في أدوار أولى ومساندة آخرها عالميا «لوسي» أمام سكارلت جوهانسن.
3 جيهان نجيم: مخرجة مصرية حققت «الميدان» الذي وصل إلى ترشيحات الأوسكار في قسم الفيلم التسجيلي.
4 رشيد بوشارب: جزائري - فرنسي عرض «رجلان في المدينة» في مهرجان برلين.
5 هيام عبّاس: ممثلة فلسطينية تعيش وتعمل في باريس مثّلت في عدد كبير من الأفلام مؤخرا.