السعودية: جدل حول جدوى دفع 30% من قيمة العقار عند الشراء بالتقسيط

انقسم الشارع العقاري السعودي حول قرار مؤسسة النقد العربي السعودي القاضي بضرورة توفير 30 في المائة من قيمة العقار عند الرغبة في شرائه عن طريق التمويل العقاري، الذي بدأ تطبيقه فعليا أمس، فمنهم من بارك القرار بصفته طريقة مثالية لتقنين التمويلات الممنوحة من قبل البنوك، والمحافظة على أسعار العقار، والابتعاد عن التضخم، والنأي بالسوق عن الوقوع في أزمة عقارية سبق أن ضربت أميركا وأثرت سلبا في اقتصادها، وتقسيم الطلبات العقارية وحجمها حسب دخل وقدرة المشتري، أما المعارضون فقد أكدوا أنها ستحجب شريحة كبيرة من المشترين الذين يغلب على معظمهم صعوبة توفير الدفعة.
كما تحدث عدد من المطورين العقاريين عن سلبية القرار بالنسبة لهم، حيث إنه سيلقي بظلاله سلبا على الطلب، في الوقت الذي تكافح فيه الحكومة بالشراكة مع القطاع الخاص لتلبيته، بالإضافة إلى أن القرار سيدفع بالتضخم لتحقيق مزيد من الارتفاعات الجديدة؛ نتيجة اعتماد السوق العقارية على شريحة معينة، سيضطر التجار للضغط عليها لتحقيق الأرباح، إلا أن القرار في مجمله إيجابي، لأنه سيهذب القطاع العقاري، خصوصا فرع الشراء بالآجل، وسيمنع حدوث فقاعات اقتصادية مستقبلا.
وقال عبد اللطيف العبد اللطيف، الخبير العقاري: إن هذا القرار إيجابي بشكل كبير؛ حيث سيحد من تزايد أسعار العقار، وسيخفض أسعار الوحدات السكنية، كنتيجة لضعف الطلب الذي سيبلغ مستويات جديدة، خصوصا أن معظم المشترين بنسب تتجاوز الـ80 في المائة يعتمدون على التمويلات المختلفة، خصوصا العقارية، والنسبة المتبقية هي التي تبني على شكل مراحل، ولا تلجأ إلا للقروض الشخصية ذات الـ5 سنوات، لأن فوائدها تكون أقل وبشكل كبير بالنسبة للقروض السكنية التي تعتمد على نسب أرباح عالية تزيد أعباء المواطنين.
واستغرب العبد اللطيف عدم تحديد نسب أقل للقروض العقارية، واكتفاء مؤسسة النقد بتحديد دفعة التمويل، حيث إن الفوائد عالية، وتصل إلى نصف التمويل، وكلما زادت مدة الأقساط زادت الفائدة، وأغرقت المواطن في دوامة جديدة من الالتزامات، موضحا أن القرار سيلقى معارضة شديدة من المطورين العقاريين والبنوك، الذين سيتضررون بشكل كبير في المستقبل القريب من هذا القرار الذي سيخدم القطاع بشكل عام، وسيضر شرائح غير مؤثرة، وسيكون هذا القرار بمثابة المنظم لميزانية الفرد عند رغبته في الحصول على تمويل عقاري.
يشار إلى أن القرار تم إعلانه مؤخرا، ونشرت «ساما» موعد تطبيقه، وهو بداية السنة الهجرية المقبلة، بمعنى أن المؤسسة لم تتردد كثيرا عند الرغبة في تطبيقه، حيث لا يفصل بين تداول الخبر وموعد تطبيقه الفعلي أكثر من 3 أشهر وهي فترة بسيطة بالنسبة لقرار كبير ومؤثر مثل هذا، إلا أنه سيكون في مصلحة المواطن، خصوصا الذي لا يستطيع تحديد احتياجاته أو القدرة المالية له عند الرغبة في الحصول على التمويل العقاري.
وفي السياق ذاته، أكد عبد الله المحيسن، الذي يمتلك مكتبا للاستشارات العقارية، أن إقرار القرار هو بمثابة النأي بالسوق عن تكرار التجربة الأميركية في التمويل العقاري، التي انتهت بتحمل البنوك والمطورين خسائر فادحة، بل وأثرت سلبا في الاقتصاد ككل، لافتا إلى أن القرار حركة ذكية من قبل مؤسسة النقد التي أرادت منذ البداية ضمان حقوق الجميع من مواطنين وجهات التمويل وحماية الاقتصاد الوطني، من خلال توفير ما قيمته 30 في المائة من قيمة العقار، للحصول على 70 في المائة المتبقية، وهي أفضل طريقة لتقنين القروض والحفاظ على محافظ الإقراض وميزانية البنوك التي سيستنزف جزء كبير منها في التمويلات العقارية، التي لو تعثرت مستقبلا أو انخفضت بشكل كبير نتيجة تعثر السداد، فإنها ستكون بمثابة الطامة الكبرى التي لن ينجو منها الاقتصاد على أي حال.
وحول رؤيته لمستقبل العقار، أشار المحيسن إلى أن الأسعار ستشهد انخفاضا كبيرا نتيجة نزول الطلب، وهو الأمر الذي يحتاجه القطاع العقاري أكثر من مجرد توفير السيولة، خصوصا في ظل الإصلاح الحكومي للملف العقاري الذي يتزعم الملفات الأكثر تعقيدا على الإطلاق، متوقعا أن يشهد القطاع العقاري مرحلة جديدة من الكساد، يصاحبها نزول جديد في الأسعار، وهو ما تحاول «ساما» رسم ملامحه عبر مساهمتها في القضاء على التضخم وارتفاع الأسعار عبر هذه الخطوة، مختتما حديثه بأنه من المستحيل أن يتم الموافقة على قرار يحوز إعجاب الجميع، إلا أنه يعتقد أن المستفيد الأكبر من القرار هو المواطن الذي لا يدرك أنه وضع لحمايته أولا وأخيرا، خصوصا أن نسبة كبيرة من المواطنين تجهل كيفية التعامل مع القروض، استنادا إلى وضعه وملفه المالي الخاص به.
وأشارت توقعات اقتصادية إلى أن مؤسسة النقد فرضت هذا القرار، عندما رأت تحركات المواطنين بصورة ملحوظة للحصول على العقار بأي طريقة مهما كانت عواقبها، في ظل إسهاب البنوك في إعطاء القروض دون دفعة أولى أو حتى دراسة وضع العميل بشكل كامل، وأن معظم تركيزها يكون فقط على مدخول طالب القرض وليس وضعه وظروفه؛ مما قد يدخل المواطن في دوامة من الديون قد تلاحقه بعد سنوات قليلة من الشراء، وذلك لاهتمامه بالحصول على المسكن دون تفكيره في السداد أو تحمل الأعباء، أو النظر في الحالة، خصوصا أن مدة التمويل العقاري طويلة وتصل إلى 30 سنة.
من جهته، أكد تركي الدباس، المدير التنفيذي لشركة الدباس العقارية، أن هذا القرار له انعكاسات سلبية عليهم كمطورين عقاريين، حيث أشار إلى أن القطاع لم يسجل أرباحا تذكر إلا بعد إقرار التمويل العقارية في السنة الأخيرة، فما بدأوا في تحقيق الإيرادات حتى قطع عليهم القرار الجديد الطريق، خصوصا أن معظم المشترين يقومون بالشراء عن طريق البنوك بالمبلغ كاملا، إذ إنه من النادر أن يقوم الشخص بسداد دفعة أولى لذلك؛ ما يعني أن الطلب سيكون منخفضا، خصوصا في السنوات الأولى لمن لم يمتلك الدفعة الأولى، وهم السواد الأعظم من الراغبين في تملك المساكن.
وأضاف: لم يراع القرار حال المطورين العقاريين وارتباطهم بعقود، فبعضهم يفضل طريقة الدفع لشركات المقاولات بالآجل، ما قد يوقعهم في حرج كبير مع شركائهم الذين بدأوا الدخول في مشاريع حكومية على حساب التجارية، في ظل تخبط الثانية»، وأعرب الدباس عن أسفه لحال القطاع العقاري الذي بدأ فعليا فقد المستثمرين فيه، خصوصا المعتمدين على المشاريع التجارية السكنية، وأن الشركات التي استطاعت الدخول في مشاريع الحكومة هي فقط الرابح الأكبر مما يحدث في السوق خلال السنوات الأخيرة، في الوقت الذي بدأت فيه الأسهم النهوض مرة أخرى.
ومع بداية العام الهجري المقبل، قررت مؤسسة النقد العربي السعودي عبر لائحة التمويل العقاري تحديد الدفعة الأولى للباحثين عن تملك السكن بنظام التقسيط، من خلال دفع 30 في المائة من القيمة العامة للعقار، على أن يتم منح النسبة المتبقية من شركات التمويل أو البنوك التي حصلت على رخص التمويل العقاري من المؤسسة.