مانشستر سيتي مازال بارعاً رغم انكشاف نقاط ضعفه

جاء أداء مانشستر سيتي أمام جاره يونايتد في إطار بطولة كأس الرابطة الإنجليزية، ثم الانتصار الكاسح على إستون فيلا 6 - 1 بالدوري، ليذكر الجميع بقوة الفريق الذي يقوده الإسباني جوسيب غوارديولا.
قدم مانشستر سيتي أداءً رائعاً خلال مواجهته أمام مانشستر يونايتد التي انتهت بفوزه 3 - 1 في ذهاب كأس رابطة المحترفين الثلاثاء، وأكد هذا التفوق العرض الأكثر قوة أمام إستون فيلا، الأحد، والخروج منتصراً بنصف دستة أهداف.
خلال المباراتين، بدا مانشستر سيتي بقيادة المدرب غوارديولا في أفضل حالاته وانطلقت عناصر الفريق تصول وتجول وتمرر الكرة ببراعة عبر أرجاء الملعب، ما أصاب لاعبي الخصم بحالة من الدهشة والتخبط. في مواجهة الغريم والجار يونايتد نجح سيتي في علاج أداء مانشستر سيتي في مواجهة الهجمات المرتدة التي منحت ماركوس راشفورد فرصة دك حصونهم من قبل في مواجهة بين الفريقين في الدوري الممتاز مطلع ديسمبر (كانون الأول). أيضاً، بفضل الأداء المتألق لمانشستر سيتي تلاشت فكرة أنه فريق يعاني حالة من التراجع قد لا ينجو منها.
عندما تبدأ فرق عظيمة في الترنح، يصبح من الممكن أن تنهار فجأة. وفي الوقت الذي جابه فيه مانشستر سيتي صعوبة واضحة أمام مانشستر يونايتد وولفرهامبتون واندررز (مجدداً) ونيوكاسل يونايتد خلال مواجهات الدوري الممتاز، بدا من المحتمل أن يكون الفريق قد أوشك على نهاية عمره الافتراضي. وبالفعل، بدأ البعض يستشهد بما عرف باسم «قاعدة السنوات الثلاث» التي صاغها بيلا غوتمان، المدرب المجري الشهير، الذي رأى أنه عندما يبقى مدرب ما مع نادٍ لأكثر من 3 سنوات، يميل اللاعبون إلى الشعور بالملل والرضا المفرط عن أنفسهم، في الوقت الذي يشرع فيه الخصوم في صياغة استراتيجيات مضادة.
في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز، يعد السير أليكس فيرغسون، الوحيد الذي حصد لقب بطولة الدوري 3 مرات متتالية (مرتين). وبذلك يتضح أن الحفاظ على نهم اللاعبين تجاه البطولات والإنجاز أمر شاق للغاية - وربما تتفاقم هذه الصعوبة داخل مانشستر سيتي بالنظر إلى كثافة وحدة وتيرة الأداء. في الواقع، يمكن أن يشعر اللاعبون بالإنهاك بسبب خوض مواجهات دونما هوادة، وكانت هناك همهمات مستمرة صادرة من داخل مانشستر سيتي خلال الصيف حول أن غوارديولا يفرض وتيرة مكثفة وحادة للغاية، حتى قياساً بمعاييره هو. ومن الممكن أيضاً أن يشعر غوارديولا نفسه بالإنهاك بسبب الجهود الضخمة التي يبذلها كي يكون هو المدرب نفسه الذي حقق النجاحات بالبداية، وأن يبقى منافساً باستمرار في بطولة مفرطة الحدة والنشاط.
تجدر الإشارة هنا إلى أنه بعد 4 سنوات مع برشلونة، بدا غوارديولا منهكاً للغاية لدرجة أنه احتاج عاماً كاملاً للاسترخاء بعيداً عن كرة القدم. وبعد 3 سنوات له في بايرن ميونيخ، احتفل لاعبو الفريق الألماني علانية بالوتيرة الأكثر هدوءاً التي أقرها خلفه كارلو أنشيلوتي. المؤكد أن عبقرية غوارديولا ليست دونما ثمن. واليوم، تزداد التساؤلات حول ما إذا كان مانشستر سيتي يشهد هو الآخر حالة مشابهة من الاستنزاف بالنظر إلى هشاشته الصادمة خلال الفترة الأخيرة أمام الهجمات المرتدة. والملاحظ أن لاعبي مانشستر سيتي فقدوا استحواذهم على الكرة هذا الموسم لصالح هجمات مرتدة سريعة عدداً من المرات يفوق مجمل الموسم الماضي. وبدا واضحاً أن لاعبي مانشستر سيتي الذين فقدوا تفوقهم الواضح عن الفرق المنافسة، الذي اتسموا به خلال الموسمين الماضي، أصبحوا الآن يواجهون مشقة في الضغط بالحدة نفسها على الخصوم.
ومع ذلك، تدحض الإحصاءات هذه الانطباعات، ذلك أن الأرقام الصادرة عن مؤسسة «أوبتا» - المتعلقة بمعدلات الضغط على الخصوم وتمريرات الخصوم المسموح بها أمام كل تحرك دفاعي ومدى تقدم النقطة التي يبدأ عندها الخصوم هجماتهم - تشير إلى أن مانشستر سيتي على الدرجة ذاتها من البراعة أو أفضل عن الموسم الماضي. اللافت هنا حقاً حجم التحسن الكبير الذي طرأ على أداء فرق أخرى، خصوصاً ليفربول. ومع هذا، ثمة تقدم لافت في أداء ليستر سيتي وساوثهامبتون وتشيلسي فيما يخص جوانب إحصائية بعينها. وربما يكون الاختلاف الحقيقي هذا الموسم أن الفرق المنافسة أصبحت أكثر جرأة إزاء الضغط على مانشستر سيتي.
أو ربما يتعلق الأمر ببساطة بأكثر الأسباب كلاسيكية: مدى براعة اللاعبين. الحقيقة أن الإخفاق في إيجاد لاعب بديل ليحل محل قلب الدفاع فنسنت كومباني، حتى مع تنحية سماته القيادية المهمة جانباً، كان مقامرة لا داعي لها تركت مانشستر سيتي معرضاً للخطر حال تعرض أميريك لأبورتي للإصابة، الأمر الذي حدث بالفعل نهاية أغسطس (آب).
وتفاقمت المشكلة بسبب ثقة غوارديولا المحدودة، على ما يبدو، تجاه كل من نيكولاس أوتيمندي وجون ستونز. وترتب على ذلك بالتالي الدفع بفرناندينو في عمق أبعد ليلعب في مركز لاعب خط وسط مدافع، بالنظر إلى انكشاف رودري ربما في وقت مبكر عن المتوقع.
الملاحظ أن مركز الظهير الأيسر شكل دوماً مشكلة على امتداد فترة عمل غوارديولا. وربما لو نجح بنجامين مندي في الحفاظ على لياقته المرتفعة، سيهيمن نهاية الأمر على هذا المركز، لكن في الوقت الحالي تظل مهمته الأساسية في الفريق على ما يبدو أنه ملك «واتساب». وعلى مدار الأعوام الثلاثة ونصف العام التي قضاها غوارديولا داخل مانشستر سيتي، أنفق النادي 185 مليون جنيه إسترليني على مركز قلب الدفاع. ومع هذا، يبقى كايل والكر المصدر الوحيد للأداء المتناغم في هذا المركز.
بالتأكيد، لا يمكن لجهود ضم لاعبين جدد أن تأتي نموذجية، وكان مانشستر سيتي على وجه التحديد أفضل عن غالبية الأندية الأخرى على هذا الصعيد، لكن تبقى هذه المسألة مصدر قلق، خصوصاً أنها تبدو متماشية مع توجه عام بمجال الصفقات الجديدة يتسم به أسلوب تدريب غوارديولا. الملاحظ أن مجموعة من اللاعبين شديدي البراعة (زلاتان إبراهيموفيتش وألكسندر هليب ودميترو تشيغرينسكي وألكسيس سانشيز والمهدي بن عطية) وجدوا صعوبة كبيرة في التكيف مع أسلوب غوارديولا. ومن زاوية ما، يبدو هذا أمراً متوقعاً، بالنظر إلى أن جزءاً مما يجعل المدرب الإسباني عظيماً للغاية أنه يباشر مهمته على نحو غير تقليدي تماماً.
وإذا تمكنت الفرق الأخرى من التكيف مع هذا الأسلوب بسهولة، فإن أعداداً أكبر بكثير من الفرق ستلعب على هذا النحو.
ومع أن الأسلوب الذي نجح من خلاله وولفرهامبتون واندررز ومانشستر يونايتد ونوريتش سيتي وليستر سيتي في تسجيل أهداف في شباك مانشستر سيتي عبر هجمات مرتدة لا يزال العنصر الأبرز العالق في الأذهان، فإن مجمل مستوى دفاع الفريق يبدو أدنى مستوى الموسم الحالي. وتكشف الأرقام أن شباك مانشستر سيتي تتعرض لـ7.95 كرة مصوبة عليها في المباراة الواحدة هذا الموسم مقابل 6.26 الموسم الماضي. في الوقت ذاته، فإن الأرقام المتعلقة بالأهداف المتوقعة توحي بأن مانشستر سيتي لا يقدم على انتهاز الفرص بالصورة المتوقعة، وجاءت النتيجة في تعرض مانشستر سيتي لـ5 هزائم خلال النصف الأول من الموسم وخسارته شبه المؤكدة للقب.
ومع ذلك نجد على الجانب الآخر أن مانشستر سيتي حصد 44 نقطة من 21 مباراة، الأمر الذي حتى وقت قريب كان ليبدو أداءً مفيداً لفريق ينافس على البطولة. وإذا استمر مانشستر سيتي في حصد النقاط بالمعدل الحالي، فإنه سينجز الموسم بذلك بإجمالي 80 نقطة. والحقيقة أن هذا أقل بكثير عن الـ100 والـ98 نقطة التي حصدها الفريق الموسمين الماضيين. وحتى إذا فاز الفريق في جميع المباريات الـ16 المتبقية له، فإنه سيبقى على مسافة 5 نقاط عن عدد النقاط القياسي الذي حصده موسم 2017 - 2018. إلا أنه ستكون صدمة كبيرة بالتأكيد إذا خسر الفريق 5 مباريات أخرى في النصف الثاني من بطولة الدوري. وتخيل لو أن اثنتين من هذه الهزائم تحولتا إلى فوز، كان ذلك سيعني فوز الفريق بـ86 نقطة التي كانت تكفيه للفوز ببطولة الدوري 4 مرات خلال المواسم الـ10 الماضية.
الحقيقة أن المشكلة هنا لا تتعلق بمانشستر سيتي على وجه التحديد بقدر ما تتعلق بالمعايير التي تفرضها المستويات العليا من كرة القدم الحديثة. والواضح أن العالم الذي يلزم في إطاره حصد 95 نقطة للفوز ببطولة الدوري، ليس صحياً على الإطلاق.
وموجز القول أنه رغم التراجع البسيط في أداء مانشستر سيتي، فإن مباراته أمام يونايتد بكأس الرابطة ومن بعدها مواجهة فيلا جاءت بمثابة تذكير للجميع بأن الفريق لا يعاني في جوهره كثيراً من المشكلات، وأن لاعب قلب دفاع بارع قادر على إحداث فارق ملموس في النتائج. والواقع يشير إلى أن التفوق المستمر لليفربول هو ما جعل موسم مانشستر سيتي حتى الآن يبدو على هذه الدرجة من الخفوت.