العلاقة مع الصين العامل الحاسم في انتخابات تايوان اليوم

لتايوان حكومة منفصلة منذ عام 1949، عندما فرّ القوميون الصينيون إلى الجزيرة عقب خسارتهم الحرب الأهلية وانتصار الحزب الشيوعي. وتعتبر بكين تايوان، تلك الديمقراطية التي تتمتع بحكم نفسها بنفسها، جزءاً من أراضيها وهددت باستعادة الجزيرة بالقوة حال اتخذت تايبيه أي خطوات رسمية نحو الاستقلال.
في يناير (كانون الثاني) من عام 2019، نددت الرئيسة الحالية لتايوان، تساي إنج ون، بخطة الرئيس الصيني شي جينبينغ، لإعادة الجزيرة تحت مظلة بلاده، أي تحت النظام نفسه الذي تخضع له هونغ كونغ، المستعمرة البريطانية السابقة، والتي عادت إلى سيطرة الصين في عام 1997.
من المرجح أن يعيد الناخبون في تايوان انتخاب تساي إنج ون، لولاية ثانية في الانتخابات المقررة اليوم (السبت)، حيث ترتقي السياسية المحنكة موجة من المشاعر المناهضة لبكين، مدفوعة بالخطاب السلطوي الصيني على خلفية الاحتجاجات الجارية في هونغ كونغ.
وتقدمت تساين (63 عاماً) التي تنتمي لـ«الحزب الديمقراطي التقدمي» الوسطي الحاكم، والذي يميل نحو الاستقلال، بجدارة على منافسها الرئيسي هان كو يو (62 عاماً) الذي ينتمي لـ«الحزب القومي الصيني»، اليميني الموالي لبكين، في أغلب استطلاعات الرأي. وسعى مرشحو الانتخابات الرئاسية جاهدين إلى استقطاب الناخبين في اليوم الأخير للحملات الانتخابية أمس (الجمعة)، بالتأكيد على قضايا التعليم والاقتصاد والصحة، لكن قضية السيادة وعلاقات تايوان مع الخصم اللدود، الصين، تعد العامل الحاسم في هذا الأمر.

ويبلغ عدد المسجلين في الجداول الانتخابية في تايوان 3.‏19 مليون ناخب ممن تجاوزوا العشرين عاماً، بينهم 18.‏1 مليون ناخب شاب يدلون بأصواتهم للمرة الأولى. ويتعين على الناخبين اختيار رئيس جديد للبلاد، وأعضاء البرلمان البالغ عددهم 113 نائباً.
وخلال فعالية انتخابية للحزب الديمقراطي التقدمي الوسطي الحاكم، قالت رئيسة تايوان، إن التصويت لصالح معسكرها، هو تصويت من أجل الديمقراطية والحرية. وأضافت، كما أوردت الوكالة الألمانية مقتطفات من خطابها: «إنه يظهر إصرارنا على الدفاع عن بلدنا وسيادتنا». وتابعت الرئيسة بالقول: «تايوان هي الديمقراطية الوحيدة في العالم الناطق بالصينية... العالم يراقب انتخاباتنا». وعززت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في هونغ كونغ، والتي اندلعت في يونيو (حزيران) الماضي - والتي تعود أسبابها إلى حد كبير، إلى المخاوف من أن تقلص بكين الحريات التي تتمتع بها بوصفها منطقة تتمتع بحكم شبه ذاتي - موقف تساي، التي أكدت أن الديمقراطية لا يمكن أن تتعايش مع الاستبداد، وتعهدت بتقديم مساعدات إنسانية لنشطاء هونغ كونغ المؤيدين للديمقراطية.
ويرى المزيد من مواطني هونغ كونغ، تايوان في ظل قيادة تساي، حليفاً مشتركاً لمقاومة بكين. وفي أواخر شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أقر البرلمان في تايوان تشريعاً لـ«مكافحة التسلل»، يهدف إلى مقاومة التدخل الصيني في ديمقراطيتها. كما نظم هان كو يو، مرشح «الحزب القومي الصيني» اليميني الموالي لبكين، والمنافس الرئيسي لتساي، مسيرة أخرى في مدينة كاوهسيونج بجنوب غربي تايوان، وهي المدينة التي انتخب عمدة لها في أواخر عام 2018. وحاول هان، أمس، استمالة الآباء من الشباب للتصويت له في الانتخابات، وذلك من خلال الترويج لأفكاره بشأن التعليم عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك». كما دعت حملته الانتخابية مؤيديه إلى توخي الحذر بشأن أي معلومات مضللة. وقال تشو هسي وي، المتحدث باسم هان، في بيان «نأمل أن نجعل العالم يرى في انتخاباتنا الديمقراطية الحقيقية والنزاهة». ورغم ذلك، فإن زيارته السرية لمكتب الاتصال الخاص ببكين في هونغ كونغ خلال رحلة عمل في مارس (آذار) الماضي، للاتفاق على بيع منتجات زراعية تايوانية، أثارت انتقادات في ذلك الوقت. وقال هان، إنه يجب على تايوان ألا تتنازل عن فرص التجارة مع الصين. وتتلقى الصين نحو 40 في المائة من صادرات تايوان. كما أوضح هان أنه يتفهم «توافق 1992»، المعروف أيضاً باسم «توافق الصين الواحدة»، وهو تفاهم ضمني بين «الحزب القومي الصيني» (الكومينتانغ) وبكين، بأن هناك صيناً واحدة فقط، لكن لكل منهما حرية تحديد ماهية الصين. لكن تساي قالت إن الرئيس الصيني قد مزق التوافق فعلياً، بسبب تصريحاته المتعلقة بتايوان.
وقال وو جيه مين، وهو محلل سياسي وخبير صيني لدى مؤسسة «أكاديميا سينيكا» التايوانية للأبحاث، لوكالة الأنباء الألمانية، إن أغلب المواطنين تقبلوا تدريجياً الإصلاحات السياسية التي نفذتها تساي فيما يتعلق بمعاشات التقاعد والطاقة، وغيرها من الأمور. وتنبأ وو بأن العلاقات المتوترة بالفعل عبر مضيق تايوان، لن تشهد تغيراً حال فوز تساي وحزبها في 11 يناير.
وقال هاو لاي تسوي، وهو مراقب للانتخابات من هونغ كونغ يبلغ من العمر 24 عاماً ويعمل في مجال توريد الأطعمة، لوكالة الأنباء الألمانية: «يجب على التايوانيين الاستفادة بشكل جيد من الانتخابات لاختيار مستقبل تتطور فيه تايوان بحرية». وأضاف أنه يجب على رئيسة تايوان ألا تصدق أبداً «كذبة بكين الجميلة» بشأن مبدأ «دولة واحدة ونظامان» الذي تطبقه الصين في هونغ كونغ. وتابع بالقول «إن التقارب مع الصين سيؤدي إلى أن تصبح تايوان جزءاً من الصين، ولن يكون أبداً تعاوناً اقتصادياً، لكن توحيد تايوان قسرياً». وقال وزير خارجية تايوان جوزيف وو، من الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم، في تصريحات لوسائل الإعلام الأجنبية في تايبيه، الجمعة، إن الحكومة الشيوعية الصينية الاستبدادية تواصل توسعها «من خلال الاستفادة من قوتها الاقتصادية والتأثير على العمليات والتخويف العسكري... ليس هذا أمراً سهلاً». وأضاف الوزير، أنه خلال السنوات الأربع الماضية، نجحت إدارة الرئيسة تساي في توجيه الاقتصاد نحو الابتكار، كما «لقد شرعنا أيضاً في التحول نحو الطاقة المتجددة التي جذبت استثمارات أجنبية واسعة النطاق، خاصة من أوروبا».
وكانت بكين قطعت الاتصالات عبر المضيق بعد فترة قصيرة من تنصيب تساي في مايو (أيار) من عام 2016، ومنذ ذلك الحين، اقتنصت بكين سبعة من حلفاء تايوان، وتركتها بعد أن وصل عدد حلفائها إلى 15 شريكاً دبلوماسياً فقط. تواصل بكين محاولاتها لمنع تايوان من الانضمام للمنظمات الدولية.