«الحسابات المعرفية» تعزز الدور الثقافي للعالم الافتراضي

ما بين حسابات لأفراد، أو مجموعات، تنشر الأخبار، وصور التراث المعماري، والكتب الثقافية، تحاول «الحسابات المعرفية» تقديم محاولات للخروج من الفضاء الافتراضي إلى الواقع، حيث يتسم المحتوى بالجدية والتنوع. وقال خبراء إن «(الحسابات المعرفية) تسلط الضوء على دور مواقع التواصل الاجتماعي في المناحي الثقافية والمعرفية».
فـ«الحسابات المعرفية» لا تستهدف المعلنين، فهدفها فقط نشر المعرفة والمعلومة مجاناً للمستخدمين، وتعزيز المجال العام، بتعزيز التواصل والتفاعل بين أعضاء «السوشيال ميديا»، لذا فهي تمثل الجانب الإيجابي والمضيء لمواقع التواصل الاجتماعي.
رحاب رجائي، أسست حساباً معرفياً لنشر صور التراث المعماري الفريد بمختلف أنحاء مصر، وحسابها على «فيسبوك» يصل إلى نحو 20 ألف متابع، فيما تضم حساباتها الأخرى على «تويتر» و«إنستغرام» آلاف المتابعين. وعن تجربتها. قالت رحاب رجائي لـ«الشرق الأوسط»، «بدأت الفكرة في أنني كنت أقوم بجولات مع أصدقاء للتعريف بالتراث المعماري في مناطق أثرية وتراثية، وفي عام 2012 دشنت الصفحة، حيث أنشر صوراً فوتوغرافية لهذه الأماكن، للتوعية بأهمية وقيمة تراثنا»، مضيفة: «مع طلب أعضاء مواقع التواصل، بدأت أضع معلومات تاريخية ومعمارية عن المباني التي أصورها، بدأت من القاهرة، ثم توسعت في عدد من محافظات مصر، وتحديداً الإسكندرية وبورسعيد».
وتجد رحاب رجائي أن مواقع التواصل الاجتماعي يمكن استغلالها للقضاء على السلبيات، «فالكثير من الحملات التي دشنتها على الصفحة لمنع هدم مبنى تراثي لاقت نجاحاً، وتم بالفعل منع الهدم». ونجحت رحاب في التأثير على المجال العام في المحيط الذي توجه له المحتوى المصور، مشيرة: «تعاونت مع عدد من المبادرات، ومنها، مبادرة الحفاظ على تراث مصر الجديدة، التي تهدف من خلال اللقاءات والجولات حماية التراث المعماري». وتعتبر رحاب رجائي أن «الصورة لها تأثير أقوى بالنسبة لمستخدمي (السوشيال ميديا)، وتحقق الهدف من نشر المعلومة بشكل أفضل».
من الصفحات المؤثرة «كبسولات لغوية»، التي تجتذب المتابعين بشكل ملحوظ، ووصل عدد المتابعين إلى نحو 350 ألف متابع، أسسها الشاعر محمود موسى، لتقديم معلومات حول قواعد اللغة العربية، وإبراز الأخطاء في النحو والإملاء والتشكيل، بشكل يناسب جمهور «السوشيال ميديا» تارة عبر إدخال «الكوميكس»، وتارة عبر «بوست» خفيف الظل. ونجاح التجربة دفع موسى إلى نقل التجربة لأرض الواقع عبر مبادرة «عيادة اللغة العربية»، وهي عبارة عن اسكتشات مسرحية، يصيغها موسى للعرض على خشبة المسرح، وهو عرض تفاعلي حول أبرز الأخطاء اللغوية، التي يقع فيها المتحدثون باللغة العربية الفصحى، حيث يجذب العرض الجمهور للتفاعل بتصحيح الأخطاء اللغوية.
أما صفحة «نادي القراء المحترفين» قد حققت نجاحاً كبيراً، ووصل عدد أعضائها إلى أكثر من 20 ألف عضو. وقال إسلام وهبان، المسؤول عن صفحة «نادي القراء المحترفين»: «تعود الفكرة للدكتور عاطف عبيد، صاحب دار نشر (بتانة)، الذي فكر في أن تكون الصفحة بمثابة نادٍ يجمع محبي القراءة، وتعمل على ترسيخ عادة القراءة بشكل يومي، وتوليت الصفحة منذ 7 أشهر، وكان هدفي جمع قاعدة قراء يعشقون القراءة، بحيث يكون التفاعل بشكل يومي وليس بشكل خامل... ومن خلال الصفحة نتبادل الأخبار الأدبية وقراءات حول أحدث الإصدارات المصرية والعربية»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»، «استطعنا جمع صُناع الكتب من ناشرين وقراء وأصحاب مكتبات في مكان واحد، والهدف هو الاستفادة من النقاشات في إثراء الساحة الثقافية».
في حين أسست الصحافية المصرية، أمل إبراهيم، حساباً على «فيسبوك» يحمل اسمها؛ لكنها تبث عليه يومياً نشرة أخبار، أطلقت عليها «النشرة»، اجتذبت نحو 12 ألف متابع. وتقول أمل إبراهيم عن تجربتها لـ«الشرق الأوسط»، «بحكم عملي أتابع نشرات الأخبار من مختلف وكالات الأنباء، لذا فكرت أن أقدم خدمة للمتابعين، أجمع بها أهم 3 أخبار، ومع نجاح الفكرة، وتشجيع الأصدقاء، بدأت أطورها، ووجدت متابعين ينتظرون النشرة، للتعرف على أهم مجريات الأحداث عبر العالم بشكل مختصر ومبسط». وتطمح أمل في أن تقوم بتحليل أخبار بعينها، أو بث النشرة في مقطع فيديو مع صور، كما تفكر في إطلاق أرشيف أحداث العام، كخدمة للقراء والصحافيين.
وهناك قنوات على «يوتيوب»، من بينها قناة «الروائي» التي أطلقها عمر المعداوي. وحول فكرة تأسيسها. قال المعداوي: «نعرض أهم وأحدث الروايات العربية والأجنبية المترجمة بشكل شيق وقريب من المشاهد، دون مصطلحات فنية أو نقدية معقدة، كمحاولة لتضييق الفجوة بين القرّاء والكتب»، مضيفاً أن «القناة استطاعت أن تحقق انتشاراً في الوسط الثقافي المصري والعربي، وخرجت من النطاق المحلي إلى النطاق الإقليمي والدولي».
وهناك أيضاً صفحات مهتمة بالمحتوى العلمي لمساعدة طلاب الدراسات العليا، انطلقت من المجال العام، لتتحقق عبر الفضاء الافتراضي وتقدم الفائدة، من بينها مجموعة «تيار الأصالة والتجديد» في بحوث الإعلام العربية على «فيسبوك». وقال الدكتور محمد سعد إبراهيم، عميد المعهد الدولي العالي للإعلام في مصر، مؤسس ومنسق «تيار الأصالة والتجديد»، لـ«الشرق الأوسط»، «يضم التيار 2651 أستاذاً وباحثاً في الإعلام، وعلوم الاجتماع، والنفس، واللغة، والسياسة، والقانون، يمثلون 188 جامعة مصرية وعربية، وتقدم المجموعة على حسابها فيديوهات للسيمينارات العلمية، وورش العمل، والمحاضرات، وأحدث الكتب والبحوث في مجال العلوم الإنسانية»، مضيفاً: «أصبحت المجموعة الافتراضية لا تكتفي بما يقدم من مواد ومعلومات؛ بل تساهم في المجال العام بالعديد من الأنشطة».
من جهته، يرى الدكتور وليد رشاد، أستاذ مساعد علم اجتماع الاتصال بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر، أن «مواقع التواصل الاجتماعي أسلوب حياة للعديد من المتفاعلين داخل ساحاتها، وتجمع هذه المواقع في داخلها بين الغث والثمين، وينصب الحديث هنا عن الدور الإيجابي الذي تلعبه في المناحي الثقافية والمعرفية، فالمتأمل لمواقع التواصل الاجتماعي، يدرك أن ثمة حسابات، سواء لأفراد أو مجموعات، تقدم محتوى معرفياً وثقافياً يتسم بالجدية والتنوع».
وقال رشاد لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك شكلين من أشكال المضامين الجدية الرقمية التي تنتشر عبر (السوشيال ميديا)، الأول يتمثل في الكتب الرقمية، حيث تلعب دورها في تقديم المعرفة والمعلومات للباحثين وللقارئ العام بشكل مجاني... والثاني يتمثل في الصور الرقمية، وتتعدد أشكال الصور الرقمية، ومنها، الصور الفوتوغرافية التي تقدم صوراً للحضارة والتراث والأصالة، وتضم الصور الرقمية الفيديوهات، التي تقدم مضامين تعليمية وتثقيفية»، لافتاً إلى أن «هذه المضامين تخاطب جماهير عديدة، بمعنى أنها تخاطب الرجال، والنساء، والأطفال، والشيوخ، والباحثين».
وأشار رشاد إلى «تنوع الأهمية التي تقدمها هذه المضامين، ومنها، أنها تلعب دوراً في تثقيف الفئات الاجتماعية المتنوعة، كما أنها تحافظ على الموروث الثقافي والهوية، وتجمع بين أرباب الاهتمامات الواحدة»، لافتاً إلى أن «مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة للمواطنين، وهي أهم ساحات المجال العام، فهي تلعب دورها في تشكل المجال العام الرقمي، كما أنها تعد في الوقت ذاته، أحد أهم آلياته، وبالتالي تلعب دوراً في الحراك المعرفي... فالمتأمل لبعض حسابات مواقع التواصل التي تقدم مضامين ثقافية هادفة، يدرك أنها استفادت من التشبيك، حيث يتم الاتفاق على تنفيذ بعض الفعاليات الثقافية في الواقع، وهو الأمر الذي يحقق أهدافاً ثقافية مثلى لهذه الصفحات، والأمر برمته مرهون بطبيعة هذه الحسابات من ناحية، والجمهور المتابع لها من ناحية أخرى، والمجال العام الرقمي الذي تتشكل على ساحته».