السعودية: التلويح بالضريبة يثمر انخفاضا نسبيا في أسعار الأراضي لم تبلغه منذ عقد

سجلت أسعار الأراضي الخام في السعودية انخفاضا ملحوظا تجاوز الـ9 في المائة خلال الشهر الماضي الذي تردد فيه إمكانية فرض ضريبة على الأراضي البيضاء، وهي نسبة كبيرة لم يسبق للقطاع العقاري المحلي أن بلغها منذ قرابة العقد، حيث إنه أول مؤشر انخفاض حقيقي ملموس يكون صادرا من جهة حكومية مطلعة، وهي ضربة قوية لمحتكري الأراضي الذين دائما ما يتغنون بثبات أسعارها رغم العزوف الكبير، لكن هذا الانخفاض حدث إجباريا بعد ضغط كبير وعزوف مستمر وقرارات حكومية متتالية هدفت إلى لجم أسعار العقار في السعودية.
ورغم عدم إقرار الضريبة حتى الآن، فإنه بمجرد وضعها كورقة ضغط لوح بها أمام المستثمرين، أدى ذلك إلى انخفاض الأسعار لما يقارب العُشر، ما يفتح تساؤلات أكبر عن جدوى فرضها وتعزيز المزاعم التي تؤكد أن فرض الرسوم هو الحل الأمثل لمواجهة الارتفاعات المتتالية والنزول بالقطاع العقاري إلى مستويات جديدة من الانخفاض، كما أنه من المعلوم أن انخفاض أسعار الأراضي يعد المحرك الأساسي في دعم أي انخفاض مستقبلي قد يطرأ على القطاع العقاري.
طارق آل شهيل، العضو المنتدب لشركة تقادم العقارية، أكد أن مستويات الانخفاض ليست بالمستوى الكبير الذي يتوقعه البعض، إلا أن النسبة البسيطة التي تحدث الآن هي عبارة عن مؤشر مهم للمستقبل الذي سيكون عليه القطاع العقاري، وخصوصا أن المؤشرات العقارية ثابتة ومن الصعب جدا أن تتحرك إلا في مجال الارتفاع، ما يعني أن الانخفاض الحاصل كان من السيناريوهات شبه المستحيلة، إلا أن الواقع الجديد سيجبر الشركات على التعاطي مع الحالة الجديدة، وهي الانخفاض الذي سيدفع بالسوق نحو تحقيق الأرباح عبر كميات كبيرة من حركات البيع والشراء بأرباح قليلة وليس الاعتماد على فائدة كبيرة من بيع قطع صغيرة من الأراضي، وهو النوع الأكثر انتشارا الآن.
ولفت إلى أن المنطق يتحدث بأن الوضع لا يمكن أن يبقى على ما هو عليه؛ لأن الأسعار تفوق قدرات معظم الراغبين في الشراء بمراحل كبيرة، مضيفا أن انتعاش السوق مربوط بمزيد من الانخفاض الذي سيمكن الجميع من التملك، ما سيعكس ازدهارا في الحركة العقارية سيستفيد منه الجميع في ظل فتح الحكومة بالتعاون مع البنوك القنوات التمويلية التي ستضخ كميات هائلة من السيولة، إلا أنها تعطي إشارة عن عهد جديد من الطفرة العقارية بعد أن أعاق ارتفاع الأسعار السوق عن تحقيق أرباح كبيرة.
وتصدرت الشرقية مناطق السعودية في سعر متر الأرض السكنية بـ1118 ريالا للمتر المربع، في حين جاءت منطقة القصيم الأرخص، لتكون الأسعار في الأولى 8 أضعاف الثانية، ما يعكس التفاوت الكبير في أسعار الأراضي السكنية في السعودية، في حين سجلت 7 مناطق تراجعات في أسعار الأراضي السكنية، على رأسها: عسير ومكة المكرمة، حيث تراجع متوسط سعر المتر المربع للأراضي السكنية في «عسير» بنسبة 44 في المائة ليبلغ 604 ريالات في ذي القعدة 1435هـ مقارنة بـ1074 ريالا في شهر شوال من العام نفسه.
من جهته، أكد سعيد الغامدي، الذي يمتلك شركة عقارية خاصة، أن منطقة شمال الرياض هي المسيطر حاليا على نشاط الأراضي المفردة، تليها الأحياء الجديدة القائمة حديثا في شرق العاصمة، أما البقية البسيطة فقد نشطت في الجنوب والغرب، وذلك نتيجة وجود الوزارات والدوائر الحكومية المهمة والشوارع الرئيسة والخدمات الأساسية ومدى جودتها، فكلما ابتعدت عن هذه المميزات قل النشاط الحاصل فيها، خصوصا في الأراضي الواقعة على حدود الرياض من الجهتين الشرقية والشمالية اللتين تشهدان معدلات طلب عالية.
ولفت إلى أن هناك تخوفا يسود بعض المستثمرين في القطاع عن قرب وقوع انخفاض حقيقي سيحدث مفاجأة كبيرة وسيهبط اضطراريا بالأسعار، وهو أمر يرونه كارثيا، وأن التنازل عن بعض المكسب خير من فقد مكاسب أكبر قد يفرضها الواقع في القريب العاجل، خصوصا أنه من المعلوم أن انخفاض أسعار الأراضي هو المؤشر الأول لقرب نزول العقار بشكل عام، خصوصا أن ارتفاع قيمة الأراضي هو المتسبب الرئيس في ارتفاع العقار بشكل عام.
وحول سبب هذا الانخفاض المفاجئ رغم العزوف الذي استمر لسنوات طويلة، أكد الغامدي أن مجرد التلويح بورقة الرسوم أو زكاة الأراضي كان كفيلا بأن يتقهقر العقار المحلي ككل، فهو هش جدا في ثبات الأسعار بالوقت الحالي، ويعيش أوقاتا عصيبة في الإقبال، لذلك لم يكن مستغربا أن تنخفض الأسعار لما وصلت إليه، مؤكدا أنه متفائل لتحقق نسب أكبر من الحاصل حاليا.
وتراجع سعر المتر في مكة المكرمة بنسبة 32 في المائة ليبلغ 863 ريالا في ذي القعدة 1435هـ مقارنة بـ1263 ريالا في شهر شوال من العام ذاته. تأتي هذه التراجعات تزامنا مع الحديث عن فرض رسوم على الأراضي البيضاء. وعلى الجانب الآخر ارتفعت أسعار الأراضي السكنية في 5 مناطق، تصدرتها منطقتا الباحة وجازان بنسبة ارتفاع 84 في المائة و57 في المائة على التوالي.
وفي صلب الموضوع، تحدث بدر التميمي، المستثمر العقاري، عن أن هذا الانخفاض ليس بسبب تجاذبات فرض الضريبة، بل إنه أتى من التجار أنفسهم لتحريك ما يمتلكونه من عقار، فأكثرهم بحاجة ماسة إلى السيولة والأموال في ظل شبه توقف العقار منذ فترات طويلة، خصوصا أن العقار يسير باتجاه متصاعد لم يحقق أي انخفاض منذ فترات طويلة.. «ولن أبالغ إذا تحدثت عن أن هذا الانخفاض لم تشهد مثله السوق منذ قرابة العقد من الزمن»، متوقعا أن تشهد السوق انخفاضا يلامس الثلث متى ما أقر نظام الضريبة، وهو القرار الذي سينعكس بشكل مباشر على الأسعار، أما الانخفاض الحالي فهو مجرد الحصول على بعض السيولة، خصوصا أن العقار لا تحركه الشائعات، بل تحركه الأفعال والقرارات، مبينا أن خفض الأسعار ليس إلا خيارا يجب الخضوع له، خصوصا أن المستثمرين ظلوا صائمين عن تحقيق الأرباح طوال الفترة الماضية، لافتا إلى أن الانخفاض جاء رغبة من المستثمرين في تحريك السوق وفتح جبهات تجارية جديدة تمكنهم من جني الأرباح بشكل مضاعف، وهو ما ستشهده السوق إذا لم يجر اتخاذ إجراءات تقييدية على المستثمرين.
وكانت هيئة كبار العلماء قررت في سبتمبر (أيلول) الماضي إحالة دراسة فرض رسومٍ على الأراضي السكنية الواقعة داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات، إلى المجلس الاقتصادي الأعلى؛ لأخذ المرئيات حول جدوى الدراسة في خفض أسعار العقار، ومن ثم إعادتها إلى الهيئة لمناقشة الحكم الشرعي حولها في دورتها القادمة، وهو القرار الحاسم الذي ينتظره القطاع العقاري السعودي بعده القرار الأكثر تأثيرا على مستقبل السوق العقارية.