ليونغبرغ وضرورة تغيير الحامض النووي لآرسنال

ربما لم يكن من المنصف اتهام أوناي إيمري بأنه لا يملك رؤية محددة خلال قيادته لفريق آرسنال، على النقيض، لقد كان لدى المدير الفني الإسباني عشرات الرؤى، وليس رؤية واحدة ولكن النتائج أحياناً تأتي عكس الطموحات.
على سبيل المثال، سبق لإيمري الاعتماد على أسلوب لعب ثلاثة في خط الدفاع ثم أربعة في الدفاع، وكذلك اثنين في خط الهجوم ومرة أخرى بمهاجم واحد. وسبق له الاعتماد على شكل المثلث أو الألماسة في وسط الملعب بثلاثة لاعبين، وأحياناً كان يلعب دون تمركز أي لاعب بخط الوسط الدفاعي (أو غرانيت تشاكا، الأمر الذي كان يؤدي للنتيجة ذاتها في الكثير للغاية من الحالات). وأحياناً، كان يضغط على المنافس، وأحياناً أخرى لا يضغط. وأحياناً كان يعتمد على خط دفاع متقدم، وأحياناً أخرى متأخر. وبطبيعة الحال، كان التكتيك المميز لآرسنال في ظل قيادته: وقوف لاعبي الفريق محدقين في الفراغ ببلاهة بينما ينطلق لاعبو المنافس بقوة وحماس عبر صفوفهم، قبل أن ينتبه لاعبو آرسنال لما يجري ويشرعون في التفكير فيمن سيلقون عليه اللوم.
ويتكرر هذا الموقف الدرامي المثير للأسى من جانب لاعبي آرسنال عادة خلال الثواني الأولى اللاحقة لاختراق هدف لشباكهم. ويبدو الأمر برمته أشبه بمشهد سينمائي لأجساد مصابة مبعثرة على الأرض تنظر بأعين متألمة وتمد أيديها، بينما تتصاعد حمى الاتهامات ورائحة الخيانة. وبصورة ما، يبدو هذا سمة لطالما ظهرت في صفوف آرسنال قبل تولي أوناي مهمة تدريب الفريق بفترة طويلة. وعلى ما يبدو أنها ستستمر من بعده أيضاً.
لقد ظهر السويدي فريدي ليونغبرغ الكلف مؤقتاً بقيادة آرسنال بديلاً لإيمري على خط التماس وهو في حيرة من أمره عندما شاهد فريقه يسقط أمام برايتون على أرضه 2 - 1 الخميس في المباراة الثانية له بعد الأولى التي تعادل فيها مع نوريتش 2 - 2. وتابع آرسنال نزيف النقاط بعدما فشل في تحقيق الفوز في مباراته التاسعة توالياً في مختلف المسابقات (ستة تعادلات وثلاث هزائم)، ليحتل المركز العاشر برصيد 19 نقطة متساوياً مع شيفيلد يونايتد.
وبالنظر إلى الهدفين اللذين سجلهما تيمو بوكي وتود كانتويل لصالح نوريتش سيتي في شباك آرسنال، وبعدهما هدفي برايتون عبر آدم ويبستر ونيل موباي نقف الآن في انتظار متابعة هذا المشهد الذي أصبح مألوفاً، مع تبادل لاعبي الفريق التساؤلات فيما بينهم حول «أين كنت؟» و«أنا كنت أتولى تغطية هذا، أين أنت كنت؟» وما إلى غير ذلك.
على خط التماس، وقف ليونغبرغ، يتابع فصول المهزلة الجارية داخل أرض الملعب بعينين حسيرتين وشفتين مطبقتين. كان ليونغبرغ قد جرى تعيينه بناءً على معرفته الوثيقة بالنادي، فقد قضى في آرسنال عقداً كلاعب، و18 شهراً أخرى كمدرب للشباب وحظي بإعجاب واسع النطاق. من ناحيته، شرح مدير النادي، جوش كرونكي في تصريحات أدلى بها هذا الأسبوع أن: «فريدي يحمل بداخله الحامض النووي لآرسنال».
ومن وجهة نظر جماهير آرسنال، التي لطالما تحسرت على تراجع مستوى فريقها وفقدانه هويته المميزة في ظل قيادة إيمري، يبدو هذا حديثاً مثيراً للطمأنينة. ومع ذلك، لم يتطوع أحد ليسأل: ما هو تحديداً الحامض النووي لآرسنال؟.
في العقلية الجمعية، ربما يبدو هذا الحامض النووي مكافئاً لكرة القدم الهجومية المهيمنة المعتمدة على رؤية واضحة، وتحمل بصورة ما بصمة هربرت تشابمان ويليام برادي ومارتن كيون وفريق آرسنال «الذي لا يقهر» في عهد آرسين فينغر. والأمر المثير هنا فكرة أن الحامض النووي الخاص بنادٍ معين يمكن زرعها داخل جسد عائل. على أدنى تقدير، تبدو فترة قيادة ليونغبرغ للفريق أشبه بفترة تطهير بعد كابوس إيمري: فترة إعادة توجيه، أو تنشيط، بل وربما تشهد تحسناً مفاجئاً في النتائج يسهم في توفير بعض الوقت لكرونكي ومجلس الإدارة المعاون له.
من ناحيتهم، يصف من سبق لهم العمل ليونغبرغ، المدرب الجديد بأنه شخص يتميز بالفضول والتفكير الحر والذكاء، وأنه يميل بطبعه نحو إدخال تحسينات هادئة على الأداء، وليس إحداث انقلاب عبقري هائل، علاوة على أنه من نوعية المدربين الذين يروق لهم التعمق في العقل الباطن للاعبين واكتشاف ماهية ما يحفزهم. ويمكنك أن تصفه بأنه يتبع توجهاً فرويدياً، إن شئت. ومنذ تصعيده من تدريب فريق أقل عن 23 عاماً إلى الفريق الأول خلال الصيف، من المعتقد أنه ستتاح أمام ليونغبرغ فسحة كبيرة من الوقت للتعمق في شخصيات أفراد فريقه وتقييم مستوى حماسهم. إلا أن ما عاينه هنا، مع انهيار آرسنال وخروجه بنتيجة مذلة تمثلت في التعادل أمام فريق يحتل المركز الـ19 بجدول ترتيب أندية بطولة الدوري الممتاز، ربما أصابه بصدمة بالغة. ومع هذا، لا ينبغي أن يمثل هذا مفاجأة غير متوقعة له.
على سبيل المثال، من اللافت إلى أي مدى يبدو من النادر أن ترى لاعباً في صفوف آرسنال يجري بكامل قوته وبانطلاق داخل أرض الملعب. من وقت لآخر، ربما ترى لاعبي آرسنال يجرون داخل الملعب، لكن في الغالب يبدو الأمر مجرد تأدية واجب روتيني، ليس أكثر. ومن اللافت كذلك مدى قلة عدد الكرات الثانية التي استحوذوا عليها. ومع تشديد نوريتش سيتي الضغط عليهم، من اللافت كذلك حجم التردد الذي أظهره لاعبو آرسنال في تفاعلهم مع لاعبي المنافس: مناورات واهنة بالكرة ومحاولات فاترة للتصدي وتحركات بطيئة مرتعشة. في الواقع، يدافع لاعبو آرسنال على نحو يبدو معه وكأنهم يرون كل أجزاء أجسادهم جزءاً من الوجه!
ومن هنا، تمكن أونيل هيرنانديز من الانطلاق داخل عمق منطقة جزاء آرسنال من مسافة بعيدة للغاية، دون أن يواجه مقاومة تذكر. وكان هناك أيضاً بوكي الذي نجح في خداع ديفيد لويز تماماً وتسجيل الهدف الأول عبر خدعة قديمة تتعلق بتغيير الاتجاهات على نحو مفاجئ. وكان هناك كذلك شكودران مصطفى الذي أشار بيده في تلك الأثناء وعلى نحو مبهم نحو نقطة داخل أرض الملعب ربما كان يتعين عليه شخصياً الوجود بها.
في الواقع، المشكلة الحقيقية هنا ليست الموهبة. ورغم أنه ربما يحلو لجماهير آرسنال الشكوى من أن فريقهم ليس جيداً بما يكفي، لكن عندما تقارن بينهم وبين لاعبي فرق أخرى مثل وولفرهامبتون واندررز وليستر سيتي، ناهيك عن شيفيلد يونايتد أو نوريتش سيتي، يخالجك شعور بأن لاعبي آرسنال يملكون مهارات حقيقية. وجاء هدف التعادل اللذين سجلهما بيير إيميريك أوباميانغ بمثابة دليل على أن هذا الفريق يحظى بأفراد ماهرين لديهم القدرة على إنقاذه من المشكلات التي يقع بها.
وعليه، يبدو الأداء الرديء الذي يقدمه الفريق نتاجاً لغياب الشعور بالالتزام تجاه النادي، ومن بين أعراض هذا الافتقار إلى الشعور بالالتزام لعبة إلقاء اللوم الدفاعي بين اللاعبين. وفي الكثير من الجوانب، يبدو هذا الأمر آفة يعاني منها معظم سكان لندن. ولولا بيرند لينو الملهم، ربما كان نوريتش سيتي ليتمكن بسهولة من تحقيق الفوز. والآن، وصلنا إلى ما يلي: التعادل السابع في غضون 14 مباراة ببطولة الدوري الممتاز، وشعور خفي بأن الحظ ما يزال حليفاً لآرسنال.
وبالتأكيد، لا يبدو أي من ذلك بالأمر الجديد، وربما هذا أكثر ما يثير القلق في الأمر، فالدفاع المهلهل والأهداف السهلة والتمريرات المتقطعة والجري الواهن لا يبدو جديداً على آرسنال. وحتى الآن، يبدو أن هذه هي هوية آرسنال وحامضه النووي. وعليه، فإن مهمة ليونغبرغ الحقيقة ربما لا تكون استعادة هذا الحامض، وإنما تغييره.