المناطق والشرائح الاجتماعية تنصب خيمها وترفع مطالبها وسط بيروت

خيم كثيرة عمّت ساحات الاعتصام في وسط العاصمة بيروت، في ساحتي الشهداء ورياض الصلح، منذ الأيام الأولى للتحركات الشعبية التي نادت بتحقيق مطالب اقتصاديّة واجتماعيّة، ولا تزال أعداد هذه الخيم ترتفع، لتضم فئات أكبر من الناس، تلتقي جميعها على مطالب عامة وموحدة، أهمها تشكيل حكومة تكنوقراط وإجراء انتخابات نيابية مبكرة واستعادة الأموال المنهوبة، رغم أن كلاً منها يتفرد بمطالب خاصة أيضاً.
ويطغى على مشهد هاتين الساحتين تنوع الفئات التي تنتمي إليها هذه الخيم، إذ تضم خيماً لنقابات ومجموعات المجتمع المدني، من بينها «بيروت مدينتي» وحركة «مواطنون ومواطنات» و«التيار النقابي المستقل» و«تحالف وطني» و«المرصد الشعبي لمحاربة الفساد» التي تحول معظمها إلى مساحات مفتوحة للنقاش حول موضوعات تتصل بالتحركات الشعبية والنظام السياسي والمالي والاقتصادي.
ويقول أحد المتظاهرين في خيمة «ثوار برجا» التي نصبت مؤخراً لـ«الشرق الأوسط»: «بالطبع لنا مطالب خاصة إذ إن بلدة برجا (في منطقة الشوف) تعاني من تلوث خطير نتيجة وجود معمل الكهرباء في الجية ومعمل سبلين للإسمنت، ومكبات النفايات العشوائية، ولكن مطالبنا البيئية تتلاقى مع مطالب الثوار لجهة الإصلاحات الواجب على الدولة اتخاذها، ناهيك من أنّنا أيضاً موحدون لجهة مطالب الثورة ككل». ويضيف: «لقد اخترنا القدوم إلى هذه الساحة لتقريب وجهات النظر مع الجميع هنا، والتنسيق لخطوات مقبلة، ولكننا بالطبع لن نترك ساحات برجا أيضاً».
وتوجد في الساحات خيم أخرى، تمثل مهناً وقطاعات وفئات محددة مثل خيمة «حراك العسكريين المتقاعدين» وخيمة المحامين وخيمة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور، وخيمة «التجمع النسائي الديمقراطي» لدعم النساء والفتيات وللحزب الشيوعي، وأخرى تعنى بقضايا بيئية، وخيم نصبت على شكل مطابخ في الساحة للمتظاهرين، وغيرها كثير من الخيم التي يتشارك فيها مجموعة كبيرة من الشبان المستقلين.
وفي خيمة المحامين التي سميت بـ«لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين»، فإنّ «الخيمة وجدت منذ اليوم الأول للتحركات الشعبية، فيها خط ساخن لمتابعة الموقوفين بسبب آرائهم والأحداث التي تقع على الطرقات خلال الثورة»، وفق ما يؤكده المحامي علي عباس لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «نشارك في الساحة كثوار قبل أنّ نكون أبناء مهنة المحاماة، ولدينا نفس المطالب الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية التي ينادي بها الثوار في لبنان». ويروي العميد عفيف سرحال من خيمة «حراك العسكريين المتقاعدين»، كيف انطلق حراكهم قبل ثلاث سنوات بغية تحصيل حقوق العسكريين المتقاعدين في رواتبهم وحقوقهم الوظيفية وفقاً لقانون الدفاع الوطني، قائلاً في حديث مع «الشرق الأوسط» إنّ «هذا الحراك كحراك مطلبي كان الشرارة الأولى لانطلاق ثورة الشباب اللبناني الواعد بتحقيق دولة عادلة وقادرة ودولة مواطنة وليست مزرعة وطائفية».
ويضيف: «منذ اليوم الأول دفعنا باتجاه العقلنة في ثورة الشباب الوطنية، بمعنى المحافظة على الوحدة الوطنية مسلمين ومسيحيين، ووحدتهم مع الجيش الوطني، وعدم السماح لأي أحد بالتسلل داخلهم، وهذا ما حاولنا ترسيخه على أرض الواقع». في المقابل، كان لافتاً جداً وجود خيم تحت مسميات مناطقية، قدم أبناؤها من مناطقهم للمشاركة في اعتصام وسط بيروت المركزي، من بينها خيمة «حراك بعلبك الهرمل - المدني» وخيمة «ثوار برجا» و«شباب طرابلس» و«شباب البقاع»؛ إذ يقول أحد شبان خيمة طرابلس لـ«الشرق الأوسط»: «نحن أكثر من مائة شاب قدمنا من طرابلس لمؤازرة المعتصمين في الساحة، وهناك شبان من طرابلس يشاركون في مختلف ساحات الاعتصام، في جل الديب وصيدا»، مؤكداً أن «مطالبنا واحدة، كما جميع الثوار، تبدأ بإسقاط العهد وتصل إلى الإصلاح العام».
ويقول محمد الحركة القادم من منطقة «قب إلياس» من خيمة «شباب البقاع معاً»، يقول إنّ «رمزية هذه الخيمة هي مشاركة إخوتنا في بيروت اعتصامهم، لأننا شعب واحد».
يروي الحركة معاناة البقاعيين، قائلاً: «نحن في البقاع (شرق لبنان) نعاني حرماناً وفقراً، والدولة لا تلتفت إلينا. الزراعة التي نعتاش منها مهملة جداً بسبب حرامية دولتنا»، لذلك «أتينا لنطالب بحقوقنا، بزراعة منتجة وبطبابة وتعليم وبنى تحتية وخدمات تليق بنا، فنحن نموت على أبواب المستشفيات، التلوث مستشر في الليطاني، ونسبة الإصابة بالسرطان مرتفعة».
من جهة أخرى، يقول أحد المتطوعين في خيمة المطبخ: «نقدم يومياً وجبتي الغداء والعشاء للمعتصمين الذين يبيتون في الساحة، منذ بدء المظاهرات. وهذا المطبخ، هو واحد من ثلاثة مطابخ موجودة في الساحة وتقدم الوجبات لأي متظاهر وحتى المارة»، ويضيف: «نحن نثور على طريقتنا الخاصة».
وتحتوي غالبية الخيم على مقاعد وأغطية نوم وأدوات مطبخ صغيرة تفي حاجة الثوار الأساسية. وفي بعضها رُفعت لافتات كُتبت عليها بعض مطالب المعتصمين، مثل عبارات «حقنا نتنفس هوا نضيف»، «الكهربا لغيرنا والتلوث إلنا»، «معمل الجية هوي معمل الموت»، «40 مليار دولار هدر وسرقة» التي رفعها ثوار خيمة برجا.
وكانت لافتة كثيراً خيمة البقاعيين، التي نقلت في شكلها ومضمونها عادات وتقاليد وتراث أهل البقاع، يتوسطها «منقل» وركوة قهوة، رصفت على جوانبها مقاعد جلوس ذات طراز عربي بشكل دائري، تشبه تلك الموجودة في منازل البقاعيين.
وفي خيمة «أوعى» العابرة للأحزاب والطوائف التي تهدف إلى إيصال الصوت وتجنب أخطاء الماضي، حسبما يقول القيمون عليها، جمعت تواقيع لدعم قضاة لبنان من أجل أداء دورهم في المحاسبة ومحاربة الفساد، ويقول خالد عدنان إنّ «تسمية الخيمة يحمل وجهين، الأول الانتباه لما عشناه سابقاً ومن المخاطر، ومن بداية تشكيل الوعي والمعرفة والإدراك لدى الناس، ما يشكل إجابة عن سبب نزولنا إلى الشارع».
ويضيف خالد في حديث مع «الشرق الأوسط» إن «مطالبنا هي أربعة: قضاء مستقل يعيد أموال الشعب للشعب، ضرائب تصاعدية على المداخيل وأرباح المصارف، نظام انتخابي نسبي خارج القيد الطائفي (على أن يكون لبنان دائرة واحدة) ونظام اقتصادي منتج يعيد السيادة للوطن».