لماذا هذا الملحق؟

تأخذنا وسائل الإعلام حول العالم يومياً في جولة سياحية مجانية بين الخرائب التي طالتها أيدي الإرهاب في كل هذه الأرض الممتدة، من قبل الجماعات المسلحة بمختلف آيديولوجياتها.
عالم ضحاياه من العُمال البسطاء الذين يتناولون إفطارهم في الصباح الباكر على مقاعدهم في الحافلات متجهين لأماكن أعمالهم، ومن الأطفال الذين يذهبون متحمسين للمدرسة لإكمال درس التلوين، وأمهات وآباء يقاتلون من أجل حياة باسمة وآمنة تسمح لهم بتعليق رسومات أطفالهم على دواليب ملابسهم، لا تعليق صورهم في غرف المعيشة يزين زاويتها الشريط الأسود المعبر عن الحزن.
لماذا ملحق أسبوعي متخصص في فهم وتحليل «المنحنيات الأصولية» بكل مستوياتها وتنوعاتها الدينية والراديكالية؟ بعد قرب نهاية السنة الرابعة على ما اصطلح عليه «الربيع العربي»، وصعود موجة الإسلام السياسي المتمثل في جماعة «الإخوان المسلمين»، وما تفتق عنها من «ربيع» آخر للجماعات الأصولية المسلحة سنية كانت أم شيعية.
بات لزاماً على وسائل الإعلام الجادة، والكيانات المحترفة، أن تستعيد زمام المبادرة الثقافية والسياسية والاجتماعية، لتستعيد دورها الرئيس، القائم على «التنوير» المعرفي. تقول الفيلسوفة الأميركية جيوفانا بورادوري في كتابها «الفلسفة في زمن الإرهاب» ما نصه «إنّ آيديولوجيا الإرهابيين المسؤولين عن اعتداء 11 سبتمبر (أيلول)، ترفض الحداثة والعلمانية صراحةً».
وبما أنه قد جرت صياغة هذين المفهومين لأول مرة على يد فلاسفة التنوير فإن الفلسفة مدعوة للتسلح بهما، إذ إنها قادرة دون أدنى ريب على تقديم مساهمة فريدة لتلك الصلة «الجيو - سياسية الحساسة». والحال، يبدو أن منطقة الشرق الأوسط بكل حمولتها الثقيلة من أمية وتطرف ديني، وراديكالية علمانية من قبل جماعات اليسار، أمامها شوط طويل من التنوير قبل الوصول للخيار الديمقراطي القائم على الوعي الفلسفي (الليبرالي) المكون الأصيل للمجتمعات الديمقراطية الحديثة، وليس على الوعي الآيديولوجي الذي يفرز حربا تلد حربا أكثر بشاعة.
التنوير ليس قضية منطقة الشرق الأوسط وحده، بل قضية العالم أجمع مع تحول «الإرهاب» لظاهرة كونية، شارك في صنع تجمعاتها (الإرهابية) أفراد حتى من الدول الأعرق في السلم الديمقراطي. نحاول في هذا الملحق أن نناقش الإرهاب من جميع «منحنياته» النفسية، والاجتماعية، والفكرية، والأصولية، والسياسية،
والاقتصادية، مستشعرين مسؤوليتنا الأخلاقية بصفتنا وسيلة إعلامية عربية عريقة، لم ولن تتثاءب يوماً عن تأدية دورها التنويري القائم على عقلنة السلوك السياسي في المنطقة. وكما قال الروائي الفرنسي «ألبير كامو» يوماً: «نحن لا ننشد عالماً لا يُقتل فيه أحد، بل عالما لا يمكن فيه تبرير القتل لأحد».