غوارديولا بحاجة إلى الفوز بدوري الأبطال مع سيتي ليصبح من المدربين العظماء

على الرغم من تعادل مانشستر سيتي أمام أتالانتا على ملعب سان سيرو، ما زال الفريق الإنجليزي يتصدر مجموعته في دوري أبطال أوروبا، ولا يحتاج إلا إلى نقطة واحدة من مباراتيه المتبقيتين ليحجز مكاناً في دور الستة عشر للمسابقة الأقوى في القارة العجوز. وربما يكون هذا هو الموسم الذي يتمكن فيه مانشستر سيتي من الفوز بالبطولة الوحيدة التي لم يحققها بعد صحوته في السنوات الأخيرة.
وبعدما خسر مانشستر سيتي مباراته الأخيرة أمام ليفربول على ملعب «آنفيلد» بثلاثة أهداف مقابل هدف وحيد وأصبح متخلفاً عن المتصدر ليفربول بفارق تسع نقاط كاملة، يجب على غوارديولا أن يدرك أن إخفاقاته المتكررة في دوري أبطال أوروبا قد بدأت تؤثر على سمعته كمدير فني كبير. وإذا كان المدير الفني الإسباني يرغب في تغيير هذه الصورة، فقد يكون هذا هو الوقت المناسب.
لقد قاد غوارديولا مانشستر سيتي للفوز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز خلال الموسمين الماضيين، بعدما جمع 198 نقطة وحطم الكثير من الأرقام القياسية، بالإضافة إلى فوزه بثلاثة كؤوس محلية وكأسين لرابطة الأندية الإنجليزية المحترفة. وفي إسبانيا وألمانيا وإنجلترا، فاز غوارديولا بلقب الدوري المحلي ثماني مرات في السنوات الإحدى عشرة الماضية، وهو سجل مذهل يجعله أحد أفضل المديرين الفنيين في عالم الساحرة المستديرة. لكن ما الذي يجب أن يحققه أي مدير فني حتى نقول عليه إنه من فئة العظماء؟
إذا كان لقب «مدير فني عظيم» يطلق على المدير الفني الذي فاز بعدد كبير من أقوى بطولة في عالم كرة القدم –دوري أبطال أوروبا– فلا أعتقد إذاً أن غوارديولا يستحق هذا اللقب. وإذا كان هذا اللقب يطلق على المدير الفني الذي يحقق إنجازات كبيرة في ظل موارد مالية محدودة، فإن غوارديولا لم يخضع للاختبار في مثل هذه الظروف من الأساس. وإذا كان هذا اللقب يطلق على المدير الفني الذي يتولى قيادة فريق يترنح ثم نجح في تطوير أدائه وقيادته لمنصات التتويج، فإن غوارديولا أيضاً لم يقم بذلك، لأنه تولى قيادة برشلونة بعد أن كان الفريق قد فاز بلقب الدوري الإسباني الممتاز مرتين في آخر أربعة مواسم، وتولى قيادة بايرن ميونيخ وهو حامل للقب الدوري الألماني الممتاز، وتولى قيادة مانشستر سيتي بعد أن فاز الفريق بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز مرتين في آخر خمسة مواسم، وكانت الأندية التي يتولى تدريبها تنفق بسخاء على التعاقد مع اللاعبين الجدد. وبالتالي، فإن غوارديولا يتولى تدريب أندية جيدة بالفعل لكنه ينقلها إلى مستويات أفضل، فهل هذا كافٍ لكي نقول إنه أحد المديرين الفنيين العظماء في تاريخ كرة القدم؟
وفي المقابل، لم يحقق المدير الفني الحالي لليفربول يورغن كلوب، سوى عدد قليل من البطولات بالمقارنة بغوارديولا، لكنه تولى قيادة نادي ماينز وهو يلعب في دوري الدرجة الثانية بألمانيا وصعد به إلى الدوري الألماني الممتاز ثم قاده للمشاركة في البطولات الأوروبية لأول مرة في تاريخ النادي. وبعد ذلك، تولى كلوب قيادة بروسيا دورتموند الذي كان قد أنهى الموسم السابق في المركز الثالث عشر في جدول ترتيب الدوري الألماني الممتاز وقاده للحصول على لقب الدوري مرتين متتاليتين ووصل به إلى المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا.
وبعد ذلك، حوّل نادي ليفربول إلى ماكينة لحصد النقاط، وحصل الموسم الماضي على 97 نقطة في الدوري الإنجليزي الممتاز وخسر اللقب بفارق نقطة وحيدة، ويتصدر جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز الموسم الحالي بفارق تسع نقاط كاملة عن ملاحقه مانشستر سيتي، ووصل إلى المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا مرتين متتاليتين وفاز باللقب الموسم الماضي. وفاز كلوب بلقب الدوري المحلي مرتين، كلتاهما مع نادٍ واحد وهو بروسيا دورتموند الألماني، لكنه من نواحٍ كثيرة يملك السجل الأكثر اكتمالاً والأكثر إثارة للإعجاب، كما أن سجله على المستوى الأوروبي هو ما يميزه في حقيقة الأمر.
لكن لكي نكون منصفين فإن مانشستر سيتي خرج من دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي بعد الخسارة أمام توتنهام في الدور ربع النهائي بعدما ألغت تقنية حكم الفيديو المساعد (فار) هدفاً حاسماً لرحيم ستيرلينغ في الوقت المحتسب بدل الضائع بداعي التسلل بفارق ضئيل للغاية، في الوقت الذي احتسبت فيه تقنية «فار» هدفاً للاعب توتنهام فرناندو يورينتي كان يجب إلغاؤه لأن الهدف جاء من لمسة يد. ولو اختلفت القرارات التحكيمية المثيرة للجدل في هذه المباراة لتأهل مانشستر سيتي إلى الدور التالي وربما فاز بلقب البطولة بدلاً من الخروج أمام توتنهام بفارق الأهداف. لكن لم يحدث هذا الأمر لمانشستر سيتي مرة واحدة، حيث كانت هذه هي المرة الثالثة في أربعة مواسم التي يخرج فيها غوارديولا من دوري أبطال أوروبا بفارق الأهداف في مواجهتي الذهاب والعودة.
وفي المنافسات الأوروبية، فشلت الأندية التي يتولى غوارديولا تدريبها في تجاوز المباريات الحاسمة، على عكس نادي ليفربول الذي نجح في العودة بعد الخسارة بثلاثية نظيفة أمام برشلونة على ملعب «كامب نو» وفاز برباعية نظيفة على ملعب «آنفيلد» ليتأهل للمباراة النهائية، وعلى عكس نادي توتنهام الذي نجح هو الآخر في العودة بعد الخسارة أمام أياكس أمستردام في هولندا في الدور نصف النهائي، وبالتالي فإن أفضل الفرق يجد وسيلة للفوز وتجاوز المطبات الصعبة، لكن مانشستر سيتي لم يتمكن من القيام بذلك.
وتقول الأرقام والإحصائيات إن غوارديولا فشل في الوصول إلى المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا من دون النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، في حين فاز كلوب باللقب بلاعب مثل ديفوك أوريجي! لقد قاد غوارديولا نادي برشلونة للفوز بالدوري الإسباني الممتاز والكأس المحلية ودوري أبطال أوروبا في موسم 2008 – 2009، وهو أمر لم يفعله أي مدير فني آخر، لكن لويس إنريكي كرر نفس الإنجاز في موسم 2014 – 2015، ولم يقل عنه أحد إنه واحد من أفضل المديرين الفنيين في تاريخ كرة القدم!
وعلاوة على ذلك، فاز المدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو، بدوري أبطال أوروبا مع كل من بورتو البرتغالي وإنتر ميلان الإيطالي وفاز بالدوري المحلي ثماني مرات في أربعة بلدان مختلفة، ومع ذلك يتم وصفه بأنه مدير فني تقليدي ينتمي إلى المدرسة القديمة في عالم التدريب ويعتمد على أفكار عفا عليها الزمن!
إن الإنجازات التي حققها غوارديولا تضعه في مصاف أفضل المديرين الفنيين في أوروبا، لكنني أعتقد أن تولي غوارديولا لنادي برشلونة في ذلك الوقت والذي كان يقدم مستويات تجعله من بين أفضل الفرق في تاريخ كرة القدم على الإطلاق هو الأمر الذي جعل البعض يطلق لقب «عبقري» على المدير الفني الإسباني.
وفي المقابل، يبدو أن بعض الناس يعتقدون أن كلوب يعتمد في المقام الأول والأخير على تحفيز اللاعبين، وأن الفرق التي يتولى تدريبها تعتمد في الأساس على القوة والسرعة، في حين أن غوارديولا يتميز بذكائه الخططي والتكتيكي، لكنني أعتقد أن هذه طريقة غير عادلة تماماً لوصف ما حققه المدير الفني الألماني مع ليفربول. صحيح أن ليفربول أنفق الكثير من الأموال في سوق الانتقالات لتدعيم صفوف الفريق، لكن كلوب نجح وبطريقة استراتيجية ومدروسة في تشكيل مثلث هجومي خطير يمثل تهديداً كبيراً لأي منافس، وتعاقد مع أفضل مدافع في عالم كرة القدم في الوقت الحالي وهو الهولندي فيرجيل فان دايك، في الوقت الذي قام فيه بتصعيد بعض اللاعبين الشباب الرائعين مثل ترينت ألكسندر أرنولد، وحقق الاستفادة القصوى من لاعبين لم يقدموا مستويات كبيرة في الأندية الإنجليزية الأخرى مثل أندي روبرتسون وجيمس ميلنر.
وعلاوة على ذلك، يتميز كلوب بذكائه الخططي والتكيتكي وفيما يتعلق باختيارات اللاعبين، في الوقت الذي يتهم فيه البعض غوارديولا بـ«المبالغة في التفكير»، سواء في الخطط التكتيكية أو في سوق الانتقالات، حيث تعاقد مع ظهراء للجنب بمبالغ خرافية ويغيّر كثيراً في تشكيلاته للمباريات، خصوصاً في المباريات الكبيرة.
وبالنظر إلى النجاحات التي حققها غوارديولا في عالم التدريب، يبدو من الغريب القول إنه يتعرض لأي ضغوط، ومن السخف حتى التفكير في إمكانية إقالته من منصبه، لكنه لن يبقى على رأس القيادة الفنية لمانشستر سيتي إلى الأبد، وسواء كان هو من سيطلب الرحيل أو يُطلب منه المغادرة، فما الحدود الزمنية وما الذي يحتاج إلى تحقيقه قبل مغادرته؟ وعند أي نقطة سوف تبدأ الضغوط تتراكم عليه؟ وإذا ودّع مانشستر سيتي دوري أبطال أوروبا مرة أخرى من الدور ربع النهائي هذا الموسم، فما تأثير ذلك على غوارديولا؟
لقد خسر مانشستر سيتي على ملعب «آنفيلد» واتسع فارق النقاط مع ليفربول إلى تسع نقاط كاملة، والآن فإن الشيء الذي يحتاج إليه غوارديولا لتعزيز سمعته التدريبية لم يعد هو الفوز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز، لكنه الفوز بلقب دوري أبطال أوروبا.