«منتدى باريس للسلام» يبحث قضايا العالم الساخنة اليوم

تستضيف العاصمة الفرنسية، اليوم وغداً، النسخة الثانية من «منتدى باريس للسلام»، بحضور عشرات رؤساء الدول والحكومات والمنظمات الدولية وممثلي المجتمع المدني، في بادرة يراد منها أن تكون متمايزة عن منتدى «دافوس» الاقتصادي الشهير، أو عن مؤتمر الأمن السنوي في ميونيخ.
وتكمن «فلسفة» المؤتمر في سعي منظميه في ألا يكون فقط محفلاً للخطب والمناقشات واللقاءات الجانبية، بل أن يفضي إلى قرارات ومشاريع ملموسة في مجموعة من القطاعات، وأن يكون للمجتمع المدني والقطاع الخاص نصيب كبير منه. وتنصب اهتمامات المنتدى على 6 قطاعات رئيسية، هي: السلام والأمن، والتنمية، والبيئة، والتكنولوجيات الجديدة، والاقتصاد، وأخيراً الثقافة والتعليم.
وللنسخة الراهنة، عمدت الهيئة المختصة، في مرحلة أولى، إلى اختيار 120 مشروعاً من بين 700 مشروع جاءت من 115 بلداً عبر العالم، بمبادرة من سلطات رسمية ومنظمات دولية وأخرى ومجموعات دينية ومراكز أبحاث.
وفي مرحلة ثانية، ستعمد اللجنة المشرفة إلى انتقاء عشرة مشاريع ستتم متابعتها ودعمها خلال عام كامل لنقلها إلى حيز التنفيذ، على أن يتم تقييم ما تحقق منها في النسخة الثالثة العام المقبل. صحيح أن طموحات باريس، وتحديداً الرئيس إيمانويل ماكرون الذي كان في أساس إطلاق هذه المبادرة، لم تجد هذه المرة التجاوب الذي لقيته العام الماضي، فغابت الأسماء ذات «الوزن الثقيل»، مثل الرئيسين الأميركي والروسي أو المستشارة الألمانية أو رئيس الوزراء البريطاني، لكن في المقابل حضر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيسة المفوضية الأوروبية الجديدة أورسولا فون دير ليين، ونائب الرئيس الصيني وانغ كيشان، وعدد من قادة أفريقيا (مالي، وتشاد، والنيجر، وسيراليون، وكاميرون، والصومال، وتونس...إلخ»، وأوروبا، خصوصاً الشرقية (صربيا، ومقدونيا، وألبانيا، وكوسوفو)، ومسؤولون عن المنظمات الدولية.
وحسابياً، فإن الحضور يمكن اعتباره ضعيفاً، قياساً لستين رئيس دولة وحكومة حضروا العام الماضي الذي استفادت نسخته الأولى من وجود عدد كبير من القادة الدوليين للمشاركة في احتفالية مرور مائة عام على انتهاء الحرب العالمية الأولى. وفي أي حال، ومهما تكن أهمية المتغيبين عن النسخة الثانية، فإن المنتدى سيوفر فرصة لتناول الأزمات الساخنة، أكان في سوريا أو ليبيا أو العراق أو الملف النووي الإيراني، إضافة إلى مصير الحلف الأطلسي، وموقع تركيا فيه، على خلفيات عملياتها العسكرية شمال شرقي سوريا، وحروب أفريقيا، والإرهاب، ومستقبل معاهدات نزع التسلح، والحروب التجارية التي أطلقها الرئيس الأميركي، وأبرزها مع الصين، والتغيرات المناخية، ومستقبل اتفاقية باريس للمناخ الموقعة نهاية عام 2015، والهجرات، والتنمية في أفريقيا، وصعود التيارات الشعبوية، والعالم السيبراني.
وبكلام آخر، ورغم حرص الهيئة المنظمة على إعطاء المنتدى بعداً عملياً، فإنه سيكون مناسبة لمقاربة أزمات العالم وانشغالاته. وينتظر أن تشهد باريس مجموعة واسعة من اللقاءات الجانبية، أبرزها لقاء يضم وزراء خارجية الدول الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاق النووي مع إيران (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) حول الملف المذكور. ويأتي هذا الاجتماع عقب مزيد من تقليص إيران لالتزاماتها النووية، في إطار «المرحلة الرابعة» من الخروج التدريجي من الاتفاق.
وقال جوستان فايس، الذي يشغل موقع مدير المنتدى، وفق ما نقلت عنه صحيفة «لو موند» في عددها ليوم أمس، إن هذا المحفل يجمع «في الوقت نفسه عدة أمور، فهو قمة ومؤتمر عالي المستوى، وصالون لعرض مجموعة من المقترحات، وهو يضم لاعبين من غير الحكومات، الذين من دونهم يكون من الصعب مواجهة المسائل المستعصية، مثل الانحباس الحراري، وحوكمة شبكة الإنترنت، والذكاء الصناعي أو التنمية». لكن الحضور الرسمي بالنسبة لمدير المنتدى يبقى أساسياً ومركزياً على المستوى العالمي، بخصوص مسائل تتعلق بالإرهاب والنزاعات وانتشار السلاح النووي.
من هنا، أهمية الجمع بين الرسمي والخاص، وتوفير منتدى لتبادل المقاربات والآراء، ولكن أيضاً لعرض مشاريع ملموسة من شأنها الاستجابة لعدد من الاهتمامات الطاغية في الوقت الراهن.
وفي أي حال، فإن باريس ستتحول اليوم وغداً إلى مركز لمناقشة قضايا العالم، وقد بدأ ذلك مساء أمس، في كلمة افتتاحية للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي كان حاضراً العام الماضي.
وكان منتظراً أن يتناول غوتيريش أوضاع العام، وأهمية المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة والمنظمات التي تتفرع عنها.
وأمس، عقد الرئيس الفرنسي عدة لقاءات ثنائية، دعا عقبها رؤساء الدول والحكومات ومسؤولي المنظمات الدولية إلى عشاء رسمي في قصر الإليزيه، على أن يفتتح اليوم صباحاً أشغال المنتدى.